19-يناير-2018

سلمى لاغرلوف

سلمى لاغرلوف لا تعتبر فقط أول امرأة في التاريخ تفوز بجائزة نوبل للآداب، ولكنها أيضًا أنقذت صديقتها الحائزة على جائزة نوبل من أيدي النازيين. المقال المترجم الآتي يروي الحكاية.


مُنِحت الشاعرة والأديبة اليهودية الألمانية، نيلي زاكس، جائزة نوبل للآداب في العاشر من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1966 في مدينة ستوكهولم، مُناصفةً مع الأديب اليهودي شموئيل يوسف عجنون. وأشادت في خطاب الشكر، الذي ألقته عند استلامها الجائزة، بشاعرةٍ أُخرى حاصلةً على جائزة نوبل لإنقاذ حياتها. قالت: "في صيف عام 1939، جاء صديقٌ ألماني إلى السويد لزيارة سلمى لاغرلوف، وطلب منها إذا كانت تستطيع أن تجد مكانًا نحتمي فيه أنا وأُمي. وفي ربيع عام 1940، بعد عدة أشهر مُضنية، وصلنا ستوكهولم. وقد اُحتُلت بالفعل الدنمارك والنرويج. لكن لم تكن الروائية العظيمة هنا".

 سلمى لاغرلوف كانت أول امرأة في التاريخ تحصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1909

الروائية العظيمة سلمى لاغرلوف، التي أشارت إليها في الخطاب، كانت أول امرأة في التاريخ تحصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1909. وقد تُرجِمت أعمالها إلى 50 لغة، وتوفيت في شهر آذار/مارس عام 1940، دون أن تعلم ما إذا كانت قد ساعدت بنجاح الشاعرة اليهودية، ووالدتها، في الهروب من معسكرات الموت النازية. في الواقع، لقد هربوا بالكاد على متن الطائرة الأخيرة التي غادرت برلين إلى ستوكهولم. استطاعت لاغرلوف تأمين تصريح مغادرة والعبور الآمن بمساعدة من العائلة المالكة السويدية، قبل أسبوع من إبلاغهما بالذهاب إلى معسكر الاعتقال، وفقًا لــ بيلين يوستي، مُنسِّق معرض نوبل للنساء، في مدينة مدريد، والذي تطرق إلى علاقة الصداقة التي جمعت بين زاكس ولاغرلوف.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا كادت لجنة نوبل تستبعد جون ستاينبك من الجائزة؟

استطاعت نيلي زاكس الهروب بالفعل، ولكن كان للنازية تأثيرًا عميقًا عليها وعلى كتاباتها. وتعارضت نظرتها الرومانسية للعالم مع محرقة الهولوكوست لدرجة أنها في البداية، توقفت عن العمل تمامًا. وعندما اختفى حبيبها في معسكرات الاعتقال، أخذت قلمها مرةً أخرى لتعكس أهوال تلك الفترة. وقد خصّصت أول قصيدة "الصلاة على العريس الميت" كتبتها بعد أن هربت إلى السويد لعشيقها المقتول، وأدرجتها في مجموعةٍ شعرية بعنوان "أيتها المدخنة".

في الواقع لم تلتقِ سلمى لاغرلوف وزاكس أبدًا، ولكن بدأت صداقتهما، منذ فترة طويلة قبل عام 1940، عندما قرأت زاكس رواية سلمى لاغرلوف الأولى "ملحمة غوستا برلنغ". كانت زاكس في عمر الخامسة عشر في ذلك الوقت، وقررت أن تكتب إلى الروائية السويدية للتعبير عن إعجابها. أجابت سلمى لاغرلوف وهكذا أصبحت إحدى الركائز الأساسية في مراسلات زاكس المستفيضة.

وفي وقتٍ لاحق، في عام 1921، خصصت زاكس كتابها الأول "أساطير وقصص" لصديقتها الإسكندنافية، التي أشادت بدورها على العمل في بطاقةٍ بريدية قصيرة قالت فيها: "خالص امتناني لمثل هذا الكتاب الجميل. لم أكُن لأكتبه بشكلٍ أفضل". كانت الفكاهة والثقة في قدراتها اثنتين من الصفات المميزة لشخصية سلمى لاغرلوف، ويتجلى ذلك في 40,000 من الرسائل التي خلّفتها وراءها، وفقًا لــ إليزابيث لاغرلوف، حفيدة شقيق المؤلفة والأمينة العامة لمؤسسة مارباكا، ومقرها في بلدتها السابق في السويد.

