07-أكتوبر-2016

فلسطينية لاجئة من اليرموك إلى كيلس التركية (فيلي جورجاه/الأناضول)

أثرت الثورة السورية التي انطلقت في آذار/مارس 2011 على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في سوريا منذ نكبة عام 1948، وأدت إلى تغيير حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد يؤثر ذلك في المستقبل على هويتهم الوطنية التي تميز خصوصيتهم.

اندمج الفلسطيني في المجتمع السوري منذ استقبله لاجئًا، وترجم ذلك بالانخراط العضوي بالثورة السورية

حينما انطلقت الثورة السورية بحراكها السلمي قبل أكثر من 5 سنوات، كان عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا حوالي 650 ألف لاجئ، يتوزعون في مخيمات عديدة أقيمت في أطراف معظم المدن الرئيسية وخصوصًا العاصمة دمشق. تميزت أوضاعهم الحياتية فيها بنوع من الاستقرار، وقد كانوا يعاملون معاملة المواطن السوري وفقًا للقانونين السوريين (450) و(260) الصادرين عامي 1949 و1956، اللذين خضع بموجبهما اللاجئون الفلسطينيون المسجلون في سوريا منذ عام 1948 للقوانين السورية من حيث المساواة مع المواطن السوري في كل المجالات، ما عدا الانتخاب والترشح للبرلمان السوري والإدارة المحلية ومجالس المحافظات والمدن.

حقق ذلك نوعًا من الاندماج المتكامل، وتداخل وفق تلك القوانين الفلسطينيون مع السوريين، وأصبح لهم دورًا فعالًا ومهمًا في كافة نواحي الحياة السورية المهنية والوظائفية والتعليمية، واستطاعوا أن يؤكدوا ذواتهم فيها، ووصلوا إلى أعلى المراتب الوظيفية، وانعكس ذلك على معيشتهم، وأدى إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية.

بقي الفلسطينيون السوريون يتميزون عن السوريين بالخصوصية الوطنية الفلسطينية، التي تتمثل بحق العودة وتقرير المصير فهم أصحاب حق مسلوب ويريدون استعادته، لأنهم معنيون بشكل مباشر بهذا أكثر من غيرهم، لهذا فقد شاركوا بشكل فعال بالعمل السياسي الوطني الفلسطيني، وكانوا من أوائل الذين انضموا إلى منظمات الثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات، وقاتلوا في فلسطين ولبنان والأردن وعلى جبهة الجولان المحتل.

اقرأ/ي أيضًا: ذكرى "مسيرة العودة" من اليرموك إلى فلسطين

حيث كان ذلك قبل انقلاب الحركة التصحيحية عام 1970 التي قادها حافظ الأسد، وأصبح رئيسًا للجمهورية العربية السورية، وقد منع منذ ذلك التاريخ أي عمل عسكري للمنظمات الفدائية الفلسطينية ينطلق من جبهة الجولان المحتل. كما قدموا الشهداء على طريق التحرير وحق العودة، وبرز منهم قيادات في الصف الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية مثل محمود عباس (أبو مازن) ومحمد عباس (أبو العباس) وخليل محمود الوزير (أبو جهاد).

لكن برزت في منتصف السبعينيات خلافات سياسية بين منظمة التحرير الفلسطينية والنظام السوري، وقد تطورت إلى شكل الصراع المسلح في لبنان عام 1976، وانتهت بمجازر ارتكبها النظام السوري مع القوى الانعزالية اللبنانية بحق الفلسطينيين في لبنان، ومن أهمها مجزرة مخيم تل الزعتر في بيروت، وحصار المخيمات الفلسطينية في لبنان بين عامي 1983-1985 بالتعاون مع حركة أمل اللبنانية بزعامة نبيه بري.

