14-أبريل-2019

رقصة شعبية لرجال إحدى القبائل الموالية للحوثيين (ذي بالتيمور صن)

التراصوت -  فريق التحرير

لون فني جديد كشفت عنه الحرب اليمنية بين الحوثيين وقوات هادي طغى على الفنون الغنائية الأخرى، وخرج عن استخدامه لتشجيع الجنود على القتال وتحشيد الشباب للالتحاق بالجبهات وتحميسهم على مواجهة الأعداء، ناهيك عن استخدامه في المناسبات الخاصة وحفلات الزواج.

الزامل هو فن غنائي شعبي يُنشَد في المناسبات الاجتماعية ويُرقَص عليه في بعض المناسبات رقصة جماعية

"الزامل"، بحسب الحوثيين جبهة بحد ذاته لمواجهة الغزاة وسلاح فتاك لإرهاب الأعداء، بكلماته الحماسية وإيقاعاته القوية التي تشعل البراكين في جوف سامعيها، وتجعلهم يتوجهون نحو جبهات القتال، إلى حد أن الكثير من السكان وصف الزوامل بأنها سحر.

اقرأ/ي أيضًا: البرع.. رقصة الحرب اليمانية

والزامل فن غنائي شعبي معروف في اليمن، يُنشده اليمنيون ويرقصون عليه في مناسبات مختلفة، ويمتاز بسرعة إيقاعاته وسهولة كلماته الموزنة التي تبعث على الجذل وتثير الحماسة في نفوس المستمعين والراقصين، ما جعلها مناسبة للتوظيف في المعارك والمواجهات بين أطراف القتال في اليمن. 

استثمرت جماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ 2015، في إنشاد الزوامل، فكلماتها المنسوجة بالدماء وألحانها المضرجة بالبارود، أعطتها نكهتها الخاصة، وساعدتها في حربها ضد التحالف السعودي الإماراتي، الذي جعلها اللون الأبرز في البلاد خلال هذه الفترة.

لا تكاد تمر من جانب سيارة أو عربة عسكرية أو دراجة نارية في العاصمة صنعاء، إلا وتسمع زاملًا يدعو للقتال ويرفض الهيمنة والذل، ويعطي النشاط والشجاعة، يقول عبد الرحمن محمود.

من الأكيد أن ليس كل من يسمع الزوامل مقتنعًا بمشروع الحوثيين وأفكارهم الطائفية، لكن للزامل تأثير كبير على جسم وعقل الإنسان يجعلك تشعر بالحماس والنشاط، يضيف محمود في حديثه لـ"الترا صوت".

لم تكتف جماعة الحوثيين بتوزيع أجهزة MP3 على المقاتلين في جبهات القتال، وذواكر تحمل المئات من الزوامل الحماسية، بل قامت بسابقة وهي إرسال المنشدين أنفسهم إلى الجبهات من أجل تحميس المقاتلين.

وفي هذا السياق، كان لطف القحوم، أشهر المنشدين الحوثيين للزوامل، قد لقي مصرعه في جبهة صرواح شرق العاصمة صنعاء أثناء المواجهات مع القوات الحكومية. القحوم الذي أنشد للحوثيين الزوامل في الحروب الست مع قوات الجيش في 2004، ذهب إلى الجبهة لتشجيع المقاتلين على القتال لكنه لقي حتفه بعد أيام من وصوله. لكن أناشيده لا تزال حاضرة بين جماعته، ومنها: "ما نبالي ما نبالي ما نبالي/واجعلوها حرب كبرى عالمية، حن قلبي للجرامل والأوالي (البندقية والكلاشينكوف)/ والله إن العيش ذا يحرم عليّه، في سبيل الله ذقنا المر حالي/ مرحبا بالموت حيّا بالمنية".

وهنا كلمات أخرى لزامل يحرّض فيها منشد الحوثيين عيسى الليث على بذل المال والنفس في سبيل الجماعة، بأسلوب يوظف الديني لصالح الأيديولوجي.

