30-نوفمبر-2017

إعلان شفيق الترشح للرئاسة، خلق حالة من الجدل والارتباك في الساحة السياسية المصرية (مروان نعمان/أ.ف.ب)

بعد أن هرب إلى دولة الإمارات في 2012، عقب خسارته في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 أمام مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي، يظهر الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق في الصورة من جديد، ليعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة أمام الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، ما يفتح المجال لتساؤلات عدة وسيناريوهات مختلفة وحسابات سياسية يُعاد تشكيلها إذا ما صدق في تصريحاته بالعودة إلى مصر والترشح إلى انتخابات الرئاسة 2018.

يظهر أحمد شفيق -آخر رئيس وزراء في عهد مبارك- على الساحة من جديد بإعلانه رسميًا الترشح للانتخابات الرئاسية في 2018

رجل مبارك يعود من "مناسك العمرة" ليترشح للرئاسة!

تولى أحمد شفيق رئاسة وزراء مصر في مرحلة حرجة من تاريخ مصر، حيث الشوارع والميادين محتشدة بالمحتجين، فأقيلت حكومة أحمد نظيف لتهدئة الأوضاع وإخماد غضب الحشود المشتعلة في الشوارع المصرية. وخلال الفترة التالية للثورة كان شفيق أحد أبرز وجوه نظام مبارك الذين قامت الثورة ضدهم، وله مواقف صدامية وتصريحات عدائية عديدة ضد التيار الثوري في تلك الفترة.

اقرأ/ي أيضًا: أحمد شفيق.. أحاديث العودة التي لا تنتهي

أكثر تلك التصريحات عدائية عندما سُئل أحمد شفيق عن موقفه إذا ما فاز بانتخابات الرئاسة 2012، واحتشد المتظاهرون ضده في ميدان التحرير، ليجيب بكل عجرفة بإقحام الجيش لفض الميدان، ويضرب مثالًا بما عُرف بأحداث العباسية عندما تدخلت القوات المسلحة بالقوة لفض اعتصام نتج عنه وقوع ضحايا ومصابين.

كما يعتبر أحمد شفيق الرجل الأكثر إصرارًا من نظام مبارك على مواصلة ممارسة العمل السياسي برغم كل ما تعرض له من محاولات عزل سياسي شعبي أو رسمي، ففي 2012 سعى البرلمان المصري بمنعه من خوض انتخابات الرئاسة عبر قانون العزل السياسي لتمنحه المحكمة الدستورية الضوء الأخضر لخوض الانتخابات بالحكم بعدم دستورية القانون الصادر؛ ليتمكن من الوصول إلى المنافسة الأخيرة على مقعد الرئاسة والخسارة بفارق يكاد لا يذكر في الأصوات عن الرئيس المعزول محمد مرسي، وذلك بعد أن اتفق جزء من التيار المدني على انتخاب محمد مرسي لضمان عدم العودة إلى حكم مبارك مرة أخرى.

وبعد خسارة أحمد شفيق لمقعد الرئاسة واتهامه في قضايا فساد سياسي وإهدار للمال العام، اختار الهروب إلى دولة الإمارات، وقيل إنه يعمل مستشارًا سياسيًا للقصر الحاكم في أبوظبي، فيما أشيع وقتها بأنه خارج البلاد من أجل أداء مناسك العمرة، قبل أن يعرف المصريون خبر تواجده بالإمارات ليصبح محل سخرية المواطنين. 

ووُضع اسم أحمد شفيق ضمن قوائم ترقب الوصول بالمطارات المصرية قبل أن تقضي محكمة الجنايات في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 برفع اسمه من تلك القوائم، ليصبح له حق العودة في أي وقت، إلا أنه لم يتمكن من العودة إلى مصر لأسباب غير معلومة، واختار البقاء في الإمارات، لكنه مع ذلك لم يختر الصمت تمامًا، وفضل الإطلال على الساحة السياسية المصرية بين الحين والآخر، بالتعليق على أبرز القضايا، كقضية جزيرتي تيران وصنافير، التي أعلن تأييده لمصريتيهما، رافضًا التنازل عن الجزيرتين لصالح السعودية فيما عرف بـ"اتفاقية تيران وصنافير".

كما سبق له أن نشر أحمد شفيق بيانًا يُهاجم فيه ضمنيًا الفشل الأمني في مواجهة الإرهاب، ليقابل هجومًا إعلاميًا من ذات الإعلام المصري الذي لطالما أيده سابقًا.

