19-سبتمبر-2017

لا تزال الصورة الكاملة لاستقلال الجزائر ينقصها بعض الأجزاء (كيتسون/ Getty)

كثيرًا ما نتحدّث عن القرارات السيّئة، التي اتخذتها حكومات الاستقلال في الجزائر، في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والإدارة والمالية، وقلما نتحدّث عن القرارات، التي كان عليها أن تتخذها وجوبًا ولم تفعل. فهامش كبير من الواقع السيئ الذي نعانيه اليوم، هو ثمرة لذلك التقاعس.

نسبة كبيرة من أحفاد الأمير عبدالقادر وأحفاد العائلات المرافقة له إلى سوريا، محرومة من الجنسية الجزائرية

وما يجعل روح المفارقة عالية، أن السلطة القائمة تقتات على الشرعية التاريخية، لا الشرعية الديمقراطية. مع ذلك فإن جملة من القرارات، التي تمليها روح الشرعية التاريخية، لم تُتخذ بعد، ممّا يعني أنها هي نفسُها تمثل لدى السلطة قناعًا فقط، تمامًا مثل قناع الديمقراطية. من ذلك ثلاثة قرارات تدخل في صميم الواجب الوطني:

اقرأ/ي أيضًا: تمثال الأمير عبدالقادر.. ماذا بقي من الرمز؟

أولًا: استرجاع الأرشيف المتعلق بالذاكرة الوطنية من فرنسا، التي قال أكثر من مسؤول فيها، إنها لم تتلقَ طلبًا رسميًا من السلطات الجزائربة بخصوص ذلك. كان آخرها تصريح إدارة متحف الإنسان في باريس، حيث يتم الاحتفاظ بجماجم بعض قادة المقاومات الشعبية في كراتين مهينة.

هنا يطرح هذا السؤال نفسه: كيف يكون شعور طفل جزائري يدرس في المدرسة عن بطولات هؤلاء، في تعطيل المدّ الاستعماري منذ 1830، ثم يقرأ في الصحف ويشاهد في الفضائيات أن جماجمهم محجوزة في متحف فرنسي، وتنتظر من يسترجعها؟ علمًا وأن مؤسسات تربوية وثقافية وإدارية وجامعية وشوارع تحمل أسماءهم.

ثانيًا: تجنيس أبناء وأحفاد الأمير عبدالقادر والعائلات المرافقة له إلى سوريا، في نهاية النصف الثاني من القرن الـ19، إذ لا تزال نسبة كبيرة منهم محرومة من الجنسية الجزائرية، فما معنى أن يقال، في الأدبيات المختلفة، إن الأمير عبدالقادر هو مؤسّس الدولة الجزائرية الحديثة، في حين يُحرم أحفاده من جنسيتها؟

إنها ليست الإهانة الوحيدة التي تلقاها هذا الرمز الوطني من طرف حكومات الاستقلال، بل هي واحدة من عدّة إهانات غير مبررة، منها نزع صورته من الأوراق النقدية الرسمية، وتعويضها بصور حيوانات، لا علاقة لها بالفضاء الجزائري! فالثور الموجود في ورقة ألف دينار ذو هوية أمريكولاتينية.

ثالثًا: تسهيل عودة أحفاد المنفيين الجزائريين قبل الاستقلال، خاصة الذين نفوا إلى كاليدونيا الجديدة، وهي مستعمرة تبعد عن الجزائر بـ22 ألف كيلومتر. إذ باتت أمنيتهم الكبرى أن يروا أرض أجدادهم، وقد صدمت دموعُهم الحقيقية الجزائريين حين شاهدوها في الفيلم الوثائقي الذي قام به الأستاذ سعيد عولمي. فما معنى أن تخصّص الحكومة الفرنسية ميزانية لترميم مقابر مواطنيها المدفونين في الجزائر، وتهمل حكومتنا مواطنيها الأحياء في المستعمرة الفرنسية، حتى أنها لا تملك قنصلية في كاليدونيا الجديدة؟

ما يزيد من الخراب الذي ألحقه الاستعمار الفرنسي بالجزائر، الصمت عن خراب حكومات الاستقلال باسم التاريخ والديمقراطية وحكم الشعب!

لقد اقترفت فرنسا الاستعمارية جريمة لا تموت بالتقادم في حق هذه العائلات الجزائرية، بسبب أنها ساهمت في مقاومتها، واقتلعتها من جذورها، ورمتها في بيئة غريبة عنها تمامًا، وجعلتها تحت سلطة الراهبات، فلم تستطع أن تحتفظ إلا باليسير من طقوسها وعاداتها وتقاليدها وأسمائها العربية والأمازيغية، وأحفادها اليوم يشكلون حقيقة اجتماعية وانتخابية في هذه الجزيرة النائية، مع ذلك فهم يحلمون بالعودة المؤقتتة على الأقل، غير أن حصولهم على جواز السّفر الجزائري صعب ومتعب.

إن الخرابات المترتبة عن الاحتلال الفرنسي لبلادنا عميقة وعنقودية، وما زادها عمقًا صمتُنا عن خرابات السّلط التي حكمتها بعد الاستقلال، باسم التاريخ والديمقراطية وحكم الشعب، وهي أبعد ما تكون عن روح هذه المصطلحات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استعادة رفات ثوار الجزائر.. التأجيل مستمر!

الجزائر- فرنسا.. عواطف مفخخة