19-نوفمبر-2015

من فيلم البريق لـ ستانلي كوبريك

يتوق البشر أحيانًا للشعور بالخوف من المجهول، من الرجفة التي تسري في العروق، ومن انتصاب شعيرات الجسد عندما يبدأ بث فيلم الرعب وحين تظلم صالة السينما. فيلم الرعب هو الفيلم الذي يثير مشاعر الرعب والخوف في نفس المشاهد، خوف ناتج عن تهديد وجودي. 

أظهرت الأبحاث الحديثة أن مشاهدة الأفلام العنيفة تؤدي إلى زيادة التصرف العدواني عند الأفراد

يظهر في أفلام الرعب الكثير من الأشياء المرعبة مثل قوى شيطانية، أحداث خارقة للطبيعة، أشباح لا تكون موجودة عادة في الحياة اليومية. تمتاز أفلام الرعب بالمؤثرات البصرية والصوتية. من أشهر شخصيات هذه الأفلام: دراكولا، فرانكشتاين، المومياء، زومبي، الرجل الذئب، السفاح.. وغيرها من الشخصيات كسمك القرش والأفعى العملاقة والألعاب والأرواح والشريرة والجن والشياطين. إنها أفلام تعتاش على الخوف.

هناك أشياء في أفلام الرعب تحاكي الغريزة الحيوانية لدى البشر. إن ملايين السنين من الزمن مرورًا بالثقافات والحضارات المتعددة الأجيال تركت بصمة وراثية لدى الإنسان فيما تعلق بمحفزات الخوف المرتبطة بغريزة البقاء، كالخوف من الظلمة والحيوانات المفترسة، الخوف من التسمم والموت، الشعور بالخطر ألخ. أظهرت دراسة للباحث نوبوا موزاتاكا بأن الأطفال في عمر ثلاث سنوات يجيدون رسومات الأفاعي واللعب بها أكثر من قدرتهم على إجادة رسومات الأزهار. وفي دراسة أخرى للباحث كريستوف كوش تبين بأن دماغ الإنسان يتجاوب مع صور الحيوانات أكثر من تفاعله مع صور البشر أو الأمكنة أو الأشياء. هذه لائحة محتملة للأسباب التي ربما تدفعنا نحو هذه الأفلام.

1- نظرية التحليل النفسي

علماء التحليل النفسي، بمن فيهم سيغموند فرويد وكارل يونغ، قدموا تفسيرات للأسباب التي تجعل أفلام الرعب تحظى بالشعبية. افترض فرويد بأن أفلام الرعب مصدرها "الوادي المجهول" أو الخارق للطبيعة والغريب، فتسترجع أفلام الرعب عند الأفراد الصور والأفكار والمشاعر المعروفة "بالجينات البدائية" التي قمعت بسبب الأنا المتحضر. أما يونغ فاعتقد بأن أفلام الرعب تعبر عن النماذج الأولية التي دفنت عميقًا في اللاوعي الجماعي أو الباطني. فالصور مثل الظلال والخيالات وصورة الأم تلعب دورًا هامًا في قصص الأفلام المخيفة. لكن هذه الطروحات من التحليل النفسي يصعب قياسها ولا يمكن إخضاعها للتجربة، لذا فإنها تبقى ضمن عالم الأفكار الفلسفية المجردة.

2- نظرية التطهير

الفيلسوف اليوناني أرسطو اعتقد بأن الناس تنجذب إلى القصص المخيفة والمسرحيات الدرامية المثيرة لأنها تمنحهم الفرصة لتطهير مشاعرهم السلبية. من المؤكد أنه بإمكاننا إسقاط هذه النظرية التي تعرف بتقنية "التنفيس" على السينما. حسب أرسطو فإننا نشاهد أو نشارك في العمل الدرامي العنيف لأننا بحاجة إلى تفريغ المشاعر المكبوتة العدوانية. لكن الأبحاث الحديثة أظهرت العكس تمامًا حيث أن مشاهدة الأفلام العنيفة تؤدي إلى زيادة التصرف العدواني عند الأفراد. ويمكن للأشخاص التخلص من أحاسيس الغضب والعدوانية عبر مشاهدة الكوميديا التي تثير الضحك والسخرية، أو من خلال أفلام الحب والإيروتيك، أو الرياضة وغيرها من الممارسات اللاعنفية.