لا يمكن تبرأة النظام السوري من جرائمه بحق الفلسطينيين مثل دوره المحوري في مجزرة تل الزعتر

كما قام النظام السوري بافتعال انشقاق في صفوف حركة فتح، قاده سعيد موسى مراغة (أبو موسى)، وقام بعد ذلك بإغلاق مكاتبها ومعسكراتها في سوريا، واعتقال معظم كوادرها وزجهم في السجون سنين طوال، وطرد ياسر عرفات من دمشق، وبعد ذلك تابع الفلسطينيون في سوريا حياتهم بشكل اعتيادي أسوة بإخوتهم السوريين الذين كان المعارضون منهم يتعرضون لقمع نظامهم الدكتاتوري.

وفي أثناء ذلك قبلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، والمنشقين من حركة فتح إضافة إلى بعض المنظمات الأخرى بأن يبقى القرار الفلسطيني تحت وصاية النظام السوري. إلا أنه عندما اندلعت ثورة الحرية والكرامة في سوريا ضد نظام بشار الأسد، وتحولت من الحالة السلمية إلى الحالة المسلحة بعد قيامها بأكثر من 6 أشهر بسبب القمع الهمجي الذي تعرضت له الثورة وإدارة العالم ظهره لها، انضم معظم الشباب من اللاجئين الفلسطينيين السوريين إلى الثورة مطالبين بالتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أسوة بإخوتهم السوريين.

اقرأ/ي أيضًا: طلب انتساب إلى مخيم اليرموك

وعلى النقيض من ذلك، كما حال بعض السوريين الذين وقفوا مع النظام، وقفت معه أيضًا المنظمات الفلسطينية التي رهنت نفسها تاريخيًا له، مثلما فعلت في السابق مع قيادة منظمة التحرير التي رفضت الانصياع لقرار النظام السوري بالهيمنة على قراراتها المستقلة، واحتوائها.

شاركت المنظمات الفلسطينية الموالية وخصوصًا القيادة العامة النظام السوري قمعه الوحشي للشعب السوري ومن ضمنه الفلسطيني، والذي تطور إلى حرب شعواء يشنها النظام عليهم بكافة أنواع الأسلحة الجوية والأرضية والصاروخية والكيماوية، أدت إلى إدخال سوريا في حرب إقليمية ودولية، تكاد أن تمحو معالم حقيقة الثورة السورية ومشروعيتها الأخلاقية والسياسية.

تعرض خلالها المجتمع الفلسطيني كما هو السوري أيضًا إلى أضرار جسيمة. فعلى الصعيد الفلسطيني حاصر النظام السوري وقصف مخيم اليرموك أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وشرد أهله البالغ عددهم حوالي 180 ألف نسمة، ودمر مخيمي درعا وحندرات في حلب بالكامل، ولا يزال مخيم خان الشيح الواقع شرق مدينة دمشق يتعرض للقصف اليومي على من تبقى من القلة القليلة من سكانه هناك.

يتشارك فلسطينيو سوريا شعبها بدفع ثمن ثورتهم على الدكتاتورية

كما هجر أهالي مخيم السبينة في جنوب العاصمة، ويمنع أهله من العودة إليه على الرغم من خلوه من المسلحين، وهناك الآلاف الذين استشهدوا أو قتلوا بسب الجوع الذي سببه الحصار، وإلى الآن لا يعرف مصير الآلاف من المعتقلين في سجون النظام، وهناك المئات من الذين ابتلعهم البحر أثناء عبورهم المتوسط إلى دول الشمال البارد.

ما هو جدير ذكره أنه برغم ما تعرض له اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من مآسٍ وأهوال وكوارث خلال الحرب، يبقى مستقبلهم الوطني يكتنفه الغموض وخصوصًا ما يتعلق بهويتهم الوطنية المتمثلة بحق العودة إلى ديارهم في فلسطين وتقرير المصير، بسبب إبعادهم كمكون اجتماعي عن المشهد السوري، وغياب قضيتهم عن كافة الأجندات السياسية والتفاوضية المطروحة على أجندات التفاوض السياسية المحلية والإقليمية والدولية. نجدهم تائهين في كل أصقاع الأرض يبحثون عن ذواتهم لتأكيد انتمائهم.

اقرأ/ي أيضًا:
مراثي خان الشيح
حين توقّفت شهرزاد