25-يوليو-2023
الممثلة نيكول كيدمان

الممثلة الأسترالية - الأمريكية نيكول كيدمان (ألترا صوت)

رغم كل المحطات المثيرة للجدل في حياة نجمة هوليوود نيكول كيدمان المتجددة على الدوام، بدايةً من ظهورها في الحياة العامة كظلٍ أنثوي لنجم كبير بحجم توم كروز، مرورًا بمعركة طلاقها الأسطورية منه، المترعة بالتطفل والشائعات والملاحقات؛ إلا أنها استطاعت الحفاظ على مسافة مشوبة بالغموض مع الصحافة، وحرصت على شكل ونوعية المعلومات التي تقدّمها عن نفسها للجمهور من خلالها. 

لقد مكنتها تجربتها الطويلة مع اختراق الخصوصية، ووجودها المبكّر تحت الأضواء، من تطوير أساليب وتكتيكات تجعلها قريبة من الإعلام وبعيدة عنه في الوقت نفسه، فلم تُغضب الصحافة ومتطفليها، ولم تسمح لهم في المقابل بالتأثير على مسيرتها المهنية وتأطيرها في قوالب شائعة ونمطية تُلاحق النجمات الإناث في عالم هوليود، وتشدهن دائمًا إلى إطار يُظهرهن كامتداد لشخص ما. 

صارعت كيدمان كثيرًا وسخّرت كل ذكائها لتُظهر صورتها بشكل مستقل وحر، ولتحطم كل تلك الأُطر التي من شأنها أن ترسم مشوارها المهني وتحدّده، خاصةً أنها بدأت مسيرتها في المجتمع السينمائي الهوليودي بالطريقة السهلة، لكن المحكوم عليها بالانطفاء السريع والمأساوي، شأنها شأن الكثير من الممثلات اللواتي ارتبطن بنجوم كبار ثم ما لبثن أن انطفئن عند انفصالهن عنهم.

لذلك، كان على كيدمان أن تصارع على أكثر من جبهة، في الوقت نفسه، لتصنع سيرتها الذاتية كممثلة ذات مكانة، ولتحظى بالتصنيف الملائم بين نجمات هوليوود المصنفات على مستوى التأثير التاريخي في مجال الفنون المرئية. وهذا ما كان لها عبر تنويعات أدائية شديدة التباين والاختلاف، منها الرومانسي الكوميدي، ومنها الدرامي المغرق في أدبيته، ومنها الاستعراضي والشهواني المثير، وصولًا الى أداءات ممسرحة صقلت أدواتها التمثيلية، وجعلت منها جوهرة براقة.

في هذه المقالة، نستعرض لكم 5 من أهم أفلام نيكول كيدمان كممثلة ميزتها التنوع وربما رهانها أيضًا. الممثلة التي لم يقلقها أن تكون مسرفة في الظهور على الشاشة الكبيرة وخارجها، طالما أنها حددت كيف تظهر، وكيف تستثمر هذا الإسراف بذكاء وحنكة.


1- الطاحونة الحمراء (Moulin Rouge)

لا تفوِّت نيكول كيدمان أية فرصة لتُبدي امتنانها وعشقها لفيلم "الطاحونة الحمراء"، إذ أشارت في مناسبات كثيرة إلى تعلّقها وعشقها الشديد للاستعراض والأفلام الغنائية التي ترى فيها إخلاصًا للترفيه وابتعادًا جماليًا عن الجدية المفرطة في سرد القصص الإنسانية. ومع أنه من غير الممكن الانحياز، بشكل متطرف، إلى السينما الاستعراضية في مقابل الخيارات التعبيرية الأخرى في السينما، لكن كيدمان تؤكد بأننا نحتاج المزيد من هذه في السينما في حياتنا، فالترفيه يمكن له أن يعلّمنا كما تعلمنا المأساة والدراما.