3- نقل الإثارة

عام 1978 قال الدكتور دولف زيلمان بأن أفلام الرعب تغذي المشاعر الإيجابية عندما ينتصر البطل على الكائنات الشريرة في النهاية. لكن يبقى السؤال: ماذا عن الأفلام التي لا ينتصر فيها البطل في النهاية؟

بينت الدراسات أن الجمهور يستمتع بالمشاهد المخيفة بسبب تكثيفها للمشاعر وإيصالها حد الذروة 

إضافة إلى أن بعض الدراسات بينت أن الجمهور يستمتع بالمشهديات المخيفة أكثر من غيرها بسبب تكثيفها للمشاعر وإيصالها حد الذروة. كما لا توجد أي دلائل تشير إلى أن الأفلام التي يموت البطل فيها أقل مشاهدة من الأفلام التي ينتصر فيها البطل.

4- إثارة الفضول

مشاهدة أفلام الرعب تثير الفضول والشغف لدى المشاهدين لذا يفضلونها. وتعتبر ثيمة خرق القواعد المجتمعية موجودة في أغلبية هذه الأفلام. وتشير الدراسات أن هناك علاقة بين الأشخاص الذين يتقبلون خرق القوانين والأعراف المعمول بها اجتماعيًا وأخلاقيًا في المجتمع وبين الاهتمام بهذا النوع من الأفلام المخيفة. والإرهاب موجود خارج التصرف اليومي وخارج السلوك العادي، لذا فإنه حالة غير طبيعية وانعكاس غير طبيعي لسلوكنا في الحياة. لكن هذا لا يفسر التناقض الحاصل عندما يتفاعل المشاهد إيجابيًا مع معاقبة الأشخاص الخارجين عن قاعدة السلوك الاجتماعي وقتلهم من قبل وحش الفيلم.

5- الارتباط المحاذي

نحن نحب أفلام الرعب لأن الأشخاص الذين يقتلون على الشاشة يستحقون القتل. هذه المتعة في معاقبة الذين "يستحقون العقاب" كالأشرار والمجرمين، حسب رؤية البعض، تشكل نظرية الارتباط المحاذي. أما العنف الموجه ناحية الأشخاص الذين لا يستحقون العقاب، كالأطفال على سبيل المثال، يثير مشاعر سلبية لدى المشاهد وتعاطفًا مع الضحية. لكن هذا لا يمكن أن يعطينا فكرة عن كيفية تصنيف الأشخاص أو المواقف التي يجب الحكم عليها، ومن المؤهل لإصدار هذه الأحكام؟! ويبقى البحث عن إجابة للسؤال الأبرز: لماذا أفلام الرعب مشهورة بالمقام الأول؟

6- البحث عن اللذة

الدكتور دافيد زوكرمان قال أن الأشخاص الذين يبحثون عن إشباع أكبر قدر ممكن من الأحاسيس عادة ما يسجلون اهتمامًا أكبر بالأشياء المحفزة للشعور بالإثارة مثل القفز واللعب بالأحذية ذات الدواليب الدوارة ومشاهدة أفلام الرعب وغيرها من الألعاب الخطرة. لكنه يحذر من إختيار عامل واحد فحسب لفهم هذه الظاهرة ويجب عدم استبعاد أو نفي الحقائق الأخرى الكثيرة التي تدفع الأشخاص إلى القبول على أفلام كهذه.

7- نطرية الجندر الاجتماعية

اعتبرت هذه النظرية أن أفلام الرعب هي نوع من التثبيت والتدوين للأدوار التقليدية التي يلعبها الجنسان، الرجل والمرأة، والتي غالبًا ما يشار إليها بنظرية التنشئة الإجتماعية. أبحاث أجريت مع مراهقين وجدت أنهم يستمتعون بأفلام الرعب أكثر عندما تكون شريكتهن الأنثى مرتعبة بشكل واضح. وبينت بأن الفتيات قد وجدن أفلام الرعب أقل متعة عندما يكون شريكهم مرتعبًا بشكل واضح. 

