20-أبريل-2016

مهاجرون من سوريا والعراق يشهرون جوازات سفرهم (AFP)

أحببناه جدًا.. بتلك الكلمة التي اعتدنا وتربينا عليها، وطن. أحببناه لدرجة أن الروح ترخص لأجله، فعلًا لا مجازًا، والدليل هو كل هذه الدماء التي سفحت على أرضه ليحيا الوطن. حملنا هويته المكروهة من العالم أجمع، فخورين بأننا سوريون. سوريون عتيقون جدًا، نقطن بقلب التاريخ. نوزع الأبجدية للعالم الجاحد لنا. تغرقنا عبارة عالم الآثار الفرنسي أندريه بارو: لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان، وطنه الأم وسوريا"، بفرح عجيب معتزين بهذا الوطن الذي تنتمي إليه البشرية جمعاء، وإن أنكرت حليبها الأول.

احتملنا الفقر والحاجة لأجل عيون ذلك الوطن، الذي كان يهدهد نومنا الصامت بفلسطين

احتملنا الفقر والحاجة لأجل عيون ذلك الوطن، الذي كان يهدهد نومنا الصامت بفلسطين. فلسطين قضيتنا الأولى وبوصلتنا التي لا تخطئ الجهات، لنقتنع بكل ما فينا من ثقة بأننا سنحررها. وبينما كنا ننتظر ساعة الصفر لتحرير الأرض، لذنا بالصمت على ثروات الوطن التي كانت تخطئ الطريق ذاهبة للجيوب بدلًا من الجبهات.

اقرأ/ي أيضًا: تميمةُ العاجز.. أرسلها لتصبح عميدًا في البحرية!

يحدث أن تختلط أحرف مثل الباء والتاء والياء لشبه أُمّيّ في الكتابة والقراءة، وهذا مفهوم ومحتمل. ويحدث أن تُخطئ الجبهة في تحديد جهات العدو، ويُحدث أن يستمر الخطأ لخمس سنوات والسادسة على الطريق. هذا ما لمسناه بأم العين ولم نقرأه في كتب التاريخ. بل لعلنا نحن فقط من يحق لنا كتابة تاريخ الخذلان المتوالي لهذا الوطن. الخذلان المكتوب على الجبين كقدر علينا التسليم به فقط. أحببنا الوطن وقسمناه وقسمنا. أحببنا فلسطين وزدنا أرضها احتلالًا، ولم نحررها.

ومع هذا حملنا جواز سفر سوري يسمح لنا بالدخول إلى كندا، أمريكا، أوروبا، أفريقيا، آسيا، كل العالم باستثناء فلسطين. فلسطين بوصلتنا لكن من المستحيل التفكير بجهة البوصلة للسفر وحتى للحلم. وكنا نفكر كثيرًا بفلسطين وبالثروة التي كدنا نشك أنها اكتفت بالتجهيز للمعركة المصيرية. فعلًا الثروة اكتفت وأنهت تجهيزات الحرب القادمة، وبما أن الجبهات أخطأت الجهات، قامت الحرب علينا، وتوجهت البنادق إلى صدورنا.

لا بد من بوصلة أخرى بعد أن صارت كل بلاد العالم أماكن لجوء لنا. بوصلتنا اليوم هي سوريا فقط لا غير. لكن للقدر سخريته أيضًا، فها نحن نقطن العالم أجمع ونحمل وثائق سفر ممهور باسم بلد اللجوء، ذلك البلد الذي سمح لنا بالسفر إلى كل بلاد العالم، كل البلاد باستثناء سوريا. ليست مفاجأة لطالما كان للسوري مكانه المشتهى الذي لن يصله يومًا. وبكل ديمقراطية علينا الاختيار. إما الأرض أو السماء! 

إنه القدر الذي كان يصلنا بالبريد دون أن ننتبه له، قدر السوريين ومن في حكمهم أن يظلوا يحلمون ببلادهم ذاتها.

اقرأ/ي أيضًا: 

الجولان المُحتل.. 50 عامًا من الوهم

جمعة الأرض.. لماذا احتشد المصريون؟