19-أبريل-2016

نتنياهو مع حكومته في الجولان (وكالات)

هي ليست وحدها حكاية أبي الذي مات وهو يبكي على أمل الرجوع إلى قريته جبب الميس في الجولان، ولا قصة جدي الذي انتظر شهيده حتى آخر نَفَس موقنًا بأنه أسير لدى الصهاينة، وتوقف عنده الزمن من لحظتها وهو ينتظر أسماء الأسرى الذين تبث أسماءهم إذاعة العدو.. توقف الزمن على مؤشر إذاعة إسرائيل، والراديو القديم بجوار فراشه لم يتبدل مؤشره، ولم يعد الشهيد.

يبتعد الجولان أكثر في غيابه، وتأخذ إسرائيل خطوتها الكبرى في إعلان تبعيته لها إلى الأبد

هي ليست فقط حكايات الناس عن بساتينهم العامرة، ولا عن آبار الماء التي لا تتجاوز نصف متر، ولا الينابيع، والأنهر التي تصب في نهر الأردن وواديه، ولا سمك طبريا، ولا سهل الحولة الذي يتقاسمونه مع الفلسطينين جيران العمر، ولا المقاتلين لجنود الاحتلال عند أطراف فلسطين.. هو الجولان.

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ التسحيج.. من سحيجة علي بن أبي طالب إلى اليوم

اليوم وبعد خمس سنوات من الانزياحات الكبرى على الأرض السورية يبتعد الجولان أكثر في غيابه، وتأخذ إسرائيل خطوتها الكبرى في إعلان تبعيته لها إلى الأبد، تمد يدها دون ارتعاش على أجمل وأغنى خزان ماء في الشرق الأوسط، والهضبة الاستراتيجية التي تشرف على كل بلاد الشام التي تأكل النار شعبها وتاريخها.

خمسون عامًا مرت على احتلال الجولان، وما زال الحلم معلقًا فقط برقاب أبنائه بعد أن تخلى عنه الأخوة في الوطن والعرق والدين، وتقزمت قصة البشر الذين طردوا منه إلى خمس قرى صغيرة ما زالت قائمة على أرضه، بينما مئات القرى هدمت مع المدينة الأم "القنيطرة" لتكون شاهدة على الوحشية الإسرائيلية وعلى الهزيمة التي تسولنا عليها سنوات.

أهل الجولان النازحون توارثوا النكسة، ولم ينسوا طعنات الأهل قبل الأعداء

بشر الجولان النازحون توارثوا النكسة، ولم ينسوا طعنات الأهل قبل الأعداء، والأيام القليلة التي قيل لهم ستعودون لدياركم بعدها مر عليها خمسون عامًا، مات من مات كمدًا وحنينًا، وتاه آخرون بانتظار وعود الوهم، ويئس البعض من العودة، وكثر لم يجدوا صورتهم في لوحة الجولان التي تحكي عن نزوحهم المر، صار الوطن حكاية أخرى، وبشر آخرون.

ربما ابتعد بهم الزمن، ولكنهم لم يبتعدوا عن هواء الجولان الذي يصل لحدود بيوتهم الجديدة، وربما أراد من أرادوا لأرضهم أن تسلب أن يغيروا وجه الحلم، وتوزيعه على الطوائف والأعراق، ولكن ليس لهم وطن سواه يحنون إليه ويحلمون بالعودة له.

على بعد خمسين عامًا من الوهم، والتعتيم على قضيتهم، وتشويهها.. نصف قرن من التيه والمتاجرة، عقود من الكذب والتدليس باسمهم، أبناء الأرض ما زالوا في جوارها يحلمون بخلاصين، حيث نجاة الضفتين ستنجي النهر من مهلكته المنتظرة.. وإلا ضاع النهر بضفتيه.

اقرأ/ي أيضًا: 

جوليو ريجيني.. المجتمع المناهض لهدر الإنسان

متى ننتقل إلى لعب التانجو؟