"إلى الجبهات.. رَبّي يناديني

هدى الآيات.. بالنور يهديني

معه رحّال.. دروب طوال

وللجبهات رَبّي يناديني".

 

"تركت البيت وعيالي

وطاب مع الله المسرى

وبِعت النفس والمالي

عسى الله يقبَل المشرى

طرقت الباب يا رب نجيني

من النيران وذنوب تخزيني

أحط أحمال.. ذنوب ثقال".

 

بطبيعة الحال، الملك سلمان وولي عهده لم يسلما من الزوامل التي ذمتهما واستنكرت التحالف الذي تقوده السعودية لحرب اليمن:

 

"قل للملك وابنه المهفوف

وأهل السلاح التوماتيكي

قبلك رجال الرجال حتوف

تبرق من الموت لا سلكي

الحرب سيقانها مكشوف

وظهورها مننا منكي

وأبراجكم كلها منسوف

وأبو يمن فوقها مدكي

أرض اليمن حدها محفوف

بالآر بي جي وبالشيكي

باسم القوي بانجيك صفوف

قل للسعودي والأمريكي

ما هو على قوة المقذوف

لو يمزج النفط بالويسكي".

 

وهي من كلمات الشاعر حمود محمد شرف أنشدها عيسى الليث ولقيت رواجًا في الأوساط اليمنية، وباتت تسمع على صدى واسع، بالإضافة إلى العشرات من الزوامل الأخرى الرافضة للتدخل السعودي والأمريكي في الشأن اليمني.

مع ظهور كل طائفة في البلاد يظهر معها لون فني جديد، فمع انطلاقة ثورة الشباب السلمية خرجت معها الأناشيد الثورية التي يرعاها حزب الإصلاح، قبل ذلك كانت الأغاني الوطنية رمزًا للنظام السابق. من جانبها دخلت القوات التابعة لهادي على الخط وقدّمت زوامل هي الأخرى، تدعو من خلالها لمواجهة الطرف الآخر وتوحيد الصفوف، لكن صداها أقل من الزامل الحوثية التي يبدو أنها أجادت اللعب على الوتر العاطفي بمكر أكبر.

حملُ الزامل في هاتفك لطرف معادٍ لجماعة، ثم المرور في منطقة الطرف الآخر، هو تهمة جاهزة قد توقع في المتاعب، لأنها دليل على موالاة ذلك الطرف والعمل لحسابه. وهكذا صارت الزوامل الآن شكلًا من أشكال تحديد الهوية!

الملك سلمان وولي عهده لم يسلما من الزوامل التي ذمتهما واستنكرت التحالف الذي تقوده السعودية

في النقاط الأمنية يفتش الجنود الهواتف بحثًا عن الزوامل، ويمنع وصوله الى عدن إن كان يحمل في هاتفه تسجيلًا لزامل حوثي، ويتعرض للسجن والتحقيق ومن الطرف الآخر أيضًا، وهكذا دواليك.

اقرأ/ي أيضًا: وهم الإيقاع الخليجي

يتحدث آدم عبد الرحيم، لـ"الترا صوت"، بأن العديد من أصدقائه ذهبوا الى جبهات القتال بعد سماعهم للزوامل الحماسية. ويلفت إلى أنه يراود نفسه بين الحين والآخر بالذهاب الى جبهات القتال للحاق بأصدقائه كلما صادف أن سمع هذه الزامل.

تعدت الزوامل نطاق الحدود اليمنية وذاع صيتها في الدول العربية المجاورة، فالمغترب اليمني يستمع إليها في غربته لتكون عونًا له لمواجهة مشقات الغربة وعنائها، لكنها في سياق الاستثمار العسكري والحربي لا تتوقف عن تفتيت المفتت وتمزيق هوية اليمنيين بين أهواء أمراء الحرب.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

العود في اليمن.. من صفائح زيوت السيارات

ليست سرقته الأولى.. حسين الجسمي يسطو من جديد على موسيقى اليمن