يُشير إلى ذلك إلى عناد أحمد شفيق وإصراره على البقاء متماسًا مع الساحة السياسية المصرية ومُطلّا عليها، رغم محاولات عزله سواءً بالرفض الثوري أو حتى رسميًا، قبل أن يُعلن أخيرًا أنه سيترشح للانتخابات الرئاسية في 2018، ليحسم الأمر الذي كان مُثارًا من قبل دون تأكيدات. 

إلا أنّ الدوافع الحقيقية لإعلان أحمد شفيق ترشحه للرئاسة غير واضحة حتى الآن، خاصة أنه عقب إعلانه الترشح خرج ببيان مقتضب أذاعته قناة الجزيرة الإخبارية، يقول فيه إن السلطات الإماراتية تعيق تحركاته. ولكن يُرجّح أن يكون إعلان شفيق الترشح للانتخابات الرئاسية، حركة استباقية لإحراج النظام المصري وحماية نفسه في حال العودة للبلاد.

ارتباك وجدل في الوسط السياسي المصري

يمثل ترشح الفريق أحمد شفيق حدثًا مربكًا لكل التيارات السياسية التي تنوي خوض السباق الرئاسي بما فيها مؤسسة الرئاسة الحالية، لأن أحمد شفيق هو رجل عسكري تخرج من القوات المسلحة المصرية برتبة فريق، تحول للعمل السياسي المدني منذ فترة طويلة، وبطبيعة الحال يتمتع بصلات قوية داخل الدولة المصرية والمؤسسة العسكرية تحديدًا، كما أنّ للفريق أحمد شفيق داعمين ومؤيدين في الشارع المصري، فلا يُنسى أن الرجل حل في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية عام 2012، وبفارق ضئيل بينه وبين مرسي. إضافة لذلك يُعد أحمد شفيق قريبًا من رجال الأعمال الذين كانوا مقربين من نظام مبارك، سواءً داخل مصر أو خارجها، ويستند أيضًا إلى علاقاته التي كونها خلال عمله في ظل نظام حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.

تختلف الحسابات السياسية حسب متطلبات كل مرحلة، وفي السياسة تتلاقى المصالح أولاً وأخيرًا، فما كان مقبولًا بالأمس أصبح مرفوضًا اليوم، وما كان مستحيلًا في السابق أصبح أمنية الحاضر، بالإضافة إلى كل العوامل السابقة نجد قطاع من التيار المدني الذي رفض أحمد شفيق رفضًا قاطعًا في السابق، يميل الآن نحو ترشيحه باعتباره البديل الأوحد إن صحّ التعبير، للمرحلة الحالية، وكخطوة أولى في طريق التغيير، كونه مرشحًا أكثر منطقية وأكثر قدرة على حشد الأصوات من مرشح التيار المدني خالد علي

إعلان أحمد شفيق ترشحه للرئاسة، صنع جدلًا كبيرًا، وحالة من الارتباك يُرجح أن تتفاقم الفترة القادمة، سواءً داخل الدولة ومؤسسات الحكم في مصر، أو حتى بين الشارع المصري الذي ضاق ذرعًا بسياسات الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، وبحالة الاحتقان. لذا بات يتردد أن شفيق ربما يكون حلًا لتهدئة الأوضاع وفض حالة الاحتقان.

هل تعيق الإمارات تحركاته؟

بعد ساعات قليلة من إعلانه الترشح، خرج أحمد شفيق بخطاب مقتضب أذاعته قناة الجزيرة الإخبارية قال فيه إن السلطات الإمارات تمنعه من مغادرة البلاد وتعيق تحركاته، منددًا بما أسماه التدخل الإماراتي في الشأن المصري.

إعلان شفيق الترشح للرئاسة، صنع جدلًا كبيرًا وحالة من الارتباك من المرجح أن تتفاقم، سواءً داخل الدولة أو حتى في الشارع المصري

اقرأ/ي أيضًا: عن جماعة إثارة القلق حول السيسي

لولا إعلان أحمد شفيق إعاقة السلطات الإماراتية لتحركاته، لكان السيناريو الأكثر ترجيحًا أن يكون ترشحه للرئاسة بدفعٍ ومباركةٍ إماراتية. لكن اختيار أحمد شفيق قناة الجزيرة لإذاعة خطابه المقتضب الذي ندد فيه بالتدخل الإماراتي في الشؤون المصرية، وهي القناة التي تطالب دول حصار قطر بإغلاقها؛ يشي باحتمال وجود خلافات بين أبوظبي وأحمد شفيق حول نيته الترشح للرئاسة.

