12-سبتمبر-2017

جان هيليون/ فرنسا

حمل ميشيل حنا حقيبته على كتفيه وسافر إلى إثيوبيا متطوّعًا في قافلة طبية خيرية ليكتب "تحياتي من ديس أبابا"، ودخل محمد هشام عبية فلسطين "بدون تأشيرة" ليخرج بكتاب أدب رحلات حمل الاسم نفسه، ودوّنت سحر أحمد رحلتها إلى المغرب في "مذكرات الزرابي"، وتجوّل عمرو بدوي بأقل تكلفة ممكنة كـ"مسافر كنبة في إيران".

هكذا يفتح شباب مصريون بابا جديدًا لأدب الرحلات بلغة جديدة، بسيطة تصل إلى العاميّة المصرية أحيانًا، وحكايات شيقة فمن يفتح الكتاب لا يفرغ منه حتى يصل آخر صفحاته.


بدون تأشيرة.. قصة 120 ساعة في فلسطين

يقع "بدون تأشيرة" (دار المصري للنشر والتوزيع) للكاتب الصحفي محمد هشام عبية، في 120 صفحة، مقسّمة إلى 16 فصلًا مكثفًا، يبدأها باحتكاك سريع مع عناصر إسرائيلية في منطقة يسيطر عليها جيش الاحتلال، الذين يصفهم المؤلف بقوله "منقوعين في صفاقة خالصة". وبروح مصرية ساخرة، حين سأل جندي إسرائيلي محمد عبية عن جنسيته فأجاب بأنه "مصري.. قطعناكم في 6 أكتوبر".

العنصرية ماركة مسجّلة لدولة الاحتلال، عرج مؤلف "بدون تأشيرة" إلى تلك النقطة، ففي الطريق بين رام الله ونابلس، "بعد مرور نحو ثلث ساعة، نبدأ في المرور على طريق ممهد، لكنه ليس ناعمًا، يشير أبو أيمن إلى طريق آخر يتفرع من طريقنا، قائلًا: هذا الطريق الناعم الممهد يؤدي بك إلى إحدى المستوطنات. أما طريقنا هذا، فلا يمر عليه سوى الفلسطينيين". يعلّق محمد عبية: "التمييز واضح حتى في (الزفت) الذي يوضع في الأسفلت لتمهيد الطريق".

انتقل محمد عبية سريعًا إلى قلقيلية، وصعد سطح إحدى العمارات، وأكثر ما لفت نظره الجدار العازل، الذي يخرق أرض البلدة، قائلًا: "هذه إحدى المدارس الابتدائية، لكم أن تتخيلوا أن على التلاميذ الذين عليهم أن يصلوا إلى هناك للمشاركة في الطابور الذي يبدأ في السابعة صباحًا، أن يتحركوا من موقعنا هذا في الرابعة فجرًا، لماذا؟ لأن الجدار قطع الطريق الرئيسي المباشر المؤدي إلى المدرسة، وعليهم بالتالي الالتفاف حول الجدار بكل هذه المسافة ذهابًا وإيابًا". بالنسبة إلى محمد عبية، كان الجدار التافه الذي يسرق من أعمار الطلبة ست ساعات يوميًا أبشع ما في الرحلة.


تحياتي من أديس أبابا.. زيارة إلى سد النهضة

سافر ميشيل حنّا إلى أديس ابابا وسط التوتر بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، وكتب رحلته بشكلٍ موجز في الكتاب الذي حمل اسم "تحياتي من أديس أبابا" (دلتا، القاهرة 2017)، لكنه كان ميشيل حنا على الخط الآخر، فهو يقدّر حق الحياة لمن يعيشون هناك، ولم يكن محمّلًا بمخاوف أو أفكار مسبقة عن البلاد السمراء، ويقول ميشيل حنا في مقدمة كتابه: "أتاحت لي هذه الرحلة أن أطالع قبسًا من حضارة عريقة جدًا تمتد في الزمن من العصر الحديث وحتى التاريخ السحيق حيث أشباه البشر الذين عاشوا قبل ظهور الإنسان الأول حضارة خاصة جدًا تختلف عن كل ما عداها في كل شيء، فهي حتى تستخدم توقيتًا زمنيًا وتقويمًا سنويًا يختلفان عما هو مستخدم في العالم كله. حضارة كان لها أن ترتبط وتتشابك مع مصر في أمور كثيرة جدًا".

لا يقترب ميشيل حنّا من الخلاف السياسي، وإنما يكتفي بحضارة إفريقية لها علامات وطقوس، محاولًا إثبات أن العالم بدأ من هناك.. من هذه النقطة تحديدًا.. أديس أبابا.


مذكرات الزرابي.. رحلة "البنت سحرورة" في مراكش

نشرت سحر أحمد "مذكرات الزرابي" على الإنترنت، لم تذهب إلى دار نشر لطباعته وتوزيعه وترويجه، كان الإنترنت بالنسبة لها مناسبًا لطريقة التدوين الجديدة التي تكتب بها، التي لم تختلف كثيرًا عن كتابة اسمها على الغلاف "البنت سحرورة" في إشارة الروح الخفيفة التي تتمتع بها طوال الرحلة.