وقالت: "إنها لا تزال مؤلفة وكاتبة حيّة على كل المستويات الثقافية"، وأضافت: "إنهم يؤدون حاليًا مسرحياتها في ستوكهولم، وجوتنبرج، ويوجد في منطقة مسقط رأسها، مسرح يُحَوِّل رواياتها ويقدمها ل 20,000 زائر سنويًا. وتُعتبر أيضًا رمزًا نسويًا. وافتتحت المؤتمر الدولي للمطالبة بحق المرأة في التصويت، الذي أُقيم في ستوكهولم، عام 1911، وكتبت عن النساء الأقوياء اللواتي يمكنهن أن يفعلن أشياء مثل الرجال".

وُلِدت سلمى لاغرلوف بالقرب من الحدود النرويجية في عام 1858، لعائلةٍ ثرية ولكن مرت بأوقاتٍ عصيبة. وأصبحت معاقةً في سن الثالثة، ومنعتها تلك الحالة من المشي على مدى السنوات الأربع المقبلة، وتأثرت قدرتها على الحركة مدى الحياة. درست لكي تصبح مُعلِمة، الوظيفة الوحيدة المتاحة للنساء في السويد في ذلك الوقت، وعملت كمدرسة لمدة 10 سنوات، حتى مكنتها روايتها الأولى "ملحمة غوستا برلنغ" من التركيز فقط على كتاباتها.

وكتبت إلى صديقتها ورفيقة سفرها، المؤلفة صوفي آلكان: "سيتم اختياري من قِبل الأكاديمية السويدية، وسأفوز بجائزة نوبل، لا ينبغي أن تقلقي بهذا الشأن".

حصلت سلمى لاغرلوف على الجائزة، ولكنه لم يكُن بالأمر الهين. فقد رفض كارل ديفيد اف ويرسن، الذي شغل منصب الأمين العام للأكاديمية، لمدة 29 عامًا، ترشيحها خمس مرات. قالت إليزابيث لاغرلوف: "عندما ذكر اسمها، سيقترح ويرسن أسماء أكثر ملاءمةً". وأضافت: "لم يكن يحب الأدب الجديد، وحقيقة أنها امرأة زادت الأمر صعوبةً. من وجهة نظره، ينبغي منح جائزة نوبل للرجال فقط".

وُلِدت سلمى لاغرلوف بالقرب من الحدود النرويجية في عام 1858، لعائلةٍ ثرية ولكن مرت بأوقاتٍ عصيبة

يؤكد هذا الكاتب شيل إسبمارك، وهو عضو في الأكاديمية منذ عام 1981، في كتابه جائزة نوبل في الأدب، الذي تتبع تاريخ الجائزة.  كتب: "هُمشت جميع الأعمال الأدبية السويدية الحديثة، بدءًا من ستريندبرغ إلى سلمى لاغرلوف خلال فترة ويرسن"، وأضاف: "امتازت أعمال سلمى لاغرلوف حقًا بالتناقض الواضح مع النواحي الجمالية التي يقدرها ويرسن"، ملمحًا إلى الواقعية السحرية في روايتها "مغامرات نيلز العجيب".

اقرأ/ي أيضًا: صورة شخصية لكازو إيشيغورو

ووفقًا لــ ويرسن، الذي سأم من روايات السير الذاتية الخيالية "يتشابك الواقع والخيال في بعض الأحيان في الكتاب على نحوٍ ينتقص من هدف القصة".

لم تكتب سلمى لاغرلوف روايات السير الذاتية الخيالية، ولكنها اقتبست قدرًا كبيرًا من واقع الحياة في أحداث قصصها، مثل رواية "إمبراطور البرتغال"، والتي كانت تروي قصة الحب والضياع والجنس، التي وقعت بالقرب من منزلها في مدينة مارباكا، أو رواية "كنز السيد آرني"، والتي كانت مستوحاة من جريمةٍ حقيقيةٍ من قِبل عائلة قديس، ولقاء الناجي الوحيد مع أحد القتلة بعد ذلك بسنوات. قالت حفيدة شقيقها: "لقد كتبت عن الأشياء التي حدثت".

أصبحت الكاتبة عضوًا في الأكاديمية السويدية في عام 1914، حتى قبل أن يكون لها حق التصويت -الذي جاء في عام 1919-. ومن موقع نفوذها المكتسب حديثًا، حاولت معالجة العداء تجاه الكاتبات النساء، عن طريق دعم الترشيحات، مثل الروائية الإيطالية، جراتسيا ديليدا، التي حصلت على جائزة نوبل في عام 1926، والكاتبة الإسبانية، كونتشا إسبينا، التي تم رفض ترشيحها للجائزة 25 مرة. بعد أن قرأت سلمى لاغرلوف روايتها "معدن الموتى" باللغة السويدية، كتبت لتقول لها بُناءً على قوة هذه الرواية وحدها، فأنها تستحق بجدارة أن تفوز بجائزة نوبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دانتي.. امتزاج الحكمة بالبلاغة

"آخر الشهود": لن يكبر أطفال الحرب