06-ديسمبر-2019

لزمن طويل استخدم القنبوس كآلة رئيسية في الغناء اليمني (مركز التراث الموسيقي)

مع إطالة أمد الحرب الحالية في اليمن، يخشى فنانون وباحثون يمنيون من إندثار المعالم الفنية والتراثية التي ارتبطت بهويتهم، الأمر الذي دفع البعض منهم إلى إعادة إحياء صناعة واستخدام آلة القنبوس.

عمل فنانون وباحثون يمنيون على إعادة إحياء صناعة واستخدام آلة القنبوس الوترية التراثية التي تعود لزمن المغنى الجميل

والقنبوس أو الطربي، هو آلة موسيقية تعود لزمن المغنى الجميل في اليمن. تشبه العود وليست عودًا. ويرجع تاريخ استخدامه أول مرة، للألفية الأولى للميلاد.

اقرأ/ي أيضًا: الغناء اليمني ومذاهبه.. ينابيع الثراء الروحي

ولطالما رافق القنبوس، كآلة رئيسية، الأغاني الصنعانية والموشح اليمني التقليدي الذي صنفته اليونسكو ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي.

ومن اليمن، انطلقت رحلة القنبوس للانتشار في دول جنوب شرق آسيا، عبر الهجرات اليمنية، خاصة في ماليزيا وإندونيسيا وبروناي، وحتى في الهند.

القنبوس أم الطربي؟

في مناطق شمال اليمني تعرف باسم "الطربي"، وتسمى في حضرموت وفي عدد من دول العالم بـ"القنبوس"، فيما يسميها سكان الخليج العربي "العود الصنعاني".

وجاء اسم الطربي من تصغير كلمة "طرب"، وفقًا للفنان اليمني أحمد المعطري، الذي قال لـ"الترا صوت" إن اسم الطربي هو أصح الأسماء لهذه الآلة الوترية.

لكن من أين جاءت تسمية "القنبوس"؟ يجيب المعطري بأن القنبوس اسم دخيل، غير يمني، مقتبس من كلمة "كوموز" وهو اسم آلة شبيهة، استخدمها الترك، ولا زالت مستخدمة إلى الآن، خاصة في قرغيزستان.

والعود الصنعاني أو الطربي أو القنبوس كما يسمى أيضًا، يتكون من قطعة واحدة منحوتة الجسم والرقبة، من خشب الجوز الرفيع المقدر بنصف الجذع. ويضم المفاتيح التي تثبت فيه بلحام خاص يدعى "العقب"، وهو مصنوع من قوائم الأبقار.

آلة القنبوس

ويغطى صدر العود برق من جلد الماعز، وعلى الجلد توضع خشبة صغيرة تسمى "غزالة"، تحمل الأوتار مرورًا إلى "المشط" في طرف الرقبة المرتبطة بالرأس، حيث المفاتيح التي تثبت عليها الأوتار.

وعدد المفاتيح في القنبوس سبعة: ثلاثة زوجية (بمجموع ستة مفاتيح) وواحد منفرد، ترتبط بأربعة أوتار طبيعية كانت تصنع من أمعاء الماعز. والريشة المستخدمة للنقر على الأوتار، من ريش النسر.

آلة المغنى الرئيسية

على مدار قرون طويلة، وحتى منتصف القرن الـ20، كان القنبوس آلة رئيسية في الأغاني الشعبية التي يؤديها الفنانون اليمنيون. لكن بدأ استخدام الآلة بالتراجع في عهد الحكم الإمامي الذي تشدد مع الغناء، فاندثر استخدام الطربي.

ثم مع انتهاء الحكم الإمامي، أعاد مطربون يمنيون استخدام الطربي مجددًا، قبل أن يخفت نجمها مرة أخرى مع جيل جديد من المطربين الذين فضلوا استخدام العود العربي المعروف ذو الـ12 وترًا، لتحتل الطربي مكانها في المتاحف أو أثرًا معلقًا في بيوت قدامى المطربين ومراكز تعليم الموسيقى.

