15-يناير-2019

ما زالت أفكار ماركس مهمة في أيامنا المعاصرة (Getty)

في كثير من الأحيان يسخر المناهضون للشيوعية من الماركسية، باعتبارها أيديولوجية عقيمة، وتحليلاتها وتوقعاتها بائسة للغاية. ومع ذلك، فإن أي مطلع جدي يدرك أن هناك الكثير لنتعلمه من كارل ماركس، الذي قدّم بعض الأفكار العظيمة والجديرة بالاهتمام حتى في عصرنا الحالي. هذه بعضها.

الماركسية ليست عقيدة دينية ثابتة متحجرة، ومكتملة البناء، كما يتصورها البعض، وإنما هي مجرد أفكار قابلة للتطوير والتعديل والنقد

1- الرأسمالية تدمر الاقتصادات التقليدية

لقد تنبأ ماركس بدقة في أن الرأسمالية ستقود إلى خلق سوق عالمي تصبح فيه البلدان مترابطة بشكل متزايد، فمن خلال استغلال الطبقة البرجوازية السوق العالمية، أصبح الإنتاج والاستهلاك ذا طابع عالمي متجاوزًا حدود البلدان الضيقة.

اقرأ/ي أيضًا: المانيفستو في ضيافة القرن 21

وهكذا لم يعد للصناعة الوطنية التقليدية معنى أو أهمية للاكتفاء الذاتي في ظل السوق العالمية، حيث هناك اعتماد عالمي مستمر ومتبادل بين الأمم، خاضع لحسابات الهيمنة، وه فكرة تطابق ما نسميه اليوم بـ"العولمة".

2-  ثورة الإنتاج المستمرة تسحق كل ما هو قديم

يقول ماركس "إن البرجوازية لا يمكن أن توجد بدون ثورة مستمرة في أدوات الإنتاج، التي تغير علاقات الإنتاج، ومعها علاقات المجتمع برمتها. عدم اليقين والإثارة الأبديين يميزان العصر البرجوازي عن كل الحقبات السابقة. إنها تجرف معها كل الأشياء القديمة، كل ما هو صلب وكل ما هو مقدس يذوب في الهواء".

فعلى عكس المجتمعات السابقة، التي تميل إلى الحفاظ على التقاليد وطرق الحياة المستقرة، تزدهر الرأسمالية من خلال اختراع طرق جديدة بديلة للإنتاج، والتي تؤثر على طريقة حياتنا.

على سبيل المثال، تغير التكنولوجيا اليوم حياتنا بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، ويجب أن تفسح المنتجات القديمة الطريق أمام المنتجات الجديدة وأصحابها. غير أن هذه التغيرات السريعة والمستمرة يمكن أن تكون لها نتائج مقلقة، إذ يشعر الناس بأن قيمهم وأساليب حياتهم لم يعد لها مكان ومعنى في هذا العالم، فيشعرون أنهم يعيشون في قاع الأرض.

3-  الرأسمالية تدفع الطبقة المتوسطة نحو البروليتاريا

توقع ماركس أن تصبح المجتمعات راعية للرأسمالية وخادمة لها، حيث تهيمن الشركات القوية والكبيرة على السوق، وتتركز الثروة لدى قلة متفوقة في الإنتاج، مما يجعل من الصعب على أصحاب الحرف والمستقلين والتجار من الطبقة المتوسطة الحفاظ على وضعهم، فينتهي بهم المطاف جميعًا غارقين تدريجيًا في مستنقع البروليتاريا.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن رؤوس أموالهم الضئيلة ومهاراتهم لا تكفي لمنافسة حيتان الرأسمالية، الذين يعتمدون على الكفاءات المتخصصة والبحث ورؤوس الأموال الضخمة.

