22-أغسطس-2023
منتا

جاء القرار ضمن سلسلة من التوترات بين النقابة وشركات التأمين حول لائحة الأجور المُحددة منذ عام 2021.

في بيان لها يوم السبت 19 آب/ أغسطس، أعلنت نقابة الأطباء الأردنية التوقف عن استقبال حالات التأمين اعتبارًا من 2 أيلول/سبتمبر المقبل، باستثناء الحالات الطارئة ومرضى السرطان والفشل الكلوي، فإن علاجها سيستمر وفقًا للتسعيرة النافذة لعام 2021.

أما الحالات غير الطارئة فتقديم الخدمات لها سيكون بعد دفع جزء من الأتعاب، إذ يتعين على كل طبيب كتابة تقرير طبي ومنح المرضى وصلًا ماليًا يتيح لهم مراجعة شركات التأمين المختلفة واستلام المبلغ المالي، وذلك لحفظ حقوق المستفيدين من التأمين الصحي الخاص.

جاء القرار ضمن سلسلة من التوترات بين النقابة وشركات التأمين حول لائحة الأجور المُحددة منذ عام 2021، والتي وافقت عليها النقابة في ذلك الحين والتزمت بها واعتمدتها، في حين رفضتها شركات التأمين واستمرت في اعتماد لائحة الأجور لعام 2008.

تسبب القرار بتبادل الاتهامات بين الأطراف المعنية، وأحدث جدلًا على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي حول معقولية لائحة الأجور الجديدة ومشروعية قرار النقابة، وآثاره على 16 بالمائة من الأردنيين المؤمنين صحيًا عبر شركات التأمين في القطاع الخاص.

لائحة أجور جديدة

أرجع نقيب الأطباء، زياد الزعبي، تعديل لائحة الأجور إلى أن "الأجور المعمول بها حاليًا تسببت بهامش تضخم كبير، كونها تعود إلى تسعيرة عام 2008"، إذ لم يطرأ أي تعديل على أجور الأطباء منذ عام 2008 وحتَّى عام 2023، وعدد كبير من الأطباء يرفضون التعامل بتسعيرة 2008 باعتبارها ظالمة وقديمة ولا تتماشى مع التضخم وارتفاع الأسعار الحاصل.

جاء القرار ضمن سلسلة من التوترات بين النقابة وشركات التأمين حول لائحة الأجور المُحددة منذ عام 2021، والتي وافقت عليها النقابة في ذلك الحين والتزمت بها واعتمدتها، في حين رفضتها شركات التأمين واستمرت في اعتماد لائحة الأجور لعام 2008.

ومن الأسباب الداعية إلى اعتماد اللائحة الجديدة، وفقًا لنقابة الأطباء، أنها جاءت لمعالجة الإجراءات الطبية التي استجدّت منذ عام 2008. يقول الزعبي إن "لائحة الأجور لعام 2008 لا تشمل 40% من الإجراءات الطبية غير المسعّرة"، مبينًا أن هناك تقنيات حديثة مثل العلاج بالمنظار الجراحي والليزر غير مسعّرة في اللائحة القديمة، إنما تُترَك  لتقديرات الأطباء، ممّا قد يُسبب حالة من الفوضى والانفلات.

كذلك يرى رئيس اللجنة الإعلامية لنقابة الأطباء، حازم القرالة، أن الطب علم متطور ويفرض إجراءات جديدة كل فترة، والأمر يتطلب تحديثًا مستمرًا للائحة من أجل وضع سقف أسعار للخدمات الجديدة.

وبحسب القرالة، فإن النقابة وضعت حدين أعلى وأدنى للأسعار، فضلًا عن وصف إجراءات عمل لكل طبيب، وإزالة التداخلات بين إجراءات الأطباء. وتهدف اللائحة الجديدة، وفق ما ذكره القرالة لألترا صوت، إلى "تنظيم علاقة الطبيب مع شركة التأمين والمريض والطبيب، وضبط التجاوزات التي يلجأ إليها بعض الأطباء برفعهم الأجور، وتضع حدًا أعلى لأجر أي طبيب وحدًا أدنى أيضًا".

في المقابل، مدير عام الاتحاد الأردني لشركات التأمين، مؤيد كلوب، يرى أن بعض الزيادات التي  تضمنتها لائحة الأجور الجديدة 2021، وصلت إلى أكثر من 800%، والكثير منها تجاوز الـ 300%، الأمر الذي نفاه القرالة، الذي يقول إن "لائحة الأجور الجديدة تتضمن رفع أسعار بنسبة 30%"، موضحًا أن أتعاب الكشفية في عيادة الطبيب العام كانت في اللائحة القديمة تقدر بـ 5 إلى 8 دينار، وأصبحت في اللائحة الجديدة تتراوح بين 10 إلى 15 دينارًا. فيما كانت الأجرة لدى الطبيب المتخصص تتراوح بين 10 إلى 20 وأصبحت تتراوح بين 20 إلى 30 دينارًا.

