01-ديسمبر-2021

جانب من "مطبعة بولاق" (ألترا صوت)

ألترا صوت فريق التحرير

هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


يرتبط تاريخ الطباعة في مصر بـ "مطبعة بولاق" التي تُعتبر أول مطبعة حكومية رسمية في البلاد، حيث تأسست عام 1820 بأمرٍ من والي مصر محمد علي باشا، الذي أدرك بعد استقرار حكمه حاجته إلى مطبعة لطباعة قوانين الدولة، ومنشوراتها الإدارية، وأوامر مسؤوليها، بالإضافة إلى طباعة كتب لتعليم أفراد الجيش أصول الحرب وأنواع الأسلحة وقوانين المؤسسة العسكرية، وواجباتهم تجاهها.

تبلغ حصيلة ما نشرته "مطبعة بولاق" بين عامي 1822 و1894 نحو 867 كتابًا، بينما بلغت حصيلة ما نشرته بين 1899 و1950 نحو 9538 كتابًا

تعود فكرة إنشاء "مطبعة بولاق" إلى عام 1815، الذي أوفد فيه محمد علي باشا بعثة رسمية، برئاسة نيقولا المسابكي، إلى مدينة ميلانو الإيطالية لتعلم فن الطباعة. وبمجرد عودة المسابكي إلى مصر، عهد إليه محمد علي باشا بإنشاء المطبعة، التي بُنيت في حي بولاق في القاهرة خلال الفترة الممتدة بين 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1819 و27 أيلول/ سبتمبر 1820.

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: "الكرمل".. قصة مجلة

استمرت أعمال تركيب آلات الطباعة وتدريب العمال على استخدامها من أيلول/ سبتمبر 1821 وحتى آب/ أغسطس 1822. وفي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، بدأت "مطبعة بولاق" العمل رسيمًا، وأصدرت في كانون الأول/ ديسمبر باكورة مطبوعاتها، وهي قاموس عربي إيطالي جاء إصداره في سياق توجهات محمد علي باشا للانفتاح على أوروبا.

نشأت "مطبعة بولاق" نشأة بسيطة لدرجة أن مؤسسيها لم يضعوا قوانين تنظّم العمل فيها إلا بعد توسعها، الذي أجبرهم على سن قوانين نظّمت عملها، وحددت سياسات الطبع فيها، وفرضت نظامًا رقابيًا على مطبوعاتها. وإلى جانب "بولاق"، حملت المطبعة العديد من الأسماء، مثل: "دار الطباعة" الذي نُقش على اللوحة التذكارية الخاصة بها، و"مطبعة صاحب السعادة" الذي ورد في القسم العربي من القاموس الذي أصدرته المطبعة في بداياتها، و"المطبعة الأميرية" في القسم الإيطالي من القاموس نفسه، بينما وردت باسم "مطبعة بولاق" في الوثائق الرسمية.

أما مطبوعاتها، فقد اقتصرت في بداياتها على القوانين والمنشورات واللوائح الإدارية، والدفاتر الحكومية، والكتب الحربية المخصصة للجيش، قبل أن تشمل فيما بعد الكتب المدرسية والإسلامية والأدبية، بالإضافة إلى مجلة "الوقائع المصرية"، والقرآن الكريم الذي تأخرت في طباعته بسبب فتوى لعلماء الأزهر تحرّم طباعته.

ارتبط توسع نشاط "مطبعة بولاق" التي ساهم تأسيسها في زيادة عدد المدارس في مصر، بالعديد من التحولات التي مرّت بها، مثل انتقالها إلى بناء أوسع عام 1829، وشراء الحكومة المصرية خمس آلات طباعة جديدة أُضيفت إلى ثلاث آلات عملت بها المطبعة منذ عام 1822 وحتى 1828، الأمر الذي ضاعف من قدراتها الإنتاجية، وساهم في رواج حركة الترجمة في مصر من اللغات الأوروبية إلى العربية.

