06-أبريل-2017

تظاهرة حركة 6 أبريل في ذكرى انطلاقتها السابعة (Getty)

قبل تسع سنوات فقط من الآن، لم يكن 6 أبريل يومًا عاديًا، ففي مدينة المحلة المصرية، أعلن عمال شركة الغزل والنسيج إضرابًا للمطالبة بقانون حدٍّ أدنى للأجور، دفع مجموعة شبابية إلى الحشد والتعبئة ضد النظام المصري بعد سقوط ثلاثة شهداء برصاص قوات الأمن المصري.  

عبَّرت 6 أبريل عن أهدافها وطموحها في التغيير بإسقاط صورة مبارك لأول مرة، وكانت الإشارة الأولى إلى إسقاط النظام. وبدأت دعوة الشباب لإضراب عام ضد الغلاء والفساد والوريث جمال مبارك تنمو على شبكة الإنترنت، وتعاظم اسم حركة 6 أبريل بعد القبض على أقطابها، وإيداعهم معتقلات مبارك، وهنا بدأت الدراما. برز اسم شباب 6 أبريل كحركة ألقت أحجارًا في المياه الراكدة، فأثارت دوامات أنهت حالة الملل المسيطرة على الأوضاع السياسية، وغرق فيها النظام المصريّ في 25 يناير2011.

وبين 2008 و2017 جرت مياه كثيرة في النهر، ومرت حركة 6 أبريل بموجات صعود وهبوط، وانتصار وانكسار، حتى أصبحت الآن، بين يديْ السيسي، مجرد ذكرى. ومر عام 2009 بهدوء، إلّا أن 2010 حمل رياحًا خماسينية بوجه النظام المصريّ تبشّر بـ25 يناير. ففي شارع قصر العينيّ الذي استقبلها، اعتدت قوات الأمن المصري قبل ذلك بعام على نشطاء تجمعوا أمام مجلس الشورى احتفالًا بذكرى انطلاق حركة 6 أبريل، واعتقلت قرابة 100 من المحتجين وعذَّبتهم، فكانت الصور رسالة جديدة إلى النظام عنوانها "ارحل".

برز اسم 6 أبريل كحركة ألقت أحجارًا في المياه الراكدة فأثارت دوامات أنهت حالة الملل المسيطرة على الأوضاع السياسية

كفاية.. سقطة الأب الروحي

كأنّ "الحركة المصرية من أجل التغيير" ولدت من جديد بالمشاركة في إضراب وتظاهرات 6 أبريل 2008 بالمحلة، بعدما مرَّت بغيبوبة دامت لأربع سنوات منذ تأسيسها بوثيقة صاغها 300 مثقف وشخصية عامة مصرية، مثّلوا ألوان الطيف السياسي المصري كافة. وطالبت الحركة بتغيير سياسي حقيقي في مصر، لإنهاء الظلم الاقتصادي والفساد في السياسة الخارجية. قاد الحركة جورج إسحق وعبد الوهاب المسيري وعبدالجليل مصطفى وعبدالحليم قنديل ومجدي أحمد حسين. ومع نموها وصلت إلى 22 محافظة مصرية، وواجهت حملات أمنيّة وُصِفت بـ"الوحشية". لم يكن ذلك مؤثرًا، فقد اعتبر النظام المصريّ "كفاية" معارضة ناعمة وعجوزة وتقبل التفاوض، ولا تهدف لإسقاط النظام وإنما "تصحيح مساره" فقط.

تظاهرة لحركة كفاية في 2007 (أ.ف.ب)

تغوَّلت "كفاية" مع ظهور سند شبابي لها وهو حركة 6 أبريل، وبلغ الأمر ذروته مع وصول محمد البرادعي إلى مطار القاهرة ليصبح ملهمًا سياسيًا للحركة الثورية المصرية رغم أنه لم يكن فاعلًا بما يكفي، وخاذلًا في بعض المواقف من وجهة نظر النشطاء. كانت رمزية وجوده تضرب شرعية النظام في جذورها، بخاصة بعدما أسَّس الجمعية الوطنية للتغيير، وبدأ التجهيز للثورة على الأرض.

وبطرح البرادعي من المعادلة السياسية في مصر بعد 2013 مع سقوط الإخوان، انتهت "الوطنية للتغيير" الحركة والجمعية، وحزب الدستور؛ فقد كانت كلها قائمة على الشخص واحد، لا شيء آخر. 

الاشتراكيون الثوريون.. المشتَّتون

إلى جانب الإخوان وحركة 6 أبريل، وجد الاشتراكيون الثوريون لحركتهم دورًا رئيسيًا في الحشد لثورة 25 يناير، بعدما عقد الثلاثة اجتماعًا قبل الثورة بقليل، واتفقوا على إستراتيجيات الحراك، بدءًا من التظاهر وحتى إنهاك قوات الأمن. كانت الاشتراكيون الثوريون بطلًا في الأزمة، فأصدرت بيانًا دعا العمال المصريين إلى الدخول في إضراب عام على أمل الإطاحة بنظام مبارك، قالت فيه: "يمكن للنظام تحمل المظاهرات والاعتصامات في الشوارع لأيام وأسابيع، ولكنه لن يستطيع الصمود والاستمرار أمام ساعات قليلة من الإضراب، إذا استعمل العمال الإضراب كسلاح. اضربوا في السكك الحديدية، اضربوا في وسائل المواصلات العامة، اضربوا في المطارات والشركات الصناعية الكبيرة. يا أيها العمال المصريون، من أجل شبابنا الثائر، ومن أجل دماء شهدائنا، انضموا إلى صفوف الثورة واستخدموا قوتكم، وسيكون النصر حليفًا لنا. المجد للشهداء. يسقط النظام. السلطة للشعب. النصر للثورة".

