09-يناير-2019

ديانا الحديد/ سوريا

أديل الخشن شاعرة وأديبة لبنانية من بلدة الشويفات، ولدت عام 1923، وهي زوجة الشاعر فؤاد الخشن. مارست التعليم في مدرسة البنات الأولى في بيروت. كتبت الكثير عن القضية الفلسطينية وأبعادها، وتألمت من إهمال الأنظمة العربية لحقيقة هذه المأساة التي حلت بهذا الشعب المشرد. زارت مخيم النبطية للاجئين الفلسطينيين بعد غارة للطيران الإسرائيلي عليه، وكانت تصطحب امرأة أمريكية ويرافقهما فدائي فلسطيني، وأرادت المرأة الأمريكية أن تقطف زهرة حمراء من شقيق النعمان نابتة في أرض المخيم المحترق، فما كان من الشاعرة إلا أن استوقفتها، وحكت لها عن شقائق النعمان معتبرة أن جذورها ولونها مزيج من دماء الأطفال الذين روت دماؤهم التراب.

يحتفظ شعر أديل الخشن بروح الطفولة التي رُسمت معالمها في طبيعة بلدة الشويفات اللبنانية

يمتاز شعر أديل الخشن بالوطنية والمشاعر الإنسانية، لكن الحرب اللبنانية قد حولت هذه المشاعر إلى قطرات من الآلام، وتركت انطباعًا من الكآبة انعكس في خميرة شعرها، فكتبت في قصيدتها "صلوات لأزهار الدم" تصف فيها أطفال الجنوب حين قصفت إسرائيل مدرسة الأطفال بالنابالم فتقول: شمس الجنوب يذيبني كسوفها/ وعصافير الجنوب يجتاحني حزنها/ حين تلوي أعناقها/ وتنزف حبرًا على الأغصان.

اقرأ/ي أيضًا: من هي سلمى لاغرلوف.. الروائية التي حاربت النازيين والذكورية؟

تأثرت الشاعرة أديل الخشن ببلدتها الشويفات، الهائمة بكرومها وعيونها ما بين جبل لبنان والبحر. كما تأثرت بالمعلم كمال جنبلاط وكتبت فيه قصيدة بعنوان "إلى المعلم الغائب" وهي بمثابة رسالة شعرية تطمئنه أن أمنياته قد تحققت وأن ما زرعته يداه قد نما.

من مؤلفاتها: أضواء (مجموعة شعرية)، وترجمت العديد من القصائد لكبار الشعراء البلغاريين الى اللغة العربية أمثال: خريستر بوتيف وماتاي شوبكين وجورجي كونستانتنوف وفيتوي راكوفسكي وجورجي سترومسكي وغيرهم. وكتبت أديل الخشن مقدمة الكتاب الذي جاء تحت عنوان "من الشعر البلغاري" من إصدار "دار الهمداني" في جمهورية اليمن بداية ثمانينات القرن الماضي. ولها بحث في الأنثروبولوجيا السوفييتية، ومجموعة شعريى (1986) بعنوان "أصداء". كما ترجمت أديل الخشن قصائد سوفييتية بالاشتراك مع زوجها فؤاد الخشن.

الريف والطبيعة

في نفس أديل الخشن طفولة رسمت معالمها في أرض الشويفات، وكتبت تصف حالة تمدد الأبنية الإسمنتية الزاحفة من المدينة لتأكل غابات الزيتون في قريتها الحبيبة، وبسبب مراراتها على تقلص الآثار الريفية الطبيعية والتي كانت مسرح طفولتها، كتبت تقول: "ويستفيق الخوف الراقد في أعماقي/ أولادنا لن يحوموا حول مرابع الطفولة/ لن يتنادوا الى ظل العريشة/ إنهم في الأقفاص/ وقلوبهم بعض حجارتها/ غرباء عن القرية/ عن أفواه الشقائق وهمسات العبير".

تصف الشاعرة أديل الخشن طفولتها في ضيعتها الشويفات ثلاثية التلال المليئة بالصنوبر والشربين، تصف الأعراس الصاخبة والدبكة حيث يدبك الشبان والشابات ويعزفون على منجيرة القصب. وفي مواسم القطاف كانت ترافق الأهل الى غابة الزيتون الواسعة. وتحكي كيف كانت تقضي أوقاتها مع زميلاتها في الدراسة هاربات من المقاعد الخشبية الباردة والكتب المدرسية لتنزهن ويأخذن القيلولة في حدائق ضيعتها وكرومها. كن يقطفن الريحان ويجمعن حبات اللوز المنسية على الأشجار ويعربشن على عرزال الناطور وينزلن الى وادي أبو سمعان ويستمعن الى خرير مياه نهر الجورة.

