20-ديسمبر-2021

عرفت الصين بآداب الحرب في العصور القديمة (تويتر)

يعلم الجميع أن الحرب هي عمل من أعمال القتال العنيف الذي تقوم به جميع الأطراف لتحقيق هدف معين. وبما أن نتيجته الهزيمة أو النصر، فلن تكون هناك قيود على الطرق المستخدمة أيا كانت في الحرب؛ لذلك فإن قاعدة الحرب الأولى هي عدم وجود قواعد، واستخدام كل الوسائل لتحقيق النصر.

 الحروب في الصين، بلد الآداب، اتبعت في العصر القديم عدة قواعد يتم الحرص من خلالها على تحقيق الآداب والأخلاق والاستقامة أثناء القتال

لكن الحروب في الصين، بلد الآداب، اتبعت في العصر القديم عدة قواعد يتم الحرص من خلالها على تحقيق الآداب والأخلاق والاستقامة أثناء القتال. شددت امبراطورية جو الغربية (周朝) على العمل بها بشكل كبير نظرًا لتمتعهم بمعايير أخلاقية عالية جدًا. تألفت الصين من مجموعات عديدة من الإمبراطوريات والولايات المختلفة الممتدة في جميع أنحاء البلاد، وكانت غالبًا ما تخوض الحروب بغرض الهيمنة على أكبر المساحات الممكنة.

اقرأ/ي أيضًا: اللغة الصينية.. كيف تضع 5000 رمز على لوحة مفاتيح

وقعت معظم الحروب في فصلي الربيع والخريف، ولم يكن بوسع أي فرد التطوع للخدمة في الجيش بسهولة، فقد كان من الضروري أن يكون الجنود من الطبقة النبيلة التي تمتثل لقواعد الحرب؛ وتم تقسيم سكان البلاد بشكل أساسي إلى قسمين: وطنيون، و"برابرة". يشير الصينيون للوطنيين بأنهم من يمثلون الطبقة العليا "المتحضرة"، وأما "البرابرة" فهم الفقراء في الطبقات الدنيا.

خطوات الحرب

بادئ ذي بدء، يقوم الامبراطور أو الأمير بالإعلان عن الحرب بعد مشاركته سببًا معقولًا ومقبولًا لإرسال القوات، وإلا فسيتم اعتباره امبراطورًا همجيًا يحكم مجموعة من المتوحشين. فكان منهم من يختلق عذرًا مقبولًا لغاية إخفاء العذر الحقيقي الشخصي للقيام بالحرب. مثلًا، في عام 638 قبل الميلاد، ترأس تشي هوان جونج (齐桓公) تحالفًا قام بتشكيله مع أمراء الولايات الأخرى لمحاصرة ولاية تشو (楚国) لقمع توسعها نحو الشمال وإرساء هيمنة تشي. لكن لعدم قدرته على الإفصاح عن هذا السبب، قام باستبداله بعذر آخر وهو أن تشو لم يقم بدفع الجزية عن ولايته لعدة سنوات.

عند إرسال المبعوث للاتفاق على خوض الحرب وقوتها وجنرالاتها -لم يكن هناك ما يسمى بالأسرار العسكرية على الإطلاق- يمنع قتل المبعوث أو حتى إصابته مهما كان منصبه، فقد كان بمثابة شخص مقدس حالما أصبح مبعوثًا.

بعد إرسال المبعوث إلى الخصم، يقيم الطرف الذي يستقبله مأدبة رسمية، سواء أكان متفقًا على خوض الحرب أو أراد التنازل والبدء بمحادثات السلام، ومن الواجب على المبعوث بالمقابل أن يشكره على كل ذلك.

على أرض المعركة، أولًا، يتعين على الجيشين اختيار الموعد والمكان المناسبين، لأن الغرض من الحرب لم يكن تدمير البلاد وغالبًا ما يكون موقع المعركة في الريف المفتوح عند تقاطع البلدين، ولا يجب التأخر عن الموعد المتفق عليه؛ فذلك أمر مدان أخلاقيًا! وينتظر الجيشان تشكيل المواقع بالكامل قبل دق الطبول وبدء القتال. بالإضافة إلى ذلك، إن حدثت حالة طوارئ مثل كارثة طبيعية تسببت بنزوح الناس أو وفاة الملك، مما نتج عنه إلغاء الجنود لعملية القتال، لا يسمح للجانب الآخر في مثل هذه الأحوال اغتنام الفرصة للهجوم حتى وإن دقت ساعة الحرب.

ثانيًا، لا يمكن مهاجمة الجريح ناهيك عن قتل أي شخص؛ ولا يمكن التسبب بإصابة خطيرة أو تكرار إصابة الشخص نفسه من قبل شخص واحد. ثالثًا، يجب احترام كبار السن ومن غير الممكن القبض عليهم كسجناء.

رابعًا، لا يمكن تنفيذ هجمات خفية وحيل وخداع على الإطلاق في ساحة المعركة، ولا يمكن إيقاف العدو في منطقة ضيقة ومحاصرته، فيجب أن تجري المعركة في مناطق مفتوحة فقط. خامسًا، لا تتجاوز مطاردة العدو مئة خطوة، ولا يتجاوز التعقب مسافة تسعة أميال.

تبدو حروبهم القديمة كمبارزة أو لعبة تنافسية بحد كبير كالشطرنج، فهي لا تشبه الحروب التي حصلت لاحقًا. كانت تحرص على نيل النصر في ظل نظام عادل يسمح للطرف الآخر بقبول الشروط التي وضعها الجانب الفائز عن قناعة. وكان هذا جوهر الكونفشيوسية التي استلهمت آداب الحرب الصينية عنها.

ولكن عندما أصبحت الحروب اللاحقة أكثر قسوة، والفتوحات المتبادلة أكثر وحشية، وقعت حروب الإبادة في فترات وجيزة، وكانت المعارك ظالمة ودموية. أصبحت الحرب تدريجيًا قتالًا بلا حسم.

عندما أصبحت الحروب اللاحقة أكثر قسوة، والفتوحات المتبادلة أكثر وحشية، وقعت حروب الإبادة في فترات وجيزة، وكانت المعارك ظالمة ودموية

حينما نسمع كلمة (حرب) في هذا الزمان، لا تمتثل أمامنا سوى صور لأطفال جياع، ونساء ثكلى بائسة، وطاعنين في السن يصارعون المرض بأنفاس متهالكة، وفقر مدقع ينهش بقايا البيوت والأرجاء، ونستشعر رياح البرد القارسة في الشتاء وقد فتكت بملابسهم البالية معلنة الموت والضياع للبشرية جمعاء. حينها ندرك كم للحياة الغابرة من قيم رفيعة وهبت للإنسانية حقوقها كاملة لتحظى وتنعم بقيمة وجودها في هذا الكون، وحتى في أيام حربها كان أهلها يتمتعون بكافة حقوقهم من أمان وكرامة عيش. كان الجندي في ذلك الزمان إما أن يهنأ بظفر يرفع وطنه عاليًا، أو يقبل بأسباب الهزيمة قانعًا بالعدل، أو يموت قرير العين مطمئنًا أن أولاده وأهله سيعيشون بكرامة من بعده، لأنه بدوره عاش وترعرع في حضارة قامت وازدهرت على المبادئ والقيم العليا في السلم والحرب كحضارة الصين العريقة.