تبدأ سحر أحمد كتابها بتعريف.. ما هي الزرابي؟ تقول: "لعلك تظنّ أن الزرابي هو لفظ الجمع لكلمة زريبة بالعامية المصرية، وعليه فربما هذا الكتاب يتمحور حول البهائم وغيرها من ذوات الأربع ولكن أرجوك ألا تتسرع في الحكم، فالزرابي هو ببساطة الاسم المستخدم هناك لما نطلق عليه في مصر (الكليم) وهي كلمة عربية أصيلة".

تخصّص سحر أحمد جانبًا كبيرًا من الكتاب عن صناعة الكليم في المغرب، وتشبه صاحبة "مذكرات الزرابي" الساحات في المغرب كلها ببعضها، فكلها، في الصباح، عبارة عن سوق للباعة الجائلين وعربات بيع عصير برتقال طازج وعصرًا هي مكان لمشاهدة السحرة ومروضي الثعابين والقردة والنسانيس والقصاصين، وهم من الرجال والنساء يجلسون ويبدأون في سرد الحكايات، ويجمعون الناس حولهم، لا يفوت سحر أن تلفت إلى أنها فشلت في فهم ما يقال لأنه باللغة الأمازيغية مخلوطة بالقليل من العربيّة. في الليل، تتحوّل الساحة إلى أكبر مطعم مفتوح في العالم، فتُنصب عربات لطهي الطعام وتُرصّ أمامها ترابيزات ودكك للجلوس وتناول الطعام، ولكل عربة رقم ومكان وينتهي كل شيء في الصباح. في هذه الساحات، دارت رحلة سحر أحمد إلى مراكش، بين أنشطة تجارية وثقافية وطعام مغربي أصيل.


مسافر الكنبة في إيران.. 20 يومًا داخل طهران

رغم العداء بين مصر وإيران، أصرّ عمرو بدوي على السفر إلى طهران، ليكتب "مسافر الكنبة في إيران"، ويستعدّ لجزء ثانٍ بعنوان "مسافر الكنبة في أفغانستان". تلفت عمرو بدوي الدول ذات "الغرابة الدينية" عن مصر، فالأولى شيعية ذات طقوس خاصة، والثانية مصدّرة للإرهاب، وكلتاهما تحتاجان إلى موافقات أمنية من مصر. نوعٌ من التغريد خارج السرب ربما يكلّفك كثيرًا في مصر.

يتكوّن الكتاب من 20 فصلًا بعدد أيام عمرو بدوي في إيران، ومعنى "مسافر الكنبة" أنه يسافر ويتواصل مع أهل البلد التي يذهب إليها عبر تطبيق موبايل، ليحجزوا له كنبة مجانًا لينام عليها في شققهم لتوفير نفقات حجز الفندق.

لم يكن ذلك السبب وحده سر اختيار عمرو بدوي لاسم الكتاب، فالسبب الثاني أنك ستشعر أنك سافرت إلى البلد الذي ذهب إليه (إيران) حتى لو كنت جالسًا على الكنبة في بيتك.

يصف عمرو بدوي خلال الرحلة شوارع أصفهان، ومساجد طهران، ويروي تجربته كمصري سني في العاصمة الإيرانية، ويدوّن عمرو بدوي عدّة تفاصيل يشرح في الكتاب أسباب تعجّبه منها، مهتمًا بالجانب الإنساني، خاصة إنه عاش على كنبات الإيرانيين داخل بيوتهم، فروى - مثلا – قصة حضوره درسًا لرسم الموديل العاري للطالبات، رغم أنّ رسم الأشكال الحية لطلبة الفنون "محرّم ومجرّم". يقدّم عمرو بدوي في كتابه درسًا في السفر إلى إيران، مستوفيًا كل شيء عن الفرس الجدد.


أدب رحلات "مصري أصلي"

ظهرت عدة كتب أدب رحلات مصرية مكتوبة بشكل جديد، وأسلوب سلس وسريع يشبه تدوينات مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضها كان في الأصل كتابات عابرة على فيسبوك عن الرحلات، مصحوبة بصور. تبدأ شيرين عادل بكتابها "هوستل" الذي تشرح فيه تفاصيل رحلتها إلى سويسرا والسويد وإيطاليا، ولماذا اختارت الهوستل (بيت شباب مشترك بتكاليف محدودة) لتنام فيه بين الغرباء آخر كل ليلة.

بشكلٍ ساخر، روى محمود زكي رحلته إلى عدة بلاد في أوروبا، أبرزها فرنسا وإسبانيا والفاتيكان وإيطاليا وهولندا وسويسرا واليونان، في كتابه "أوروبا بتوقيت إمبابة"، ويقول في مقدمته إن الإنترنت وفّر للناس كل المعلومات التي يحتاجون إليها في السفر، لذلك قدّم في كتابه شكلًا مختلفًا لأدب الرحلات.

وانفردت الرحالة إيمان الأمير بلمسة صوفية في كتابها "يا مسافر وحدك"، الذي صدر مؤخرًا بالقاهرة، وهو عبارة عن تدوين أدبي سريع لرحلتها إلى فرنسا، استخدمت فيه بعض الفقرات من "قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاق، بحجة أنها كانت تقرأه خلال الرحلة.

اقرأ/ي أيضًا:

تعرف على 5 من أهم كتب السير الذاتية

هكذا صوَّرت 5 روايات نضال الطلاب في مصر