شهدت المطبعة بين عامي 1843 1865 تراجعًا حادًا في نشاطها بسبب الركود الاقتصادي الذي دفع محمد علي باشا، ومن بعده خليفته وحفيده عباس حلمي الأول، إلى إغلاق بعض المدارس وتخفيض عدد العاملين في الجيش. ولأن أكثر مطبوعات "بولاق" خُصصت لها، فقد بدا من الطبيعي أن تتأثر بالتحولات التي طرأت عليها، وأن تتدهور أوضاعها إلى درجة إغلاقها لنحو عام في عهد محمد سعيد باشا، الذي أهدى المطبعة في عام 1862 إلى عبد الرحمن رشدي، مدير مصلحة السكك الحديدية في البحر الأحمر، الذي غيّر اسمها إلى "مطبعة عبد الرحمن رشدي ببولاق".

ولكن المطبعة استعادت بريقها بعد قيام الخديوي إسماعيل، الذي خلف محمد سعيد باشا في الحكم، بشرائها من عبد الرحمن رشدي وضمها إلى دائرة أملاك أبنائه التي تُعرف بـ "الدائرة السنية"، فأصبحت تُعرف حينها بـ "المطبعة السنية ببولاق"، وهو الاسم الذي شهد على فترة ازدهار المطبعة التي أمر الخديوي إسماعيل بإصلاح وتجديد آلياتها، وإمدادها بمحركات بخارية، وآلات لطباعة الرسومات والأشكال والخرائط، إلى جانب سبع آلات للطباعة، وآلة لصناعة الظروف البريدية، مما جعل منها مؤسسة تجارية مربحة ماديًا، لا سيما بعد أن عُهد إليها بمهمة طباعة الطوابع البريدية، ومشاركة مطبوعاتها في جناح مصر في معرض باريس للكتاب عام 1867، ومعرض فيينا عام 1873.

وبعد نحو 18 عامًا من العمل تحت إدارة الخديوي إسماعيل، استعادت الدولة المصرية ملكية المطبعة في حزيران/ يونيو 1880، بموجب قرار أصدره الخديوي توفيق الذي تولى حكم مصر بعد عزل الخديوي إسماعيل عام 1879. ويعيد البعض أسباب استعادة الدولة للمطبعة التي منحها الخديوي توفيق اسم "مطبعة بولاق الأميرية"، إلى خشيتها من استخدامها في نشر الوعي السياسي بين أفراد الشعب، والمساهمة في تغذية حالة التوتر السياسي التي سادت في مصر خلال تلك الفترة.

يرتبط تاريخ الطباعة في مصر بـ "مطبعة بولاق" التي تُعتبر أول مطبعة حكومية رسمية في البلاد، حيث تأسست عام 1820 بأمر من محمد علي باشا

اقتصر نشاط المطبعة في عهد الخديوي توفيق على المطبوعات الحكومية. وشهدت بين عامي 1881 1886 فترة من الركود لأسباب اقتصادية وسياسية مختلفة، منها الثورة العُرابية والاحتلال البريطاني وغيرهما. وفي عام 1903، تغيّر اسم المطبعة إلى "المطبعة الأميرية ببولاق"، ثم تغيّر مرة أخرى عام 1905 ليصبح "المطبعة الأميرية في القاهرة"، واستمرت المطبعة بالعمل تحت هذا الاسم حتى ثورة 23 تموز/ يوليو 1952، حيث أصبحت تُعرف حينها باسم "الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية".

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: مجلة "أبولّو"

وبحسب إحصاءات "مكتبة الإسكندرية"، تبلغ حصيلة ما نشرته "مطبعة بولاق" بين عامي 1822 و1894، نحو 867 كتابًا. بينما بلغت حصيلة ما نشرته بين 1899 و1950، نحو 9538 كتابًا. ولعل من بين أهم إصدارات المطبعة هي كتب: "مقامات الحريري"، و"المستطرف"، و"خطط المقريزي"، و"إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري"، و"ألف ليلة وليلة"، و"كليلة ودمنة"، وغيرها من الكتب والمؤلفات التي شملت حقول معرفية وفكرية وعلمية مختلفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أرشيفنا الثقافي: جماعة كركوك

أرشيفنا الثقافي: حين رفض صنع الله إبراهيم جائزة "ملتقى القاهرة"