15-سبتمبر-2019

من كفر ناحوم (IMDB)

المرأة وصناعة السينما السورية

غابت المخرجة السورية واحة الراهب عن المشهد السينمائي بعد أن قدمت فيلمًا روائيًا طويلًا عنوانه "رؤى حالمة"، في حين سجّلت ريم حنا حضورًا في مجال الأفلام الوثائقية في فيلمها "المرآة"، الفيلمان اختصا بشؤون المرأة، فضلًا عن أن الراهب قدمت أطروحتها للدكتوراه عن سينما المرأة.

حضور المرأة السورية بوصفها صانعة أفلام تجلى في أنطوانيت عازاريه التي حققت حضورًا لافتًا في المونتاج السينمائي

غير أن حضور المرأة بوصفها صانعة أفلام تجلى في المونتيرة أنطوانيت عازاريه التي حققت حضورًا لافتًا وعلى مستوى مميز في المونتاج السينمائي الروائي والوثائقي، فضلًا عن أنها قدمت فيلمًا روائيًا قصيرًا عنوانه "الأطفال ليسوا دائما حمقى" عن قصة للكاتب محمد شكري، وكذلك حققت السينما السورية تميزًا في حضور أول مديرة تصوير سورية جود كوراني التي صوّرت أكثر من عشرة أفلام بين روائي ووثائقي طويل وقصير.

اقرأ/ي أيضًا: المرأة العربية وصناعة السينما

أما في أيامنا هذه فالمخرجة سؤدد كعدان حققت وجودها من خلال فيلمها الروائي الطويل "يوم أضعت ظلي"، الحائز على أربع جوائز من مهرجانات مختلفة، والمرشح لست جوائز أخرى. تستعرض كعدان في فيلمها الأوضاع في سوريا من منظور إنساني شاعري وتستند في ذلك على تجربتها الشخصية، فهي غادرت موطنها الأصلي عام 2012 وانتقلت للعيش في بيروت. حاز الفيلم على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من "مهرجان لوس أنجلس السينمائي الدولي" 2018، كما حاز على جائزة أفضل فيلم في "مهرجان البندقية السينمائي الدولي" 2018، ومن "مهرجان فانكوفر لسينما المرأة" حاز على جائزتين: أفضل فيلم روائي طويل، وحازت بطلته على جائزة أفضل أداء. ورشح لستة جوائز أخرى منها جائزة الافلام الروائية الطويلة في "مهرجان دالاس السينمائي الدولي" 2019، وجائزة النجمة الذهبية في "مهرجان الجونة السينمائي الدولي" في مصر 2018، وغيرها.

يشارك في بطولة "يوم أضعت ظلي" كل من سوسن أرشيد، وسامر إسماعيل، وأويس مخللاتي. "يتحدث الفيلم عن ثلاثة أيام في حياة سيدة تعيش الكثير من أهوال الحرب في دمشق، وهي تحاول الحصول على أبسط مقومات الحياة كالغاز المنزلي والكهرباء، فتكون شاهدة على حوادث وفاة وحصار ومعارك تلخص الكثير مما مر به السوريون خلال سنوات الحرب وهم يسعون لتأمين متطلبات حياتهم اليومية. تنفي كعدان أن تكون قد قدمت تحليلًا للوضع السوري أو أحاطت بكل تفاصيل الأحداث المتسارعة في فيلمها، إذ أرادت فقط أن تطرح سؤالًا: "كيف يعيش السوري أثناء الحرب؟" وأن تنقل ما تستطيع إليه من التفاصيل اليومية والآنية والتي لا تسمح لأبطالها بأن يفكروا بماضيهم أو مستقبلهم أو حتى الاصطفاف إلى أي جانب، فهم رهناء بحثهم الحالي عن النجاة لا أكثر".

المرأة وصناعة السينما اللبنانية

مع قلة المخرجات في السينما اللبنانية إلا أننا نجد أن لهنَّ أثرًا واضحًا، إضافة إلى إمكاناتهن البارزة التي رفعت من مكانتهن في خارطة السينما العربية أولًا، والعالمية ثانيًا.