جاءت شخصية فرانكشتاين إلى أفلام الرعب بفعل الاستبداد والديكتاتورية والظلم في عام 1930

فالفتيات يستمتعن بالمشاهدة عندما يكون الرجل شجاعًا ويظهر قدرة عالية في التحكم بانفعالاته. هذا وجه واحد من الوجوه التي تعرفنا كيف تؤثر وتتفاعل هذه الأفلام مع مجتمعاتنا لكنها لا تعطينا رؤية واضحة عن الأشخاص الذين يرتادون السينما بمفردهم لمشاهدة أفلام الرعب. إضافة إلى أهمية السن في لعب دور مهم في عملية المشاهدة حيث أظهرت بعض الإحصاءات بأن المراهقين يشكلون أكبر نسبة من المشاهدين، وتنخفض هذه النسبة مع إرتفاع معدلات الأعمار.

8- المخاوف المجتمعية

يقول الكاتب ستيف كينغ "إن أفلام الرعب هي تعبير عن المخاوف التي تؤرق البشرية". ويفترض الكاتب دافيد سكال بأن قصص أفلام الرعب هي انعكاس للمخاوف المجتمعية، فمن خلال نظرة إلى تاريخ صناعة أفلام الرعب نجد بأن شخصية فرانكشتاين جاءت بفعل الاستبداد والديكتاتورية والظلم في عام 1930، الوحوش المتحولة ظهرت في الخمسينيات من القرن العشرين بسبب قلق البشرية من البعبع النووي، والزومبي نتيجة حرب فييتنام في الستينيات، والقاتل السفاح نتيجة لفضائح قضية "ووتر غايت" ومصاصي الدماء بفعل انتشار الإيدز عام 1980، ثم عودة أفلام الزومبي عام 2000 بسبب المخاوف من الأوبئة الجرثومية المنتشرة في العالم، إضافة إلى أفلام تعبر عن العصر الاستهلاكي وعن تفكك الأسرة في أمربكا. 

إن الأحداث التاريخية تفسر صعود شخصيات محددة في أفلام الرعب. ولكن يوجد العديد من الشخصيات التي لا يمكن تفسيرها وربطها بالأحداث الكونية! خاصة وأن جمهور هذه الأفلام هو جمهور عالمي لا يمكن إلصاق صفة تاريخية أو أزمة وجودية محددة به، فكل جيل يتلقى فيلم الرعب الذي يستحق.

خاتمة

يعرف المشاهدون بأن ما يشاهدونه مزيف. ففي اختبار لمجموعة من المراهقين، عرض لهم وثائقي عن مسالخ تذبح فيها الحيوانات وعمليات جراحية لأطفال، فكان أن أكثر من تسعين في المئة منهم لم يستطيعوا إنهاء مشاهد الوثائقي كلها. لكن هؤلاء المراهقين أنفسهم يذهبون إلى صالات السينما المدفوعة الثمن ليحجزوا مقعدًا لهم باعتبار أنهم سيستمتعون بما سيشاهدونه بالرغم من أنها أفلام رعب تحتوي على عمليات قتل ودماء وعناصر مرعبة أكثر من المشاهد الوثائقية التي عرضت عليهم.

خلاصة التجربة أظهرت بأن الطبيعة الوهمية لأفلام الرعب تعطي المشاهد قدرة على التحكم  بانفعالاته بسبب المسافة الفاصلة بين الوهم والحقيقة، فمعظم من يشاهد هذه الأفلام يعرف في نهاية المطاف بأنها مزورة وصنيعة خدع سينمائية، كما يدرك بأنه في مأمن من أحداثها. لكن من لا يتمكن من إدراك هذا الفاصل بين الواقع والخيال فإنه عادة ما ينعكس في سلوك سلبي معين.

يصعب تحديد مقاربة سيكولوجية لأفلام الرعب، كما يصعب حصر العوامل التي تلعب دورًا في تحفيز الأفراد للمشاهدة أو في تحديد نوع اللذة التي يبحث عنها الفرد المتلقي. تتطلب منا مشاهدة أفلام الرعب مواجهة المجهول، وتسمح لنا برؤية مخاوفنا أمام أعيننا، ومن ثم وضعها في المكان المناسب. تدفعنا للانخراط في لعبة "ماذا لو؟" و"ماذا أفعل؟"، إنها أفلام تخولنا إعادة هيكلة نظام معتقداتنا، وكيف نرى أنفسنا وكيف نرى الآخرين. إنها مكان لاستكشاف عوالم جديدة ومختلفة. الكاتب آرثر دويل يقول: حيث يوجد الخيال، يوجد أفلام رعب.