23-أبريل-2016

إحنا الصوت لما يحبوا الدنيا سكوت (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

"يا شعب ياللي دفع تمن الشوارع دم

احفظ أسامي اللي ماتوا في الشوارع صم"

ذاكرة المدينة في جدرانها وفن الجرافيتي هو ذاكرة الثورة، كان أمرًا مرعبًا لمن لم يحبوا الثورة أن يمشوا بين جنباتها فيرون وجوه الشهداء يبتسمون بجلال على الحيطان، كل الحيطان ليست فقط تلك التي في ميدان التحرير وما حوله من حوارٍ وشوارع مجاورة بل في الشوارع البعيدة، أو حتى حيث كان يسكن شهيد ما هنا أو هناك.

توثيق الجدران

ذاكرة المدينة في جدرانها وفن الجرافيتي هو ذاكرة الثورة

كانت الجدران محل توثيق ليس فقط كنوع من التأريخ بل كإجراء اتخذه أهل الشارع، الذين التحموا به إبان سنوات الثورة الأولى. مر الجرافيتي المصري بثلاثة أماكن مميزة خاصة: ميدان التحرير، شارع محمد محمود وجرافيتي نقابة الصحفيين.

في شارع محمد محمود كانت العصابة العسكرية تضرب دون هوادة بالخرطوش والغاز والرصاص الحي، ولمن لا يعرفه، هو من الشوارع الأكثر قربًا من وزارة الداخلية، ولذا كان الضرب فيه على أشده، حتى أن أحدهم كان يرفع لافتة الشارع وعليها دماء المتظاهرين. أسماه الثوار شارع مذبحة المشير وأسماه آخرون شارع عيون الحرية. وهناك فيلم وثائقي مهم يحكي قصة هذا الشارع مع الثورة.


جدارية شارع عيون الحرية

 

كانت تلك الفترة هي فترة المجلس العسكري حيث تسلم السلطة بعد مبارك برئاسة طنطاوي، وزير دفاعه، دون أي تغيير في سياسات القمع والخسة. ومن أهم جداريات محمد محمود تلك التي رسم عليها صورة وجه يتقاسمه طنطاوي مع مبارك وعليه عبارة "اللي كلف مامتش"، وهي تحل محل المثل الشعبي "اللي خلف مامتش"، وتعني "من مات وله ولد كأنه لم يمت"، في إشارة إلى نفس الأسلوب في الحكم والإدارة.


جرافيتي مبار-طنطاوي

 

مكان آخر كان عبارة عن جدارية طويلة تحمل اسم الشهداء، وأشهرهم عُرفت باسم جدارية الشهداء، وموثق عليها أسماء شهداء الثورة الأوائل. أشهر و"أنبل" الشهداء كانوا شهداء أحداث مجلس الوزراء الذين تم قنصهم غدرًا ومنهم: الشيخ عماد عفت الأزهري، والشاب الطبيب علاء عبد الهادي من المستشفى الميداني. الشيخ عماد عفت، صوره الشباب واقفًا يخطب في الناس وله أجنحة ملونة وكثيرًا ما جمعت صورته مع شهيد أحداث ماسبيرو الشاب القبطي مينا دانيال، وكأنهما رمز للثورة المصرية بكل أطيافها.

 

محو الذاكرة

حاربت الثورة المضادة ثورة الخامس والعشرين من يناير في ذاكرتها، فكانت تمسح الجرافيتي، كل صورة، كل لافتة وكل علامة

حاربت الثورة المضادة ثورة الخامس والعشرين من يناير في ذاكرتها، فكانت تمسح الجرافيتي، كل صورة، كل لافتة، كل علامة تشير إلى وجود معركة كانت هنا أو قصة بشر مروا من هناك، كان الشباب في البداية يحاربون المحو بإعادة الرسم فاتهموا بالتخريب والهمجية فكتب الشباب للماحين أننا "لا نستحي أن نعيد الرسم". تراجع الجرافيتي تمامًا وتوقف بعد انحسار الاحتجاجات في الشارع وانقسام الناس وتفويض الجيش على القتل، وبعدما اعتقد الناس أنه من المستحيل أن يحتشد الشارع في مصر لأي سبب من الأسباب.

جرافيتي جدارية الشهداء

لكن الشباب حين عادوا في "جمعة الأرض"، تجدد الجرافيتي وعادت الرسوم من جديد توثق الغضب والثورة تحت شعار "عواد باع أرضك" وهو شارع جمعة الأرض، التي نزل فيها الناس في الشوارع بالآلاف بعد صفقة بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. الجرافيتي عيون الناس في الشوارع، خواطرهم وأحلامهم وهو الصوت حين يريد الكبار أن تسكت الدنيا.

"إحنا الصوت لما يحبوا الدنيا سكوت"