مرت أعمال المخرجات اللبنانيات بمرحلتين إن صح لنا التقسيم: الأولى  1975 - 1990 إذ سيطرت قضايا الحرب وخفاياها على أعمالهنَّ، فصورتها الأعمال الروائية والوثائقية، لكن لم تكن هذه المرحلة المؤسِّسة الحقيقية للسينما النسوية في لبنان، إذ كان التأسيس الحقيقي والثورة في المرحلة الثانية، أي في ما يلي، 1990، وبدأت هذه المرحلة مع أعمال جوسلين صعب ونادين لبكي ورندا الشهال وغيرهنّ، إذ حاولت هذه الفئة "الابتعاد قدر الإمكان عن الحرب أو التنظير لها، والغوص في مشاكل المرأة والهوية والجندر والحرية والقمع وعرض مشاكل اجتماعية وتصرفات ذكورية تدين المرأة".

الميزة الأخرى لمخرجات هذه المرحلة كانت في كونهن غالبًا مخرجات فيديو كليب، ومنه انطلقن إلى عالم الإخراج السينمائي وحققنَ أعلى نسب مشاهدة في أفلامهن، فجوسلين صعب التي انتقلت من الصحافة إلى السينما التزمت قضايا الإنسان وطرحت قضايا محرمة النقاش غالبًا في مجتمعاتنا العربية، وكانت القضية الأبرز قضية فيلم "دنيا" 2005 الذي يدور حول ختان البنات ما أدى إلى منعه في غالبية الدول العربية، وطرحت أيضًا فيلمها الوثائقي "أطفال الحرب" 1976 الذي أتى عملًا إنسانيًا قاسيًا تابعت فيه بكاميرتها مصائر أطفال يتامى، كانوا من بين الذين تم إنقاذهم بمعجزة من مجازر حصلت بدايات الحرب على يد القوى المسيحية اليمينية، وكيف أثرت على خياراتهم الشخصية لمستقبل كان مجهولًا لعدد منهم بينما هو واحد لا غير عند غالبيتهم، فهم إما فدائيون في المستقبل أو أنهم مقاتلون يبحثون عن ثأر آبائهم المقتولين وعوائلهم المذبوحة في منازلهم، كل هذا في ظل غياب التعليم وانعدام فرصهم في ارتياد المدارس التي صارت نوعًا من الرفاهية يصعب الحصول عليها في وضعهم، فتحولت اهتماماتهم إلى الحرب، في الجد واللعب. تنقل لنا كاميرا صعب في مراقبتها للأطفال كيف أنهم يقلدون ما رأوا في حياتهم من اغتيال وإعدامات جماعية وذبح واعتقال وتعذيب وتمثيل بالجثث من خلال مشاهد أراها مؤلمة وغنية بالرمزية، في إشارة إلى ما سوف يتحول إليه كل هؤلاء الأولاد فيما بعد.

مع قلة المخرجات في السينما اللبنانية إلا أننا نجد أن لهنَّ أثرًا واضحًا، إضافة إلى إمكاناتهن البارزة

كذلك برزت المخرجة رندا الشهال التي لم تعالج في أفلامها الثلاثة: "شاشات الرمل" 1991 و"الكافرون" 1997 و"طيارة من ورق" 2003، قضاياها بطريقة تقليدية، بل ركزت على الظروف التي صنعت هذه القضايا مفسرة ومتدخلة فيها.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "كفر ناحوم".. أطفال أرض البؤس

أما المخرجة الأبرز التي أخذت السينما اللبنانية معها إلى العالمية فكانت نادين لبكي، التي عرض فيلمها "سكر بنات" 2007) في مهرجان كان السينمائي العالمي بوصفه التجربة الأولى لمخرجته. تميزت لبكي بأنها تعمل على تقديم الحبكة وإخراجها بطرائق مختلفة عن السائد، ولا تشبه إلا الخط الذي تمثله هي، وكذلك في فيلمها الأحدث "كفر ناحوم" الذي أخذ مساحة مميزة في عالم السينما العربية والعالمية في السنتين الأخيرتين، كما عالجت في الفيلمين قضايا متعددة تخص المرأة كيانًا وهوية وعرضت مشكلاتهن الاجتماعية والشخصية، وما قدمته في فيلمها الأخير لم يقتصر على القضية النسوية، وإنما امتد ليشمل مجموعة قضايا مهمة طرحت من خلال خطوط درامية متعددة في العمل مع الخط الدرامي الأساسي قصة الطفل زين، فالعمالة الأجنبية، والعاملات على وجه التحديد، والاتجار بهن، وأطفالهن الذين يعانون بسبب إخفائهم خوفًا من طردهن من العمل، وقد يلجأن إلى بيعهم أحيانًا ليبقين في أعمالهن، إلى جانب قضية زواج القاصرات، والهوية والهجرة.. وغيرها من القضايا التي مر عليها الفيلم الذي اعتمد الاسترجاع في سرد الأحداث، إذ بدأ بقاعة المحكمة ومنه يروي لنا زين تفاصيل ما حدث مسبقًا، وكيف وصل إلى مكانه هذا في مشهد المحكمة، لتتابع المخرجة معنا أحداث ما جرى على أكثر من صعيد، وتذكرنا بالقضية الأساسية في الفيلم، ألا وهي الدعوى المرفوعة من الطفل على والديه.