ويرى القرالة  أنه وإذا قورنت الأسعار الجديدة بلائحة 2008 نرى أنها ارتفعت، لكن حقيقة الأمر أن اللائحة الجديدة تخفض الأسعار وفق ما هو معمول به حاليًا عند مراجعة الأطباء، مشيرًا إلى أن هناك أطباء يحصلون على كشفية تصل إلى 50 دينارًا وأحيانًا أكثر من ذلك، لكن اللائحة الجديدة حددت السقف بحوالي 30 دينارًا.

هل قرار النقابة قانوني؟

خلال حديثه مع ألترا صوت، أكد كلوب أن قرار النقابة في رفع أجورها "غير قانوني"، ومخالف للمادة رقم 20 من قانون المنافسة الذي لا يجيز لأي جهة احتكار التسعيرة، داعيًا وزارتي الصناعة والتجارة والصحة إلى التعامل بسرعة مع هذا القرار.

ووفق المادة 2/ج من قانون المنافسة، "يحظر على أي جمعية أو أي جهة من القطاع الخاص تتولى تنظيم ممارسة أي مهنة أو رعاية مصالح المؤسسات الاقتصادية أو التجارية إصدار أي قرار يؤدي إلى الإخلال بالمنافسة أو الحد منها أو منعها خلافًا لأحكام هذا القانون وأي تشريع آخر، وبخلاف ذلك تطبق على الجهة المخالفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة (ب) من هذه المادة".

وقالت وزارة الصناعة والتجارة، في بيانٍ لها، إنها تدرس حاليًا ما إذا كان قرار نقابة الأطباء بشأن وقف المعالجات الطبية للمؤمّنين من خلال شركات التأمين "مخلًا بالمنافسة"، وعليه سيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة، وفق أحكام قانون المنافسة والتشريعات ذات العلاقة.

كمنتا

بدوره، يؤكد الزعبي، أن قرار النقابة قانوني، فالقانون خوَّل نقابة الأطباء إصدار لائحة الأجور بشكلٍ منفرد وفق المادة 35 من قانون النقابة، وهو قانون مصدق عليه من كافة الجهات التشريعية، كما أنه قانون خاص يسمو على القانون العام، إضافة إلى قانون الصندوق التعاوني للأطباء.

ويُبيِّن الزعبي أن غير القانوني هو رفض شركات التأمين التصديق على قانون الصندوق التعاوني الذي صدر عام 2018، رغم أنه مصادق عليه وموشح بالإرادة الملكية السامية ومنشور في الجريدة الرسمية، فضلًا عن أن هناك قرارًا قضائيًا قطعيًا صدر عن المحكمة الإدارية العليا بتفعيل نظام الصندوق، مؤكدًا أن النقابة ستستمر بالتوقف عن استقبال مرضى التأمين إذا لم توافق شركات التأمين التصديق على قانون الصندوق التعاوني.

نظام الصندوق التقاعدي صدر بإرادة ملكية سامية وحمل رقم 158 لعام 2018 وقد نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018، وصودق عليه بموجب المحكمة الإدارية العليا بقرار رقم 38 بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019.

وقد جاءت فكرة الصندوق لتُنظّم العملية العلاجية بين كل من متلقي الخدمة، ومقدمها، وشركات التأمين، إذ يهدف القانون إلى اعتماد لائحة الأجور النافذة كأساس للتعامل بين الأطباء وشركات التأمين استنادًا للمادة (14/أ) من نظام الصندوق، إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة بين الطرفين لحل الخلافات.

من ضمن اعتراضات شركات التأمين على قرار النقابة أن القرار اتخذ بشكلٍ فردي دون التنسيق مع كافة الأطراف المعينة، إذ تعتبر شركات التأمين جزءًا من 7 جهات تتحمَّل الفاتورة الطبية التي يدفعها المواطن.

ومن خلاله يكون للمريض الحق في اختيار طبيبه دون اقتصار المعالجة على عدد محدود من الأطباء، وعدم انتظار المريض والطبيب فترات طويلة لأخذ موافقة الشركات على أي إجراء طبي ضروري. في حين يستفيد الأطباء منه تلحصيل حقوقهم خلال ثلاثة أشهر وحسب تسعيرة النقابة لعام 2021 دون اقتطاعات. وفي هذا السياق يقول القرالة: "الآن شركات التأمين تُحاسب الطبيب بحسب تسعيرة عام 2008 وتقتطع منها 25%، وتعطيه بعد ستة أشهر أو بعد سنة".

