هذه المساحة مخصصة لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
توفي فجر الأحد الماضي، السابع عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، الكاتب والمترجم المصري شوقي جلال (1931 - 2023)، الذي يحظى بمكانة مهمة في المشهد الثقافي العربي كاتبًا ومترجمًا عبّرت ترجماته عن اطلاعه الواسع على الثقافة الغربية، التي ترجم منها عناوين مميزة في مجالات مختلفة.
ولد جلال في القاهرة في 30 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1931 لأسرة مثقفة لعبت دورًا مؤثرًا في تشكيل ثقافته ووعيه. ونال في عام 1956 درجة البكالوريوس في الفلسفة من كلية الآداب في جامعة القاهرة، حيث درس الفلسفة وعلم النفس، وقرأ عن ثقافات مختلفة كالبوذية والكونفوشية والماركسية، إضافةً إلى الفلسفة العربية.
يقول شوقي جلال إن القمع والاعتقالات السياسية، بالإضافة إلى سطوة الرقابة، هي ما دفعه إلى ممارسة الترجمة
وكان لدراسة الفلسفة أثرًا كبيرًا على سيرته كمترجم، وهو ما يتجلى في اختياره للعناوين التي نقلها إلى اللغة العربية. وبالتوازي مع اشتغاله بهذا المجال، عمل الراحل في صحف ومجلات ودوريات مختلفة، مثل "الأهرام"، ومجلة "العربي" الكويتية، ومجلة "الفكر المعاصر"، ومجلة "تراث الإنسانية".
لم يمارس الراحل الترجمة بوصفها مهنة وإنما وسيلة لبدء وبناء مشروعه "تغيير العقل المصري والعربي"، إذ يذكر في مقدمة كتابه "الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحديات" أن الاعتقالات السياسية وحالة القمع السياسي، بالإضافة إلى المنع والحظر، دفعه للتكلم بلسان غيره مع إضافة رأيه في المقدمة والهوامش، ومن هنا اتخذ من الترجمة وسيلة لبداية مشروعه الذي أنفق فيه أكثر من 40 عامًا.
البداية كانت منتصف خمسينيات القرن الماضي، حيث صدر له عن "دار النديم" ترجمتان هما "السفر بين الكواكب" و"بافلوف، حياته وأعماله" عام 1957. ثم انقطع بعد ذلك عن الترجمة لعدة سنوات بسبب الاعتقال السياسي، قبل أن يعود ويستأنف نشاطه، فترجم إلى العربية رواية "المسيح يصلب من جديد" لليوناني نيكوس كازانتزاكيس الذي يقول إنه شعر بنوع من التماهي معه.
ثم توالت بعد ذلك ترجماته التي: "لا يعنيني كمِّيتها التي تجاوزت الستين، ولكن يعنيني أنها مختاراتي من بين قراءاتي، وملتزمة جميعها بمشروعي من الانتقال إلى العقل العلمي، والتحوُّل عن ثقافة الكلمة إلى ثقافة الفعل".
وفي هذا السياق، يُعيد أزمة الترجمة في العالم العربي، كما أزمة الثقافة أيضًا، إلى: "المُناخ السياسي المُتَّسم بالاستبداد والقهر وغياب الحريات"، الذي يرى أنه المسؤول عن: "انصراف الإنسان العربي عن ثقافة تحصيل العلم، وعن الاهتمام بالقراءة وبالبحث".
ساهم شوقي جلال في إمداد المكتبة العربية بعناوين أدبية وفكرية وفلسفية مميزة، منها: "بنية الثورات العلمية" (1992) لـ توماس كون، و"التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة" (1996) لـ جورج جي. ام. جيمس، و"مغامرات نلز العجيب" (1999) لـ سلمى لاجرلوف، و"جغرافية الفكر: كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف.. ولماذا؟" (2005) لـ ريتشارد إي. نيسبت، و"التنمية حرية" (2005) لـ أمارتيا سن، و"الفيل والتنين: صعود الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعًا" (2009) لـ روبين ميريديث.
إضافةً إلى: "فكرة الثقافة" (2012) لـ تيري إيجلتون، "وتاريخ العلم" (صدر في جزئين عام 2012) لـ جون غريبين، و"تكوين العقل : كيف يخلق المخ عالمنا الذهني" (2012) لـ كريس فريث، و"تاريخ العلم" (صدر في جزئين عام 2012) لـ جون غريبين، و"الإنسان، اللغة، الرمز: التطور المشترك للغة والمخ" (2016) لـ تيرنس دبليو ديكون، و"الأمريكي الهادئ" (2019، مع محمود ماجد) لـ جراهام جرين.