المرأة المخرجة في السينما التونسية والمغربية

شهد عقد 1976 - 1985 أول تجربة روائية لمخرجة تونسية هي سلمى بكّار، التي تعد أول مخرجة سينمائية في بلدها، حيث قدمت فيلمًا وثائقيًا بعنوان "فاطمة 75"، وعاصرتها نجلا بن مبروك وقدمت فيلم "The Treacle"، لتعود بكار بعد 17 سنة بفيلم جديد هو "رقصة النار"، ثم تتابعت بعد ذلك التجارب الإخراجية النسوية في تونس.

في "فاطمة 75"، قدمت بكّار استعراضًا لنضال المرأة التونسية من أجل حصولها على حريتها وحقوقها

في "فاطمة 75"، قدمت بكّار استعراضًا لنضال المرأة التونسية من أجل حصولها على حريتها وحقوقها، وكيف دخلت أولًا بأول إلى الحياة السياسية والاجتماعية والعلمية من في البادية والمدن، من خلال شخصية طالبة جامعية في كلية الآداب. كانت انطلاقها في هذا البحث والاستعراض كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للمفكر التونسي الطاهر بن حداد، ومن خلاله تمر على العديد من القضايا التي مرت بها المرأة التونسية في تاريخها الحديث، مثل قضية الحجاب والانخراط في النشاط السياسي والنقابي والتظاهر، بالإضافة إلى مسألة البكارة والحرية الجنسية، وما تواجهه المرأة من ضغوطات اجتماعية من الأهل والمجتمع في طريقها لتحقيق هذه الحريات، التي هي في عدد منها من أبسط حقوق المرأة بوصفها إنسانًا يقاسم الرجل معيشته ولا بد من أن تتمتع بالحقوق نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: التونسية منى الجمل.. الهامشيّ بعدسة فينوس

تمر بكار في فيلمها هذا ومن خلال بطلته على نظرة الدين الاسلامي للمرأة وهل أنصفها فعلًا؟ أم أنها ظلمت وجار عليها الدين في أحكامه؟

تبدأ بكار مع نماذج من التاريخ القديم للمنطقة من نساء حققن إنجازات سجلها التاريخ واحتفظ لهن بأهميتهن وفضلهن، كل من منطلق منجزها الذي قدمت، فمن صوفونيسبا، أميرة قرطاج، التي تركت خطيبها الخائن المتحالف مع الرومان لتتزوج من أمير بربري وتحافظ على بلدها معه وتقاوم العدو، إلى الجارية جلاجل التي بنت أول مدرسة للبنات في القيروان، إلى عزيزة عثمان التي بنت أول مستشفى، إلى غيرهن من النساء اللواتي لهن أهميتهن في التاريخ، كأن المخرجة بهذا المدخل أرادت الإشارة إلى قضيتين مهمتين، الأولى أن المرأة القديمة استطاعت انجاز كل هذه المنجزات فمن باب أولى أن تنجز المرأة المعاصرة المتعلمة مثلهن وأكثر، ومن ناحية أخرى تشير المخرجة إلى أن المرأة في العصر الحديث اختصرها المجتمع في دورها البيولوجي في الزواج والحمل والولادة وخدمة العائلة، لا سيما إن نظرنا إلى ما عرضته المخرجة في قضية تعدد الأطفال وكثرة الإنجاب ومحاولات إشاعة ثقافة تحديد النسل، وإفساح الفرصة للنساء للتعلم وممارسة الحياة العملية في المعامل والمدارس أسوة بالرجل.