ومن ضمن اعتراضات شركات التأمين على قرار النقابة، وفق كلوب، أن القرار اُتخذ "بشكلٍ فردي" دون التنسيق مع كافة الأطراف المعينة، إذ تعتبر شركات التأمين جزءًا من 7 جهات تتحمَّل الفاتورة الطبية التي يدفعها المواطن، وهي بذلك تُشكل 8% فقط من مجموع المؤمنين في القطاع الخاص، معتبرة أن "النقابة تحاول الضغط على شركات التأمين لتمرير رفع الأجور ولا يجوز استخدام المواطن كضحية"، كما يقول كلوب، مدير عام الاتحاد الأردني لشركات التأمين.

في هذا الإطار، يتوقع كلوب أن تشهد المؤسسات الصحية الحكومية ضغطًا هائلًا نتيجة ارتفاع كلفة التأمين الصحي في القطاع الخاص، وستلجأ العديد من الصناديق التأمينية إلى تقليص وربما إلغاء خدماتها، ورفع قيمة الأقساط التأمينية، ما يعني بالضرورة انتقال أعداد كبيرة من المؤمن عليهم إلى القطاع الطبي الحكومي، الذي بالكاد يغطي دوره بالتغطية التأمينية.

كذلك دعا الاتحاد العام لنقابات عمَّال الأردن نقابة الأطباء إلى التراجع عن قرارها "الفردي والتعسفي" بشأن رفع الأجور الطبية، وضرورة فتح حوار موسع مع جميع الأطراف ذات العلاقة، انطلاقًا من الحرص على المصلحة الوطنية.

يقول رئيس الاتحاد مازن المعايطة، إن قرار النقابة سيؤثر على شريحة العمال في شتى القطاعات الاقتصادية والتي يبلغ عددها أكثر من 750 ألف عامل، معتبرًا أن تفرّد النقابة بقرار الأجور  يمثل خروجًا على المتفق عليه، من مبادئ نص عليها ميثاق التعاون والاتفاقات الموقعة عام 2010، بمشاركة النقابات الصحية، وممثلين عن الجهات دافعة الفاتورة العلاجية، بحضور جمعية حماية المستهلك والاتحاد العام لنقابات العمال.

في حين يرى الزعبي والقرالة أن قرار النقابة لا مخالفة فيه للقوانين، وليس قرارًا جديدًا مفاجئًا للأطراف المعنية، إنما هو امتداد لخطة النقابة عام 2021 في تحديد لائحة أجور جديدة تتناسب مع التطورات الحاصلة في المجال الطبي،  إذ إن "النقابة أعلمت شركات التأمين بالقرار، وكانت هناك محاولات للتواصل مع إدارة الاتحاد الأردني لشركات التأمين دون ردٍ منها، كما جرت مخاطبة البنك المركزي الأردني كونه المسؤول عن قطاع التأمين" كما يقول الزعبي.

وأكد الزعبي أن نقابة الأطباء الأردنية مصرة على تنفيذ قرار مجلس النقابة بالتوقف عن استقبال حالات التأمين ابتداءً من الثاني من أيلول المقبل، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن أبواب الحوار مفتوحة دائمًا للجميع ضمن القانون.

ويرى الخبير القانوني المختص في قطاع التأمين، يزن محادين، إن للنقابة الحق في الدفاع عن منتسبيها مع مراعاتها للخدمة الصحية، مؤكدًا أن قرار النقابة لا يعد انتهاكًا لأحكام المادة 20 من قانون المنافسة؛ باعتبار أن المادة 4 من نفس القانون تشير إلى تحديد الأسعار استنادًا إلى مبادئ السوق والمنافسة الحرة، مع استثناءات حالات محددة تخضع لأحكام قوانين أخرى.

وفي هذه الحالة، لجأ مجلس النقابة إلى المادة 35 من قانون نقابة الأطباء الأردنية وأحكامنظام أجور الأطباء رقم 46 لعام 1989، والتي تمنحه الصلاحية الكاملة بتحديد أسعار لائحة الأجور الطبية.

والحل الأمثل -وفق محاين- لقضية لائحة الأجور بين الأطباء وشركات التأمين هو النقاش والحوار وإجراء المفاوضات بينهما بإشراف جهات حكومية مثل وزارة الصحة ووزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك، أو اللجوء إلى القضاء؛ حتَّى لا يتكبد المواطنون الأعباء المالية الناتجة عن تلك القرارات.