مع ذلك، بقي صناع الآلات الموسيقية الوترية في اليمن، يصنعون قطعًا متفردة من آلة الطربي، رغم ضعف الإقبال على اقتنائها، مع انتشار العود العربي كبديل أكثر استخدام، في ظل توجه نحو الانفتاح على سوق الغناء في دول الجوار.

"أبناء الجيل الجديد يأتون إلينا لشراء العود العربي. رغم أننا قادرون على توفير الطربي، لكن لا نستطيع التحكم في ذائقة الناس"، يقول شوقي الزغير، صانع آلات وترية في صنعاء، ورث المهنة عن والده. ويضيف: "أحاول على الأقل إخبارهم بضرورة إحياء تراثنا الموسيقي".

هوية فنية

مؤخرًا ظهر مهتمون في عالم الفن، بإحياء ما يسمونه "الهوية الفنية اليمنية"، ومن ذلك آلة القنبوس أو الطربي. وهؤلاء ليسوا فقط فنانين أو باحثين من الكبار في السن، بل منهم شباب عشريني، مثل محمد الهجري.

محمد الهجري
الفنان اليمني محمد الهجري عازفًا بالطربي

"تعريف الناس في اليمن والعالم بإحدى أهم المدارس الفنية الشرقية الأصيلة"، هو دافع الهجري للاهتمام بالعزف على الطربي، كما أخبر "الترا صوت"، بالإضافة إلى جهوده لـ"إعادة إحيائها في الساحة الفنية اليمنية، وبين أوساط الشباب".

ويؤكد الهجري على أن الطربي تعكس أصالة الهوية الفنية اليمنية، كونها آلة لمدرسة فنية لم تقع تحت تأثير الثقافات الغربية، بتعبيره، لذلك يعمل الهجري، وغيره من تيار إحياء التراث الفني اليمني، على استخدام آلات مثل الطربي في أعمالهم الفنية، من أجل "الحفاظ على تراثنا الغنائي ليس فقط من الاندثار، بل من السرقة أيضًا".

ومنذ نحو عامين فقط، بدأ الهجر العزف على القنبوس: "بدأت بمحاولة فهم آلية عمل هذه الآلة، خاصة وأنني أعزف العود العربي منذ أكثر من 10 سنوات، فركزت على فهم كيفية التعامل مع الطربي".

لم يكتفِ محمد الهجري فقط بتعلم العزف على الطربي، واستخدامها في أعماله الفنية، بل حاول التطوير عليها: "صنعت طربي من ستة أوتار، وهو في الأصل مكون من أربعة فقط. وذلك كي أتيح لنفسي فرصة الخروج بالطربي من قوقعة أسلوب العزف الصنعاني التقليدي، لمساحة أوسع".

مشروع الإحياء

محمد الهجري، الذي درس في المعهد العالي للموسيقى العربية بالقاهرة، أسس مؤخرًا فرقة "راديو يمن"، المتخصصة في إحياء ونشر التراث الغنائي اليمني في الدول العربية، انطلاقًا من استخدام آلة القنبوس.

ويرى الهجري أن "الاهتمام بآلة الطربي في تزايد"، مدللًا على ذلك بزيادة مقاطع الفيديو التي ينشرها شباب يمني وهم يعزفون الطربي، "ما يبين اعتزازهم بتراثهم الفني"، كما يقول.

تعكس آلة الطربي أو القنبوس أصالة الهوية الفنية اليمنية، كونها آلة لمدرسة فنية لم تقع تحت تأثير الثقافات الغربية

من جهة أخرى، فإن مثل مقاطع الفيديو هذه، وأخرى لفنانيين يمنيين وحتى غير يمنيين، كالفرنسي جان لامبير؛ ساعدت على التعريف بالقنبوس، على الأقل بين اليمنيين. "يتبقى فقط تسهيل الحصول عليها بمبالغ معقولة، تتيح للعازفين والمتدربين، الاشتغال بها"، يقول الهجري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في الحرب.. الزوامل اليمنية لا تقلّ ضراوة عن المدافع

إحياء مسرح العرائس في اليمن.. طموح أكبر من الحرب؟