18-سبتمبر-2016

الدكتور محمد محسوب أحد المشاركين فى مناقشة بنود مبادرة واشنطن

لم تحقق مبادرة واشنطن الاختراق الذي رجاه أصحابها في صفوف القوى المصرية المعارضة، وإن لا يزال يصعب تقييم نتائجها بصفة حاسمة، بيد أنه يكفي أنها وفرت مساحة لجدل لزمت إثارته، وذلك بغض النظر عن السقف المحدد لها بل ومدى قدرتها على استيعاب القوى المعارضة أو جديتها في الوصول لنتيجة يمكن البناء عليها، بل وبغض النظر من الموقف من مضامينها المُعلنة إلى حدّ الآن.

لا يهمّ في الوقت الحاضر تحقيق التوافق المرجوّ أو ضبط شروط الأرضية المشتركة للتحرّك ضد نظام الانقلاب/الإرهاب الحاكم، بقدر ما يهمّ وجود فرصة للحوار والنقاش بين قوى وشخصيات، لم تلق بعد مساحة لتبادل وجهات النظر وللأخذ والردّ ببساطة. إذ تمثّل غياب هذه المساحة إحدى أزمات المعارضة سواء الناشطة في الداخل أو في الخارج أساسًا، ولعلّ مسألة جلوس "الجميع" على طاولة واحدة هي الأكثر أهمية إن لم تكن في صميمها إحدى جذور أزمة المعارضة نفسها.

لا يجب التسرّع للوصول لأرضية مشتركة دون تحقيق شروطها في الوقت الحاضر بقدر ما يجب التحاور وتبادل وجهات النظر والعمل على التقريب فيما بينهما

اقرأ/ي أيضًا: 7 شخصيات تكتب سيناريو المصالحة مع الإخوان

تحدثت المبادرة على ما أسمته مسار ما بعد إسقاط النظام، فتناولت مضامين بخصوص هوية الدولة وعلاقتها بالدين، وحول شكل السلطة، وإن وردت مقتضبة تحتاج لمزيد التفصيل والتعمق في صياغتها، وذلك وفق ورقة مبادئ أولية انكشف لاحقًا أنها تم تسريبها. في هذا الإطار، تبيّن أن بندًا يتعلق بضبط علاقة الدولة بالدين لم يقع التوافق حوله أصلا قد خطف من المبادرة -التي ما زالت في طور الإعداد- بريقها، بل اُتخذت المواقف وانهالت الاتهامات من كل حدب وصوب بسبب بند قد لا يكون موضوعه بالنهاية إلا أحد محاور الاختلاف الرئيسية بين القوى السياسية.

المشكلة الأساسية أن العديد من هذه القوى لا تزال تصرّ على تركين القضايا المحورية وتجاوزها، تارة تحت عنوان مقتضيات الأولويات وطورًا بالتشكيك في نوايا من يطرحونها على الطّاولة.

هناك مساران أساسيان يجب أن تنكب مختلف قوى المعارضة على الخوض فيهما بالتوازي. يتعلق المسار الأول بضبط أسس التحرّك لإسقاط حكم العسكر وآلياته، وهو ما يفترض ضرورة الاتفاق على أرضية مشتركة واستراتيجية عمل في الداخل والخارج. يستلزم هذا المسار على سبيل المثال النقاش حول المسألة القانونية الصرفة في ظلّ وجود فريق من قوى المعارضة لا يزال يصرّ على ضرورة عودة الرئيس مرسي لسدّة الحكم بعد إسقاط النظام الحاكم، وفريق آخر يدعو لتبني خارطة سياسية تتجاوز المسار المؤسساتي لما قبل 3 يوليو.

أما المسار الثاني الذي يجب الخوض فيه فهو فكري -مضموني بالأساس- ويتقاطع مع المسار الأول ولكنه يتجاوزه ليتناول المسائل الجوهرية للوصول لنقاط التقاء بخصوص شكل الدولة وهويتها والنظام السياسي وغيره، أي كل الملفات ذات البعد التأسيسي التي يفترض تبنيها في دستور وطني جامع. وقد تطرقت مبادرة واشنطن لهذا المسار بصفة جزئية، وما يُحسب لها أنها أثارت جدلًا كان يجب أن يُثار، وذلك بغض النظر عن قدرتها للوصول لنتائج مرضية على الأقل.

وفي هذا الإطار، تمثل تجربة 18 أكتوبر في تونس قبل الثورة تجربة رائدة جمعت مختلف قوى المعارضة من إسلاميين وقوميين ويساريين وحقوقيين في المنفى، وهو ما لم يساهم فقط حينها في تقريب وجهات النظر بل الوصول لورقات عمل في علاقة قضايا علاقة الدولة بالدين وغيرها، لعبت دورًا محوريًا في الوصول لدستور توافقي بعد الثورة.

يجب أن تتكثف في الوقت الحاضر المبادرات وورشات العمل، ولا يهمّ في الوقت الحاضر وجود إطار جامع بقدر ما يهمّ تعدد النقاشات في ذاتها وإن في أطر مختلفة. القوى المعارضة بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للتحاور فيما بينها في كل الملفات والقضايا دون أي شروط ودون إقصاءٍ لأي طرف وبعيدًا عن اتهامات التخوين وغيرها.

لا يجب التسرّع للوصول لأرضية مشتركة دون تحقيق شروطها في الوقت الحاضر، بقدر ما يجب التحاور وتبادل وجهات النظر والعمل على التقريب فيما بينهما. ولذلك مرحبًا بأي مبادرة توفّر فرصة لذلك. حيث سنصل للكلمة الجامعة في الغد حين نبدأ فعلًا في الحوار اليوم.

اقرأ/ي أيضًا:
الدولة الحصينة والمجتمع العاري
30 يونيو.. فشل الإخوان وغضب الشعب واستغلال العسكر