نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أمس الثلاثاء، نصًا للفنان التشكيلي الفلسطيني ميسرة بارود تحدّث فيه عن معاناته ومعاناة أهالي قطاع غزة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية على القطاع منذ أكثر من 7 أشهر، استُشهد خلالها أكثر من 35 ألف فلسطيني، بينما أُصيب زهاء 80 ألفًا.
واعتاد ميسرة، منذ بداية العدوان في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على رسم ما يتعرّض له الغزيّون ومشاركة رسوماته هذه على حساباته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي بهدف طمأنة أصدقائه عليه من جهة، ونقل آثار الحرب الهمجية على القطاع بطريقته من جهة أخرى.
ورغم تسوية الاستديو الخاص به بالأرض، واضطراره إلى النزوح مع عائلته أكثر من 10 مرات، وهم الآن يتشاركون المنزل مع 25 شخصًا، إلا أن ميسرة لا يزال يرسم بهدف توثيق الخوف والدمار الذي يحيط به.
مسيرة بارود: لقد أصبح الرسم وسيلة خاصة لمساعدتي في التغلب على الموت لبعض الوقت
يقول بارود في نصه إنه اعتاد، منذ سنوات، على الرسم يوميًا ومشاركة رسوماته على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد حرص على الالتزام بهذا الروتين اليومي حتى بعد الحرب وفقدان بيته ومرسمه الخاص وكتبه وأدواته وظروفه الصعبة.
وخلال هذه الفترة، منذ بداية العدوان على غزة إلى هذه اللحظة، أصبح: "الرسم والنشر عبر الإنترنت يوميًا هو الطريقة الوحيدة لطمأنة أصدقائي، بعد أن انقطعت جميع وسائل التواصل ووسائل التواصل الاجتماعي ثم استعادتها
جزئيًا فيما بعد. رسوماتي التي أوثق فيها الحرب بكل مشاهدها القاسية، أصبحت الرسالة التي أقول من خلالها لأصدقائي: مازلت على قيد الحياة".
وأشار بارود إلى أن الاستمرار في رسم ظلال الحرب والإبادة الجماعية لم يكن سهلًا، كما لم يكن من السهل الحصول على الأدوات اللازمة للرسم، ولكنه استطاع فيما بعد الحصول على قلم رصاص وبعض الأوراق، ثم على بعض أقلام الحبر الأسود.
يقول عن رسوماته في ظل حرب الإبادة الجماعية: "أصبحت خطوطي أكثر وضوحًا وصرامة مع كل مشهد أرسمه، حيث تستهلك المناطق السوداء سطح الورقة البيضاء"، وأضاف قائلًا: "لقد انعكست المأساة بكل تفاصيلها في هذه الورقة الرسومات كانت مكان الصرخة وكانت نداء من منتصف الحرب يطالب بوقف القتل.. وأن يلاحظ العالم ما يحدث في غزة وعالمها المحدود".
ولفت بارود إلى أنه يرسم دون الاستعانة بمخيلته، فما يرسمه يحدث حوله: قتل، وهدم، ونزوح، وتدمير، وتجويع، وتهجير، وخوف، وقلق، وحزن. إنه يرسم المشاهد التي يعيشها، وجميع الغزيين، لحظة بلحظة.
وقال: "سجلت في مذكراتي قصص الدمار والخسارة والموت والضعف والنزوح والخوف والألم والصبر والصمود والانكسار. وعبّرت عن القصة من خلال عملي منفصلًا عن الدعاية الرسمية".
وأوضح ميسرة بارود أن القصة تدور: "حول حرب لديها قدرة هائلة على إلحاق الأذى، وتهزم المسافة والجغرافيا بسرعة الصوت، مما يؤدي إلى الموت لعدد أكبر من الناس في وقت أقل".
وأشار الفنان الفلسطيني إلى تغيّر الواقع الذي عاشه قبل بداية الحرب في السابع من أكتوبر: "لم يعد لدي بيت آمن يؤويني وعائلتي الصغيرة. سقطت الصواريخ على استوديو الرسم الخاص بي (عالمي الصغير) ودمرته، وقضت الطائرات على كل خططي المستقبلية لأطفالي".
وأضاف: "الجامعة التي أعمل فيها كمحاضر قد اختفت وتحولت إلى رماد. شوهت آلة الحرب معالم مدينتي الصغيرة ودمر الاحتلال كل ما فيها من جميل؛ فالأشياء التي ظلت ثابتة في ذاكرتي أصبحت الآن مشوهة تحت الركام".
وأكمل: "وفي لمح البصر صرت نازحاً في مدن لا تعرفني. لقد انتقلت 10 مرات بحثًا عن الأمان لي ولأطفالي بعيدًا عن قلب غزة. أعيش الآن في جنوب رفح، في منزل صغير مع 25 شخصًا آخر".
واختتم بارود نصه بالقول: "لقد ابتلعت الحرب أحلامي الصغيرة بأكملها، وكل ما يحيط بنا الآن مغطى بالسواد. والقلب الصغير لم يعد يحتمل. الحزن بالنسبة لي هو قرار مؤجل إلى ما بعد الحرب؛ قررت الاستمرار في الرسم رغم صعوبة الظروف واحتفظت لنفسي ببعض الوقت في الليل بعد يوم طويل. لقد أصبح الرسم وسيلة خاصة لمساعدتي في التغلب على الموت لبعض الوقت. الرسم بالنسبة لي هو الطريق لكسر الحصار، وبالتالي إلغاء وتحدي الحدود والحواجز التي وضعها الاحتلال".
كما أنها في الوقت نفسه: "الطريقة الوحيدة للإعلان: ما زلت على قيد الحياة"، وفق تعبيره.