19-يوليو-2017

حانة في الجزائر العاصمة سنة 1958 (روجر فيلاه/Getty)

إلى وقت قريب، كان النبيذ الجزائري ينافس النبيذ الفرنسي نفسه في الجودة واستقطاب عشاق هذا المشروب الروحي في العالم. بالنظر إلى جودة التربة والجرعة المطلوبة من الشمس واحترافية أقبية التخزين التي ورثتها منطقة الغرب الجزائري خاصّة، عن العهد الفرنسي، الذي كان يجعل من تصدير النبيذ الجزائري واحدًا من موارده الاقتصادية.

تحتل الجزائر المرتبة الثانية أفريقيًا في إنتاج النبيذ والخامسة في التصدير و11 عالميًا من حيث الاستهلاك بـ 10.9 لتر للفرد سنويًا

غير أن استبدال مساحات واسعة من الكروم بزراعات الخضر والفواكه، بعد الاستقلال الوطني، وإهمال أقبية التخزين وتخريبها، وغلق عدد كبير من نقاط البيع، وتراجع مستوى اليد العاملة في هذا المجال الحسّاس الذي يقتضي فنياتٍ خاصّة، أدّى إلى تراجع فخامة النبيذ الجزائري. وهو الوضع الذي أدّى بالندوة الوطنية للتجارة الخارجية في أيّار/ مايو عام 2015 إلى أن تدعو إلى جعل تدارك الأمر واحدًا من أولويات المصالح الفلاحية.

وتقول إحصائيات المنظمة العالمية للنبيذ إن الجزائر تنتج سنويًا 62 مليون و700 ألف لتر، وتصدّر 800 ألف لتر، بما يجعلها تحتلّ المرتبة الثانية أفريقيًا في الإنتاج والخامسة في التصدير. أما من جهة الاستهلاك فتحتلّ المرتبة الـ11 عالميًا بكمية تقدّر بـ 10.9 لتر للفرد الواحد سنويًا.

اقرأ/ي أيضًا: دعوات لغلق الملاهي الليلية في الجزائر.. ما القصة؟

في عام 2015، قرّر وزير التجارة عمارة بن يونس تحرير سوق المشروبات الروحية، بإلغاء الحصول على رخصة من مصالحه. بحيث يمكن لكل محلّ متخصّص في بيع المواد الغذائية أن يبيع الكحوليات كأيّ سلعة عادية. ممّا أثار حفيظة الأطراف المحافظة في البلاد، فقرّرت الحكومة تعطيل القرار والتخلّي عن خدمات الوزير. وفهم ولّاة الجمهورية الخطوة على أنها إشارة خضراء لهم بغلق الفضاءات المتخصّصة في بيع وتقديم الخمور، فأقدم عدد منهم على ذلك، ممّا حصر تواجدها في مدن قليلة يعلم ولّاتها مسبقًا أنهم سيُواجهون بمعارضة شرسة من سكانها مثل عنابة وبجاية والجزائر العاصمة وتيزي وزّو ووهران.

في ظلّ هذا الوضع، بادر الكاتب والإعلامي المعروف عادل صيّاد، 1968، بتوجيه رسالة إلى الوزير الأوّل عبد المجيد تبّون المعيّن في أيّار/ مايو الماضي خلفًا لعبد المالك سلّال، في سابقة هي الأولى من نوعها، عبّر له فيها عن ما اعتبره "حجم الإحباط والألم الذي يصيبني في ولاية تبسة، منذ رجعتُ، للإقامة فيها، قبل نحو عامين، قادمًا من عنابة. فبعدما شنَّ الوالي السابق حربًا على التجار غير الشرعيين للمشروبات الكحولية، استكمل الحالي تلك المهمة "المقدّسة"، وأغلق ما تبقى من نقاط البيع القانونية. فصار المنتجُ المصنّع محلّيًا، يسوّق في السوق السوداء بأضعاف ثمنه. ولم يعد بمقدوري أن أقتنيه بشكل طبيعيّ، كما كان حالي في عنابة، وفُرضَ عليَّ وعلى العشرات من أمثالي، أن أقصد للغرض، منحرفين وذوي سوابق عدلية، وأدفع لهم ضعفَ الكلفة الرسمية وأكثر، لأقتني حاجتي منَ النبيذ والجعّة".

أقدم عدد من الولاة في الجزائر على غلق أماكن بيع الخمور مما حصر تواجدها في مدن قليلة وأثار رفض واستنكار الكثيرين

وأمام هذا الواقع المزري، يواصل صاحب ديوان "لست بخير"، "صرت مضطرًا إلى أحد الأمرين، فإمّا أن أقطع مسافةَ 500 كلم ذهابًا وإيابًا، للتزوّد بالمنتج، مع ما في الطريق من مخاطر السير، وأعوان الأمن، الزرق منهم والخضر، وإمّا بأخفّ الأضرار والمسافة ومخاطر الطريق، بالتوجّه إلى ولاية القصرين أو قفصة بجمهورية تونس الشقيقة. وحتى في هذا الخيار الأقلّ كلفةً، أتعرّض أحيانًا لأعوان جمارك جزائرية، يشعرون بالإثم إذا تسامحوا مع مواطن، يجلبُ المشروبَ الحرامَ من تونس، ولا يحترمُ إحساسَهم بالدّين. ولكم أن تتصوّروا، معالي الوزير الأوّل، موقفَ جمركيّ شابٍ في العقد الثاني منَ العمر وذي مستوى تعليميّ محدود، أمام كهل مثلي بمركز الحدود البريّ، وهو يسائلني كرجل دين، ويدقّق بتفتيشي كما لو كنتُ مرتكبًا جرائم شنعاء".

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون والتدين.. عودة الاعتدال؟

هنا، يهيب عادل صيّاد بالوزير الأوّل بأن "تساعدوا مواطنًا جزائريًا على اقتناء مادة ذات استهلاك واسع، دونما لجوئه إلى ولايات مجاورة على بعد مئات الكيلومترات، أو طرده نحو بلد أجنبي شقيق، مع ما في الخيارين من مشقّة ومخاطر. أو أن تسنّوا قانونًا يشملُ كلَّ ولايات الجمهورية، يتمّ بفعله الحظر الشامل لإنتاج واستيراد وتسويق هذه المادة. فحينها تكون خياراتي واضحة ومحدودة جدًا، ولن تكلّفني أكثر من قرار واحد أتّخذه بصرامة تجاه منظومةٍ، قد أحترمُ حينَها ما تراه إجراءاتٍ ملائمةً لاستمرارها وطمأنينتها".

وحظيت الرسالة بترحيب ومساندة قطاع واسع من الإعلاميين والمثقفين والنشطاء الجزائريين. إذ علّق الإعلامي رياض هويلي بالقول إنه متضامن مع صاحب الرسالة "ومع كل مواطن متضرّر جراء سياسة شعبوية ارتجالية حرمته من ممارسة رغباته باحترام في وطنه". وقال الباحث حميد زنّاز: "رسالتك وثيقة تاريخية يا عادل. لقد بلغ الغباء حدوده القصوى في البلد". فيما قال الشاعر عيسى قارف: "حتى الوزير الأوّل لن يسعف في هذا. وكيف يفعل و"جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" تحشر أنفها في ما هو أبعد من هذا، وأغلب المجتمع تدعّش، إذ رأينا كيف خرج الجميع يهلل ويشكر السلطات في منابر الجمعة على غلق الحانات". 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تم حظر الخمر في العراق؟

عنب الخليل في مهرجانه السادس.. ندرة وتنوع