14-يونيو-2017

يتحلى إيمانويل ماكرون، بخاصية تفرد تصوره بدكتاتور مهذب (Getty)

يفيض الرئيس الفرنسي الجديد بـ"الشخصنة"، فهو إلى جانب تركيز آلته الإعلامية على إبراز علاقته بزوجته بريجيت، في أكثر من مكان ومنبر إعلامي، ومحاولته تثبيت قواعد حركته السياسية، خصوصًا بعد نتائج الدور الأول من التشريعيات، والإضاءة على إنتاجه التأليفي ونظرياته في الاقتصاد، يتحلى إيمانويل ماكرون، بخاصية تنحى إلى أن تصوره بـ"دكتاتور" مهذب، أي أنه يأخذ الأمور برويّة تامة لتكون في خدمته شخصيًا، وخدمة صورته الدعائية عن فرنسا الجديدة، على ضوء تغيرات القارة العجوز.

يريد القائمون على استراتيجية الرئيس الفرنسي الجديد إيصال رسالة مفادها أن ما قبل ماكرون ليس كما بعده

فما قبل ماكرون ليس كما بعده، هذا ما يريد القائمون على استراتيجية الرئيس المنتخب حديثًا إفهامه للوسط السياسي الفرنسي التقليدي، والأمر نفسه يثير مخاوف جمة في النادي الباريسي، من خلط أوراق تسمح لماكرون عبر ثغرات ثانوية، من وضع قبضته على الجمهورية، بكل ما للكلمة من معنى، أي ما يشبه وضع اليد في زمن حسني مبارك في مصر أو حكم القذافي في ليبيا، بعد تحصيله على غالبية برلمانية تسمح بمروحة صلاحيات واسعة في الحكومة.

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون الظاهرة.. وأفول الأحزاب التقليدية

فالرجل الذي قرر في أول زيارة له إلى المغرب، أن يكون وحده برفقة زوجته من دون أي وفد وزاري مرافق؛ يتعرض إلى جملة انتقادات من جهات سياسية مختلفة وبعضها من مؤيدين له، على خلفية هذه الزيارة التي تبرزه كمناقش أول لملفات حساسة وآنية، من دون فريق رئاسي أو وزاري أو على الأقل دبلوماسي من الدرجة الثانية.

الرحلة التي وصفتها الصحافة الفرنسية بـ"الشخصية"، لا تبرر أبدًا خطوة صاحبها بهذا التفرد، فهو بالنسبة إلى الفرنسيين يزور بلدًا على علاقة وثيقة جدًا بفرنسا أولًا، وسياسة الرئيس الجديدة تجاه هذا البلد، أو تكريس المنهج السابق مع ملك المغرب محمد السادس، في غاية الأهمية. المغرب هو في الواجهة الأولى لدى فرنسا، كحليف أساسي، بعد غياب سيطرة فرنسا في القرار التونسي أو في ليبيا المحترقة أو كما يحصل في الجزائر، التي تشهد خلافات تاريخية مع فرنسا لم تندمل إلى اليوم.

زيارة ماكرون إلى المغرب لن تؤدي إلا لمزيد من الانتقادات في فرنسا، حيث يرى البعض أنها دليل على الاستفراد بالقرار

وفي تداعيات هذه الزيارة الأولى بعد فوزه إلى بلد مغاربي، إشارات يعرف ماكرون مفاعيلها أو دلالاتها جيدًا في الداخل المغربي، لا سيّما الغمز الذي يمكن أن يوفره بخطوته هذه إلى حكم بوتفليقة ورجال النظام الجزائري. وثانيًا، "تقنيع" الزيارة بهذا الطابع الشخصي، وأن ماكرون سيشارك عائلة الملك مائدة الإفطار؛ يثبت هذا الافتراض، من باب "التكريس" والمفاضلة.

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون والشرق الأوسط.. ماذا ترك رجل الوسط لأهل اليمين؟

لكن هذه الخطوة الناقصة، لن يقطف ثمارها الرئيس سوى في انتقادات ستكبر كرتها في فرنسا، حيث ترى الأوساط السياسية في الزيارة دلالة إلى "الاستفراد" بالقرار وبالطبع رسم استراتيجيات من وجهة نظرِ ماكرونية بحتة، إذ ليس من البروتوكول في الرئاسيات الفرنسية منذ قيامها، أن يتفرد الرئيس بزيارة من دون وفد وزاري يعيد المباحثات أو يُوقع اتفاقيات أو يمارس نوعًا من الدبلوماسية على غرار أي انتخاب جديد في فرنسا، خاصة وأن الزيارة تأتي بين جولتي الانتخابات التشريعية دون أن يحسم شأن أغلبية حزب ماكرون المتوقعة.

مع ذلك، سُرّب من مصادر الإليزيه أن الزيارة سيتم التطرق فيها إلى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والملف الليبي وأزمة الخليج، على أن يعقد العاهل المغربي والرئيس الفرنسي مؤتمرًا صحفيًا، يجددان فيه "متانة العلاقات وتميّزها".

وفق مصادر الإليزيه سيتطرق ماكرون في زيارته إلى المسألة الإفريقية ومجال مكافحة الإرهاب وكذلك البحث في الوساطة لحل أزمة الخليج

لكن مصادر الإليزيه، توضح أن الزيارة جاءت من باب الوعد الذي قطعه ماكرون، على إثر زيارته لكل من الجزائر وتونس أثناء حملته الانتخابية، ولأنه لم يزر المغرب في تلك المرحلة. وهو وعد قطعه كمرشح. وفي الوقت نفسه العلاقات مع المغرب فيها مصالح، وتقيم توازنًا ما، لكنها أيضًا تُشير إلى حساسية بين بلدان المغرب، بخاصة وأن العلاقات بين الجزائر والمغرب ليست في أفضل حالاتها.

اقرأ/ي أيضًا: في أوّل زيارة خارجية للودريان.. فرنسا تدير "حربها" في ليبيا من القاهرة

وفي المعلومات الصحفية أن ماكرون سيبحث أولًا المسالة الإفريقية، وهو ملف حساس للغاية، ويندرج ضمن خطة فرنسا لحفظ مصالحها في أكثر من اتجاه، والتأكيد على التزام المغرب بسياسات حماية وتنسيق جهود فيما يخص ملف محاربة الإرهاب، وهو ملف في غاية الدقة، وتشير تقارير صحفية في باريس، إلى عمق هذا التنسيق الأمني بين المغرب وفرنسا، وهو ما سيدفع ماكرون إلى تخصيص الجزء الأكبر من النقاش مع محمد السادس، في هذا المجال. وسيتبعه بالطبع بحث في الوساطة لحل أزمة الخليج، أو توسيع رقعة الحضور المغربي في القارة السوداء، عبر فرض موقع دبلوماسي تسهله فرنسا للمملكة بين دول إفريقيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وفاز ماكرون.. هكذا تُصنع الحظوظ في عالم السياسة 

فيديو: من هو إيمانويل ماكرون؟