تتساءل الشاعرة أديل الخشن بحسرة، أين هي تلك الطفلة اللاهثة؟ أين الزوارق الحالمة؟ أين أصبح الفلاحون الطيبون الذين سقوا الأرض بعرق الجباه؟ أين سلمى التي كانت تبدل الزيتون بالترمس؟ أين أجراس المكاري التي تطلق رناتها النحاسية؟ أين أبو مصطفى يشقع أرغفة الخبز الأسمر في "قصعة" فخارية؟ أين الرفيقة سنية التي كانت تسرق اللوز الأخضر من حديقة أبيها وتخبئه في جرتها لتوزعه على رفيقاتها في ساحة "عين البير" أين هي؟

فؤاد الخشن: أديل شاعرة تكره العادي في القول، والقوالب الجاهزة المستنفدة، وتقول ما تريد أن تقوله بتكثيف مقطر

تكتب الشاعرة أديل الخشن الجواب بنفسها: "الزوارق انسابت على كف الريح، حملتهم بعيدًا، مراوح الليل الساهرةـ ترحل رويدًا رويدًا كما يرحل السلام عن العالم، ومظلات الصنوبر الحانية مزقتها نيران البنادق". تتأرجح في داخل الشاعرة أسئلة وتردد الصدى موجعًا، التلال الثلاث ترتجف، تهمس بأسى وحزن عميقين، أين أشجار الزيتون ونحن على عتبة الطوفان؟

شاعرة الحب؟

يكتب زوجها الشاعر فؤاد الخشن في وصف شعر قرينته الشاعرة: "أديل شاعرة تكره العادي في القول، والقوالب الجاهزة المستنفدة، وتقول ما تريد أن تقوله بتكثيف مقطر، وبجرأة وطريقة غريبتين، وهي شاعرة مولعة بالرمز المومض والغموض الشفاف" وقام الشاعر فؤاد الخشن بكتابة قصيدة أهداها لزوجته "الى ريفيتي الجميلة". أما الدكتور سامي مكارم فيعبر عن رأيه في شعر أديل بقوله: "شعر أديل الخشن مثل لوحة رسمتها أنامل طافحة بالأنوثة وقد تجلت في أبدع تجليات الكلمة البدء، ولا عجب فالكلمة في لغة أهل الجنة تقدس على التأنيث".

اقرأ/ي أيضًا: رجاء الطالبي.. الشعر هو الملاذ

ففي قصيدتها "رحيل" تحكي أديل الخشن كيف يفعل الشوق فعلته في قلب العاشق. وفي قصيدتها "الى نبيل" تصف الشاعرة ما يختلج في نفسها من عاطفة الأمومة الى ابنها المسافر نبيل فتكتب تشكو من الغربة. وتنتفض عاطفة أديل الخشن للمحبوب ولشريك عمرها بصدق العاطفة ودهشة الصور الشعرية الرائعة التي يرتقي فيها الخيال وهو شعر نابع من الحياة. 


مقتتطف من قصيدة "صيف"

الدنيا صيف..

ولكن سأبقي نوافذي مغلقة

سأوصد بابي، أضم همساتك

وأغرق في دفء العتمة.

نسيمك العبق سأختزنه في قلبي

صوت قبلاتك سأنعم به وحدي

دخان سجائرك سأعطر به ثوبي

وذلك الغطاء المفروش على سريرك

والذي قصفته في نومك

سأتركه كما هو

لألمح في كل طية منه

خيالًا منك..

سلسلة المفاتيح

سأضعها في جيبي

لتحمل اليَ لمساتك الدافئة.

أيتها الريح توقفي خارجًا

لا تجتاحي غرفتي

وتجرفي أنفاس حبيبي!

وأنت أيها الضوء

دعني في ظلامي

ولا تبعثر اللوحة الغالية

إنه هنا معي

أحمله في صمت أهدابي.

ها أنت ترحل

تبسطني جسرًا للشوق والانتظار

وهتافًا على أسوار الريح.

قلبي يهرب معك

ينصهر في الأجنحة والمسافات

يلقي حولك أوراقه الذابلة

ويظل سجينًا وراء الحدود.

وضجر الساعات

والشمع يتلاشى بعد كل احتراق.

نحو عينيك تمتد نوافذي

مر الشمس تجلو ضبابها

فأنا أعيش انسحاق اللحظات

على جسد الليل.

بطاقتك المرسلة من هناك

حيث كنا مرة

إنها الذكريات تبرق كالسيف

فأعيش الماضي

يغمرنا الربيع البحري

ويغمرني حبك!

يا حبيبي الذي أنت هناك

كل الأيام اسمك،

ومدى السنين حبك.

 

  • القصائد من كتاب الشاعرة "أصداء"، دار العودة- بيروت 1986.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كوليت أبو حسين.. إملاءات الموت

سوزان عليوان.. خفوت النبرة وهاجس التعبير