15-نوفمبر-2019

بيت في صنعاء القديمة

العود الصنعاني.. الروح والفن

يعود تأريخ بعض الأغاني الصنعانية إلى أكثر من خمسمائة عام، ولكل أغنية قصة خاصة بها، كما تختلف كل أغنية بكلماتها وألحانها وإيقاعاتها بتنوع المورث الثقافي في العاصمة صنعاء.

يتميز الغناء الصنعاني بإيقاعاته الحادة ولهجته القوية، المستوحاة من الطبيعة البيئية الباردة

يتميز الغناء الصنعاني بإيقاعاته الحادة ولهجته القوية، المستوحاة من الطبيعة البيئية الباردة، والتضاريس والمتغيرات، بالإضافة إلى مصاحبته للعود اليمني الأصيل ذي الأوتار الأربعة، المسمى قديمًا بـ"القنبس".

اقرأ/ي أيضًا: عبدالله الدبعي يعزف ويُعلّم.. الموسيقى في مكان واحد فقط باليمن

يعد الغناء الصنعاني أبرز الفنون الغنائية في اليمن، ويعد فؤاد الكبسي وحسين محب ويوسف البدجي وعبد الرحمن الأخفش وحمود السمه وصلاح الأخفش.. أبرز رواد الفن في هذه المرحلة، وتمكنوا من أسر قلوب الكثير من المستمعين اليمنيين، والعرب أيضًا، بأصواتهم الجميلة، وبإحيائهم للأغاني اليمنية القديمة التي تتجاوز عمرها مئات السنيين.

 

الدان الحضرمي.. أغاني الوادي والصحراء

للمحافظة الواقعة على ساحل بحر العرب لون غنائي خاص بها، يجسد طبيعة الحياة الساحلية، ويصاحبها الضرب على الطبول والطار والدف.

تبدأ الأغنية الحضرمية بكلمة "وادان ودان دانة"، فيطلق عليها الدان الحضرمي، الذي يعد أكثر ما يميزها عن غيرها من الألوان الأخرى.

الكثير من الأغاني الحضرمية ذات الطابع الإيقاعي والموسيقي الذي يميزها عن بقية المحافظات اليمنية، لكن الدان يعد أبرز تلك الأغاني، الذي يتميز بمقطعه الصوتي الطويل وكلماته الشعرية، ورقصاته الخاصة، وأيضًا الآلات الموسيقية.

بكلماته الشعرية الغزلية أو الحربية أو في المدح والذم والفخر، أو قصيدة تحاكي الواقع أو تروي قصة، ينظمها الشاعر، وفي ذات اللحظة تلحن وتغنى في مجالس غنائية وسهرات ومناسبات اجتماعية وسياسية.

ليس ذلك فقط، بل أنه يكون هناك أكثر من شاعر يرتجل أحدهم أبيات شعرية، فيرد عليه الآخر بأبيات أخرى موازية لها في الوزن والقافية والمعنى، وتتناول موضوع واحد.

كثيرة هي أنواع الدان الحضرمي لكن أشهرها الريض والحيقي والهبيش، ولكل دان هو اللون الأبرز

كثيرة هي أنواع الدان الحضرمي لكن أشهرها الريض والحيقي والهبيش، ولكل دان هو اللون الأبرز من حيث طول المقطع، وسرعة الإيقاع، ويختلف الدان من منطقة إلى أخرى، فسكان البوادي تختلف أغانيهم عن سكان المدن وسواحل حضرموت.

اقرأ/ي أيضًا: "Global Gnawa".. موسيقى من كل الأرض لكل البشر

يعد الفنان اليمني أبو بكر سالم بلفقيه أبرز مغنٍّ للدان الحضرمي، وعمل على تطوير الأغنية الحضرمية، وجعلها عصرية بما يتناسب مع العصر الحديث بمصاحبة الآلات الموسيقية الحديثة، وأكسبها شهرة كبيرة في العديد من الأقطار العربية بالإضافة إلى الفنان الراحل محمد جمعة خان، وحداد الكاف، وكرامة مرسال، وعبد الرحمن الحداد، وسعيد باحشوان، ومحمد أحمد بن سويد، وأحمد بن حمدون، وغيرهم.

الأغنية العدنية.. الفن في وجه المتطرف والمستعمر

تمر مدينة عدن بمرحلة حرجة من تأريخها السياسي والثقافي والأدبي، فمع وقائع الأحداث المتسارعة التي شهدتها المدينة منذ 2015، تراجعت النهضة الثقافية والفنية للمدينة التي تعد من أولى المدن العربية التي عرفت الفن والمسرح والسينما.

للغناء العدني نكهته الثورية، منذ الإستعمار البريطاني للجنوب اليمني، وله ألونه الغنائية المميزة والممزوجة أيضًا بالإيقاعات الغربية بفعل الاحتلال البريطاني الذي استمر أكثر من 100 عام، بالإضافة إلى أن المدينة التي تحوز أحد أهم الموانئ في العالم (ميناء عدن)، بالإضافة إلى تحكمها بمضيق باب المندب، وتوافد التجار اليها جعل من فنها مزيج من الثقافات الشرقية والغربية.

