22-ديسمبر-2019

بوتريه لـ خضير ميري

  • إلى خضير ميري مُحقّق مخطوطة العقل العراقي

 

"ليس لبطن الأم اتجاه واحد"

  • هاينر مولر

الجنون هو السقيفةُ التي على المبدع التزامُ الوقوفِ تحتَها للتآمر على نبي أخيِلتِهِ، أو للاحتماءِ من دموعِ الغيوم العاجزةِ عن الهربِ من مثانة الآلهة، فكلما تذكرّت الشماعيّة تراءت لي شجرة مزروعة في الهواء، فيما يقفُ المجانينُ فوقها عصافيرَ ميتةً من الضحكِ على قِدامةِ السماء.

فإن توجَّهنا بسؤالٍ إلى طيرٍ ما قُبيلَ موته، رُبّما سيُجيبُنا بأنّهُ يسعى إلى الانتحارِ، ذلك لفَشلِ أجنحتهِ في التحليقِ بآفاقٍ جديدةٍ، فأكثرُ الطيورِ الميّتةِ قد فارقت الحياةَ نتيجةَ عدم ثقتها بسماءٍ أُستُهلك مِعمارُها، بهذا كان فخامة "الشبح" يردُّ حين يستفهمه الشعرُ عن لغزِ إصرارِه في أن يموتَ في المصّحةِ.

الشعرُ بالنسبةِ له هو أن ينفخَ في عمود سمعان، فيُبعثَ من جديدٍ، طابعًا قُبلتَهُ السحريةَ على خدِّ المسيحِ المتمثل في التراثِ والنخبةِ، أمّا الجنونُ فهو كوندومُ يُغلّفُ به أخيلتِهِ درءًا لتسرّعِ العقلِ، فمن وجهةِ نظره أنَّ سرعةَ القذفِ هي تهوّرٌ عقليٌّ، ذلك لأنَّ المجانينَ هم الوجهُ الأمثلُ لمناخِ الجنسِ كبُعدٍ صوفيٍّ، فثمةَ مجنونٌ في محلَّتِنا، منذُ عودتِهِ من سراديبِ إيرانَ يذرعُ الشارعَ نفسَهُ جيئةً وذهابًا إلى أن ماتَ، لا أعرفُ لِمَ يجيء في بالي كلّما وَلجتُ خليّة لعسلِ اللحم، فأنسحبُ وتنكسرُ هيـبةُ جنرالِ رغبتي، كي لا أكونَ ضحيةَ جوعِ العقلِ، ربَّما لهذا يكرهُ المجانينُ الجنسَ خـشيةَ أن يُداسوا بسُرفِ العقلنةِ، فكنهُ الجنسِ لديهم كما اللّسلعِ لدى النحل بهذا يضعون صنافةً نادرةً للسرِّ الأنثويِّ، فإن لم تقتلْكَ الأُنثى عند ولوجِها، فهي العقلُ بعينه، وكلُّ عقلٍ سلطةٌ بحسبِ هولدرين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ورقة مليئة بالنقاطِ السوداء

ديون مستحقة