والظاهر أن أحمد شفيق، وهو آخر رجال مبارك الرسميين، قد قرر الاصطدام مع النظام السياسي في مصر، وربما أيضًا مع بعض حلفائه، ولعله يكون بذلك مدفوعًا من جهات ما أعربت له عن تأييدها له في تحركاته نحو الترشح للرئاسة، وإن كان ذلك غير مُؤكد.

هل أحمد شفيق هو "الأمل" الصفري؟

الوضع المتأزم الحالي يُوجّه نحو التساؤل عن التحالفات التي يمكن أن تحدث بين القوى السياسية والتي بدت مستحيلة فيما سبق، وترشح أحمد شفيق تحديدًا يدفعنا نحو أسئلة محددة متعلقة بهوية المرشح المدعوم من أجهزة الدولة الرسمية، وكذلك موقف السعودية والإمارات، فضلًا عن موقف التيار المدني.

"إن مرحلة إزاحة الأنظمة الديكتاتورية، تتطلب أي نوع من التحالفات، وكلها جائزة"، يقول معاذ محمد لـ"ألترا صوت"، وهو باحث مصري معني بملف الحقوق المدنية والسياسية. يُوضح محمد ما يرمي إليه فيقول: "التحالفات في هذا التوقيت ليست بين قوى ديمقراطية، وإنما تقاطع مصالح. لا أظن بوجود دعم مطلق من أجهزة الدولة لمرشح بعينه، فأجهزة الدولة ليست على وفاق تام، وفي صراع داخلي مستمر حول السيادة، إلا أن تلك الأجهزة لن تسمح بصراعاتها الداخلية بأن تُستغل ضدها من أي التيارات الموجودة".

ويفترض معاذ محمد أن السعودية اختلفت كثيرًا مع نظام السيسي خلال السنوات السابقة، وأن العلاقات بين الدولتين واستراتجية التعامل بينهما ستختلف مستقبليًا بما يتناسب مع وجه السعودية الجديد الذي يمثله محمد بن سلمان. يُرجّح معاذ محمد أن تتخلى السعودية سياسة الدعم المُطلق للنظام المصري، أو ربما بدأت في التخفف منه، ووفقًا له فإن ذلك سيؤثر بالتبعية على موقف أجهزة الدولة منها، لأن ذلك التخفف يعني تقليل الدعم المالي في ظرف اقتصادي سيئ تعيشه مصر. 

لكن هل يعني ذلك أن السعودية ستتخلى عن دعم السيسي شخصيًا في الرئاسيات القادمة؟ لا يُرجح معاذ محمد ذلك، وإن كان في المقابل لا يرى وُضوحًا في الموقف الإماراتي، ففي النهاية أحمد شفيق أعلن عن ترشحه للرئاسة من أبوظبي.

"التيار المدني منقسم إلى قسم واقعي يتعامل مع المعطيات الآنية، ويرى في شفيق مرحلة حلحلة الوضع في مصر، والقسم الآخر الذي يرى في خالد علي المرشح الأمثل وإن كانت فرصه ضئيلة بنسبة كبيرة"، يقول معاذ محمد.

من جهته يرى أحمد سمير، وهو باحث وكاتب مصر، أن "الدعم الأكبر من أجهزة الدولة سيكون في صالح السيسي الذي قضى في الأعوام السابقة على كل من يمكن تسميتهم بمراكز القوى في الدولة". سمير وفي حديثه لـ"ألترا صوت" لم ينفي مع ذلك أن أحمد شفيق يحظى ببعض الدعم، على الأقل من بقايا رجال مبارك داخل مؤسسات الدولة. وفي اعتقاده فإن المرشح المدعوم من قبل كل من السعودية والإمارات لا يمكن تحديده الآن والجزم به.

إعلان شفيق الترشح للرئاسة أدى لحدوث انقسام في المعارضة المصرية، بين من يرى أنه البديل الأنسب المطروح وبين من يرفضه تمامًا

يختتم سمير حديثه قائلًا: "نحن في أسوأ وضع ممكن على كل المستويات، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ولا أعتقد أن الوضع المصري يمكن أن يسوء عن الوضع الحالي، كأحد الشباب المحسوبين على التيار المدني سأنتخب أي مرشح ضد السيسي أيًا كان اسمه حتى لو كان أحمد شفيق أو جمال مبارك أو مبارك نفسه!".

 

اقرأ/ي أيضًا:

خلفاء السيسي المحتملين.. 6 مرشحين لرئاسة جمهورية الجنرال

وجبة السيسي من "صبيانه".. للتصفيق شروط