الموسيقار الراحل محمد جمعة خان والفنان كرامة مرسال والفنان عبدالرب إدريس وعلي العطاس وعلي الخمبشي ومحمد سعد عبد الله وسالم بامدهف وخليل محمد خليل.. هؤلاء هم أبرز مغنيي مدينة عدن، وهناك فنانون آخرون إما قد غادروا الحياة أو غادروا البلاد، بعد أن ضيقت الصراعات السياسية والمذهبية عليهم الحياة.

عقب خروج الاحتلال البريطاني من الجنوب، عاشت المدينة حرية في كثير من المجالات، خصوصًا في ظل حكم الحزب الاشتراكي، فكانت المراقص والملاهي موجودة في المدينة، وكان الكثير من الفنانين من مختلف المناطق اليمنية يلجؤون إلى المدينة باحثين عن مساحة فنية لإبراز مواهبهم.

تعد أغنية "برع يا استعمار برع" للفنان محمد محسن عطروش واحدة من أهم الأغاني الوطنية، التي ساهمت في رفع الوعي الشعبي لمقاومة الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن ودعم ثورة 14 تشرين الأول/أكتوبر 1963 التي استطاعت طرد المستعمر.

 

الأغنية التهامية تقاوم أمواج البحر والحرب

تغلب على الأغنية في محافظة الحُديدة، غربي اليمن، اللهجة العامية، وتتميز بإيقاعاتها السريعة والخفيفة، وترتبط الأغاني التهامية بالحياة اليومية والمهنية، فالصيادون لهم أغانيهم الخاصة والمزارعون كذلك أيضًا، ويصاحب كل لون غنائي فلكور شعبي يختلف عن الآخر، كما أن المدينة تعد مهدًا للفن الإنشادي والموشحات الدينية، وخصوصًا مدينة زبيد الأثرية.

لمحافظة لُحج جنوبي البلاد لونها الغنائي الخاص المصاحب للرقصات الشعبية، ويعد الفنان فيصل علوي أبرز مغنيي لحج، كما أن محافظة تعز عاصمة اليمن الثقافية، لها بصماتها الخاصة في الفن اليمني، بنغماتها الغنائية الطبيعية وكلمتها الشعرية المستوحاة من المزارع والحقول الخضراء، ويعد أيوب طارش عبسي الذي تربع على عرش الأغنية اليمنية أبرز الوجوه الفنية للمحافظة، فصوته حاضر في المحافل الوطنية وحفلات الأعراس والمناسبات المختلفة.

ركود الفن اليمني في الساحة المحلية

لم يعط الغناء اليمني حقه في الاهتمام والانتشار، وظل محافظًا على إيقاعاته وألحانه، مثل البلد الذي ينتمي إليه والذي ما يزال محافظًا على عاداته وتقاليده، ويعيش في صراع مع الحداثة، والعادات والفنون الغربية والشرقية، التي يرى فيها اليمنيون تطورًا سلبيًا وعادات دخيلة على المجتمع.

ظل الغناء اليمني محافظًا على إيقاعاته وألحانه حاله حال البلد الذي ينتمي إليه والذي ما يزال محافظًا على عاداته وتقاليده

يمتلك اليمن ثراءً غنائيًا كبيرًا متعدد الألوان، لكنه لا يزال راكدًا داخل البلاد التي تخوض ثورات وحروب وصراعات طائفية ومذهبية وتعتبر الفن مهنة معيبة بحق مرتديها، وتمنع الكثير من الهواة من الالتحاق بركب الفنانين والمغنيين.

اقرأ/ي أيضًا: رقمنة التراث الموسيقي التونسي

الأغاني والأناشيد والزوامل والشيلات والموشحات والدان أيضًا، هي أبرز الألوان الغنائية في اليمن، لكنها لم تظهر كثيرًا في الساحة العربية بلونها اليمني الأصيل، سوى نسبة ضئيلة بعد هجرة العديد من الفنانين اليمنيين ومشاركتهم في مهرجانات ومسابقات دولية، منهم الفنان أبو بكر سالم والموسيقار احمد فتحي وعمار العزكي وفؤاد عبد الواحد وعمرو ياسين والعديد من الفنانين اليمنيين.

برع العديد من الفنانيين اليمنيين في غناء كافة ألوان الغناء اليمني، بأصواته ونغماته ولهجاته المختلفة، أبرزهم الفنان أيوب طارش عبسي، كما أن حفلات الأعراس ساهمت في بروز العديد من الفنانيين الشباب، لكنهم يفتقرون للدعم، وأيضًا لوجود مدارس موسيقية وغنائية لمساعدتهم في إبراز مواهبهم، ليتمكنوا من أداء الأغنية اليمنية وتطويرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الموسيقي أمجد فقيره.. حلم الطفولة الذي لا توقفه الحرب

الجيل صفر.. 4 موسيقيين حرروا الأغنية المصرية من العثمانلية