أما في المغرب فلم تستطع المخرجات المغربيات تصوير الواقع بكل مكوناته وتناقضاته مع كونهن سعين إلى ذلك، ويرجع هذا إلى موقع المجتمع المغربي الذي يتنازعه طريقان، أحدهما انتمائه إلى الحضارة العربية الإسلامية، والآخر قربه من أوروبا والبصمة التي تركتها فرنسا عليه اجتماعيًا وثقافيًا، بوصفه أحد مستعمرات الاحتلال الفرنسي، غير أن هذا لم يعدم السينما المغربية من عدد من المخرجات أهمهن فريدة بليزيد التي قدمت عددًا من الأفلام منها: "كيد النسا" و"الدار البيضا بالدار البيضا"، وكذلك إيمان المصباحي التي قدمت "جنة الفقراء"، وغيرهن من المخرجات.

المرأة وصناعة السينما الفلسطينية

كانت بدايات المخرجات في السينما الفلسطينية في عام 1968 مع تشكيل قسم التصوير (أفلام فلسطين) الذي أسّسته سلامة سليم. لا تنفصل موضوعات السينما الفلسطينية النسوية وغير النسوية عن الوضع العام للدولة المحتلة، فضلًا عن كونها شهدت العديد من التجارب الإخراجية النسوية انطلاقًا من طبيعة المجتمع والوضع السياسي الذي تعيشه فلسطين والذي يفرض على المرأة أن تكون متساوية مع الرجل وشريكة له في كل شيء، "وعلى الرغم من قلة الدعم المادي والمعنوي لمشاريع أفلام النساء إلا إن الثورة الأنثوية في صناعة الأفلام أضافت بعدا آخر للقضايا المجتمعية المهمة".

لا تنفصل موضوعات السينما الفلسطينية عن الوضع العام للبلد المُحتل عمومًا

المخرجة الفلسطينية الأكثر شهرة هي آن ماري جاسر، التي استحقت تذكرة دخول صناعة الأفلام بقوة وأثبتت أنها قادرة على العمل والتغيير من خلال حضورها الفاعل في عدد كبير من المهرجانات العربية والعالمية.

عُرفت جاسر في الوسط السينمائي الفلسطيني بأفلامها الثلاثة القصيرة "كأننا عشرون مستحيلا" 2003 وهو أول فيلم قصير فلسطيني وصل إلى مهرجان كان السينمائي، و"صيادو الساتلايت" 2001، و "فلسطين تنتظر" 2002، لتبرز فيما بعد في عالم السينما مع فيلمها الروائي الطويل الاول "ملح هذا البحر" الذي عرض في فعاليات كان السينمائي ونال استحسانًا وإعجابًا لا بأس به، إذ كان الفيلم الروائي الأول الذي تخرجه امرأة فلسطينية (إبراهيم العريس، القاموس النقدي للمخرجين، 2018)، وفيلمها الروائي الطويل "واجب" 2017 الذي يكشف الخلاف بين وجهات نظر جيلين، من خلال أب وابنه يجمعهما واجب واحد، لعب بطولته كل من محمد بكري وصالح بكري وماريا زريق. "يمكن تلخيص قصته بـ"توزيع مكاتيب عرس". فعندما يعود شادي من إيطاليا ليساعد والده في توزيع المكاتيب في الناصرة، تتركز الأحداث في تطور العلاقة بينهما بين مكتوب وآخر، وبين معزوم وآخر، عبر فسيفساء المعازيم وفضاءات وجودهم، فنتعرف عليهما عن كثب عبر "طراطيش حكي" أحيانًا، وعبر محادثات عابرة، أو حتى جدال وجودي يحتدم بين الأب وابنه" (رشيد إغبارية، ألترا صوت 2018).

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "واجب".. طوفان من القصص الفلسطينية

هذه التفاصيل تنقلها لنا المخرجة من خلال مرافقة الأب وابنه في جولة بين السيارة والمنازل والغرف الفلسطينية، وتستعرض من خلالها العديد من القضايا الفرعية أو الجزئية المتعلقة بالمجتمع الفلسطيني وأجياله المختلفة، بطريقة لا تخلو من المفارقة، إلى أن تصل بنا إلى اللقطة الأخيرة من الفيلم والتي يصير فيها الابن أشبه ما يكون بأبيه في الحركات، التدخين، شرب القهوة، طريقة الجلوس، ويعترف أخيرًا الجيل السابق، ممثلًا بالأب، بأن الجيل اللاحق "معه حق" ولو في بعض الجزئيات التي يمكن تفسيرها خارج النص الفيلمي بمواقف اجتماعية وسياسية وفكرة اختلف الجيلان عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة في السينما.. نمذجة وتنميط

12 من أجمل الأفلام عن المرأة في هوليوود