مرّت حركة الاشتراكيون الثوريون، كالثورة وكالأنظمة المتعاقبة، بموجات صعود وهبوط، وأزمات داخلية وانشقاقات، واختلافات على المبدأ والتفاصيل، حتى قضت عليها الحملات الأمنية بعدما أيَّدت الإخوان، ووصفت 3 يوليو 2013 بالانقلاب العسكري.

اقرأ/ي أيضًا: اليسار كمعكوس للإسلام السياسي

تمرد.. الحركة "التقليد"

حاولت تمرد أن تبدو حركة ثورية، أو موجة جديدة من موجات 6 أبريل ضد الإخوان، لكن أصابع المخابرات التي تحرِّكها كانت مكشوفة. دعت إلى عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، ونجحت فيما انطلقت لأجله، وشارك مؤسسوها في وضع خارطة طريق وهميّة دعمها عبدالفتاح السيسي، الذي أصبح رئيسًا فيما بعد. ولأنّ الأنظمة لا تأمن للحركات، حتى لو خرجت من بين يديها، نحَّت بعضًا من قيادتها جانبًا، فأيَّد أغلبهم حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية الماضية.

وشهدت الحركة بعد ذلك عدة خلافات حادة وجذرية واتهامات متبادلة بين مؤسسي الحركة من ناحية، واتهامات لمؤسسيها بتلقي تمويلات، صحبها عدد من البلاغات للنائب العام، كشفت أنه لا أحد آمن، فالنظام المصري القائم ضد الحركات والتحرّكات المقبلة من خلفية التمرّد أو الثورة، حتى لو كانت تلعب لحسابه.

"الأمنجية" يفجِّرون 6 أبريل

قبل 6 أبريل 2014، دعت حركة 6 أبريل لإحياء الذكرى السادسة لها برفع لافتات "يسقط حكم العسكر" في ميدان التحرير. لم تجد الدعوة أي قبول، ربما بداعي الخوف والقلق من بطش الأمن المصريّ. وأرجع البعض تجميد نشاط حركة 6 أبريل على الأرض إلى حكم حظر أصدرته محكمة مصرية بحقها قبل وقت قليل.

يختلف شريف الروبي، المتحدث باسم حركة 6 أبريل (الجبهة الديمقراطية)، مع ذلك التبرير: "قبضة أمنية لم تعد تسمح بوجود أي فصيل ثوري سياسي بنفس قوته، فحالة الفقر والكراهية التي خلقها النظام الحالي بين طوائف الشعب، التي جعلت كل من يعارض السيسي إما خائنا عميلا أو إرهابيا".

نهاية 6 أبريل لا تعني غروب شمس الحركة وحدها وإنما انهيار فكرة الحركات الاحتجاجية الداعمة للديمقراطية في مصر 

ووضع تبريرًا آخر لتراجع نشاط حركة 6 أبريل بشقّيها، وذلك في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول: "تواجه نفس المصير من كل الأنظمة المتعاقبة على مدار 9 سنوات، بسبب رؤيتها في تغيير الدولة المصرية والسعي إلى تحقيق العدالة والمطالبة برئيس مدني منتخب بانتخابات حرة، إلا أن هجوم النظام الحالي على الحركة هو الأشّد".

اقرأ/ي أيضًا: مأزق الاصطفاف في مصر

كل سيناريوهات تفجير الحركة واردة ومطروحة وقابلة للنقاش. وهناك السيناريو الصعب، الذي ينفجّر في وجه حركة 6 أبريل مع كل ظهور لطارق الخولي، القيادي السابق بالحركة. ويُروى في أوساط الحركة، أن الخولي أوشى بقيادات حركة 6 أبريل لدى الأمن بعد "تجنيده"، وتوالت المكافآت بدءًا من حمايته وظهوره في القنوات التليفزيونية باستمرار، وضمه لحملة السيسي الانتخابية حتى الفوز بمقعد برلماني في الانتخابات المنقضية، فقد فشلت الحركة في حماية أعضاءها من الاختراق الأمني. هذا ما تبقَّى منها ومن ذكراها حتى الآن.

ونهاية حركة 6 أبريل لا تعني غروب شمس الحركة وحدها، إنما انهيار فكرة الحركات الاحتجاجية، الداعمة للديمقراطية، في مصر من الأساس، وليس فقط انهيار الكيانات الثورية، إلى غير رجعة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لهذه الأسباب أحنّ دائمًا لحركة 6 أبريل

عمال مصر.. كلمة السر في الثورة!