07-مايو-2018

مارك ساغال/ روسيا

أريد أن أكتب عن اللقاء. عن لقاء الأصدقاء بعد مباعدة، عن تلك اللحظة التي تلتقي فيها عيوننا ويدور شريط الذكريات ونتذكر كيف كُنّا وما صرنا إليه.

أريد أن أكتب عن تلك الابتسامة الطفولية عندما نتذكر أسرارنا المشتركة وذكرياتنا التي لا يثبت وجودها إلا آذاننا التي مازالت تتذكر.

أريد أن أتذكر، لذلك فأنا أريد أن أكتب. أريد أن أدوّن تلك اللحظة التي أطلنا فيها النظر كل في عين الآخر. لم نكن نفتش عن شيء ولا أردنا التحقق من أن المودة لا تزال على قيد الحياة. كنا فقط نستدعي ذلك الوصل الذي حملنا ذات يوم كالخيط المشدود كي لا نسقط في هوية اليأس.

أريد أن أكتب عن صوتي المرتعش في الهاتف وأنا أشكو لكِ الوحدة بينما أنتِ على الناحية الأخرى تقهقهين من غبائي، تحديدا لأن الوحيدين لا يجدون حتى مَن يشكون إليه.

أريد أن أكتب عن النقود القليلة التي كنا نتقاسمها أحيانًا، وعن المال الوفير نسبيًا الذي كنا نبذره في الدكاكين اللامعة كدليل على أن الاحتفال والفرح مرّا من هنا.

أريد أن أكتب عن الحضن الذي يعتصر الدموع تمامًا حتى يزول الألم ويبتلّ الصدر والكتف.

أريد أن أكتب عن الحب أيضًا. عن الحب المجاني الذي يأتي فجأة وبلا توقع ولا إرادة.

أريد أن أكتب عن ذلك الحب المشعث الخارج عن كل الأطر والأنظمة، والذي لا يستجيب إلا للروح وفضاء العناق الروحي.

أريد أن أصف تلك اللحظة عندما نتعانق فأكتشف أن نبضات قلبينا متزامنة. أنصتُ للنبضات الواحدة وأفقد التمييز بين قلبي وقلبك.

أريد أن أكتب عن التنفس. عن النَفَس الذي نتنفسه سويًا، وكيف أننا نتنفس في ذات اللحظة، ويمضي شهيقنا وزفيرنا سويًا، وتحتوي رئتانا نفس جرعة الهواء.

أريد أن أكتب عن فقدان الذات في لحظة الحب. كيف نندمج ونذوب في كيان واحد. كيف نفقد أنفسنا وفردياتنا. كيف تسقط الحدود والأنا. كيف تطير الروح. كيف نترك أجسادنا ونحلّق دون هدف. كيف نفقد إحساس التلامس لأن جسدينا قد أصبحا جسدًا واحدًا يلمس نفسه ويعشق ذاته وينفتح على كون غير مادي.

أريد أن أكتب عن اللحظة التي لم يعد لي فيها اسم ولا كان لي مسار أو ثقل.

أريد أن أكتب عن تلك اللحظة التي يصمت فيها العالم والتاريخ، ولا يوجد شيء.

أريد أن أكتب عن التعبّد وعن الوجد وعن التوحّد. أريد أن أصف اللحظة التي ينفتح فيها القلب. ينشرح. تتجلّى الروح. وتسقط الأقنعة.

أريد أن أكتب عن فقدان الصلة بأي واقع أو بالعالم الخارجي.

أريد أن أكتب عن استعادة العالم الداخلي.

أريد أن أكتب عن العودة إلى نقطة الصفر.

أريد أن أكتب عن الميلاد الجديد. عن الكينونة الممكنة.

أريد أن أكتب عن ملمس الهواء في شوارع حيّي الخلفية ذات ليلة مقمرة.

أريد أن أكتب عن الليلة المقمرة في مدينتي. أن أصف السماء بينما القمر ينيرها ليلا وأنا لم أعد أرى أية أشباح ولا هلاوس.

أريد أن أكتب عن الحجر الذي جلست عليه في الطريق بينما كنت أحدق فيّ أنا الجديدة التي تولد تحت تلك السماء الجديدة، وبينما كانت عيناي تقطران حبّات عشق ومحبة لكل أرواح الأصدقاء وأجسادهم.

عادت إلي شعوذة الكتابة فصرت أكتب في الهواء بدموعي وأردد أن هذا ما أريد أن أكتبه وأن أصفه وأن أدوّنه. هذا ما أريد أن أكونه لكنني الآن سوف أكتفي بكتابته، أو بمجرد تمنّي كتابته..

 

اقرأ/ي أيضًا:

ليلة إيروتيكية مع شاعرة

قُبلة موقوتة