4- الماركسية ترفض الملكية الخاصة

يتهم ماركس وصديقه إنجلز الرأسمالية بحرمان الناس من "ممتلكاتهم المكتسبة ذاتيًا"، وهذا يشير في واقع الأمر إلى أن ماركس لم يكن يريد إلغاء الملكية بشكل عام، أو أن يصبح كل شيء في ملك دولة، بل إن ما عارضه هو الملكية الخاصة، الممثلة في الكم الهائل من الممتلكات والثروة المركزة في يد البورجوازيين.

يدافع ماركس عن الملكية التي اكتسبها الفرد ذاتيًا بشق الأنفس، وليس تلك الملكية التي تقوم على استغلال جهد عدد هائل من العمال مقابل سعر رخيص مقارنة مع الأرباح التي ينتجها العمال للملاك، أو تلك التي تقوم على الاستيلاء على ممتلكات الناس وأموالهم.

5- الاغتراب عن العمل

اعتقد ماركس أن البشر لديهم ميل طبيعي للارتباط بالأشياء التي يصنعوها، وقد وصف هذا بـ "تجسيد" العمل، والذي عنى به أننا نضع شيئًا من ذواتنا في المنتوج الذي أنتجناه بأيدينا. يقول ماركس بأن المصانع الرأسمالية دمرت هذه العلاقة الارتباطية الشعورية بين العامل ومنتوجه، وأنتج ما سمّاه "اغتراب العمل".

فعندما لا يستطيع المرء أن يتواصل مع خَلْقه الخاص، يشعر المرء بأنه "خارج عمله"، وأنه مكره لفعله وليس راضيًا.

6- التحرر من سطوة العمل

"بمجرد أن يتم تقسيم العمل، يكون لكل رجل مجال نشاط خاص وحصري به، مفروض عليه ولا يستطيع الإفلات منه، ويجب أن يبقى كذلك إذا كان لا يريد أن يفقد وسائل رزقه؛ بينما في المجتمع الشيوعي، حيث لا يوجد تقسيم ثابت للعمل يمكن لأي فرد اختيار أي فرع يريده في أي وقت. ينظم المجتمع الإنتاج العام، وبالتالي يجعل من الممكن بالنسبة لي أن أفعل شيئًا اليوم وغدًا شيئا آخر، قد أرعى في الصباح، وفي الظهيرة أصطاد الأسماك، وأحلب الماشية مساء، وبعد العشاء أصبح ناقدا"، يقول ماركس.

لقد أراد ماركس أن نكون قادرين على التحرر من طغيان تقسيم العمل ووقت العمل، الذي يمنع الأفراد من تطوير أنواع مختلفة من القدرات والمواهب، فنصبح خدمًا لنشاط واحد طوال عمرنا مهملين أبعادًا أخرى لشخصياتنا.

اقرأ/ي أيضًا: "الطبقات والتراصف الطبقي" بحسب روزماري كرومبتون

7- الماركسية ليست عقيدة ثابتة

الماركسية ليست عقيدة دينية ثابتة متحجرة، ومكتملة البناء، كما يتصورها البعض، وإنما هي مجرد أفكار قابلة للتطوير والتعديل والنقد، بلسان منظريها.

يدافع ماركس عن الملكية التي اكتسبها الفرد ذاتيًا بشق الأنفس، وليس تلك الملكية التي تقوم على استغلال جهد عدد هائل من العمال مقابل سعر رخيص

في رسالة كتبها إنجلز بعد موت ماركس، يوضح فيها أنه أسيء فهم الماركسية من لدن قسم من الشباب، قائلا: "يحدث في كثير من الأحيان أن يعتقد الناس أنهم قد فهموا تمامًا نظرية جديدة، ويمكنهم تطبيقها دون مزيد من الجدل، من أول وهلة تشربوا مبادئها الرئيسية، والتي قد لا تكون دائمًا صحيحة. ولا يمكنني إعفاء العديد من الماركسيين الأكثر حداثة من هذا اللوم، حيث تم إنتاج أكثر النفايات إثارة في هذا الجانب".

 

اقرأ/ي أيضًا:

سعد محمد رحيم.. جنة ماركس قبل أدلجتها

نكرهُ العمل.. يا رفيق لينين ما العمل؟