وقد حققت كيدمان حلمها بدخول السينما الغنائية الاستعراضية من الباب الواسع، إذ عُدّ "الطاحونة الحمراء" من الإنتاجات الضخمة عند صدوره عام 2001. وعلى الرغم من أن الفيلم ينبش زمنيًا في فترة الثورة البوهيمية في أوروبا، وتحديدًا في باريس، لكنه استرسل في نسج مزايا شكسبيرية تفخّم الأداء والحوارات، وحتى في جوهر حكاية الفيلم التي تبدو شكسبيرية بشكل كبير، إذا تدور أحداثها حول شاعر وفنان إنكليزي ينتقل إلى باريس لمواكبة أحداث الثورة البوهيمية، وليحتك بكتّابها وفنانيها.

وخلال بحثه وبنائه لعلاقات فنية وأدبية جديدة، لفتت كتاباته وأشعاره البعض، فعرض عليه صاحب كاباريه "مولان روج" كتابة مسرحية غنائية لعرضها في الملهى، ووافق بعد تردد. لكنه حالما يتعرف على جوهرة "مولان روج" ونجمته التي لا تُطال "ساتن"، حتى يقع في حبها في الوقت الذي يراودها فيه دوق قرر تمويل المسرحية على نفقته ليكون قريبًا منها فقط.

تقع ساتن استعراضية الملهى هي الأخرى بحب الشاعر الإنكليزي، فتتصاعد حينها أحداث الفيلم التي تنحو نحو الميلودرامية أحيانًا، حين تكاد ساتن أن تصاب بالشلل، ونحو التراجيدية في أحيانٍ أخرى، في محاولات الدوق قتل منافسه الشاعر والتخلص منه ليفوز وحده بحب ساتن. رُشِّح الفيلم للكثير من الجوائز، وحصد جائزتي أوسكار وجائزة غولدن غلوب.



2- الساعات (The Hours)

على العكس تمامًا من شخصيتها التي لعبتها في فيلم "الطاحونة الحمراء"، ورغم مرور سنة واحدة فقط، تظهر نيكول كيدمان في فيلم "الساعات" المثير للجدل لجهة دمج أفلام السيرة الذاتية بالقصة السينمائية، وإعادة بناء هيكيلة جديدة لفن الرواية وشرح أدواتها عبر السينما؛ بطريقة مغايرة وعالية المستوى لناحية وضع وصفة أدائية تأخذ من السيرة الذاتية لتتحرر منها لا لكي تحققها فقط. وقد أدت تلك الأسلوبية العميقة والهادئة إلى منحها جائزة الأوسكار عن أدائها شخصية فرجينيا وولف في هذا الفيلم.

يتتبع الفيلم حكاية ثلاث نساء يعشن في نيويورك، ولكلٍ منهن عالمها الخاص الذي يبدو وكأنه من غير الممكن أن يتقاطع مع عوالم الأخريات. ورغم التباعد الظاهري، إلا أن هذا التقاطع يحدث عميقًا ويرسم مسارًا تصادميًا يُشعرنا بأننا نتحدث عن امرأة واحدة. 

تسير حكايات هؤلاء النساء بالتوازي، فربة المنزل تعيش زواجًا تعيسًا وتبحث عن إجابات للزمن المهدر دون سعادة. بينما تحاول المرأة الثانية أن تقيم حفلًا لصديقها المصاب بالإيدز. وعبرها، نشاهد كيف يمكن أن تتعامل المرأة مع العالم الخارجي، وكيف تتعاطف معه ومع قضاياه. أما المرأة الثالثة، فهي فرجينيا وولف التي تحاول إنهاء روايتها رغم إصابتها بالاكتئاب والإحباط.

الفيلم درامي وعميق وزاخر بالشخصيات المكتوبة بجودة عالية. ولابد من الإشارة إلى أن كيدمان حصلت على أوسكارها في فيلم مثلت فيه إلى جانب ميريل ستريب وجوليان مور، وهذا الأمر، بحد ذاته، يُعتبر تحديًا كبيرًا. وقد حصل الفيلم على إشادات نقدية إيجابية، ورشِّح لـ 9 جوائز أوسكار .



3- دوغفيل (Dogville)

لم تتوانى كيدمان حينما عرض عليها المخرج المجدد الكبير لارسن فون ترير لعب دور البطولة في فيلمه الاستثنائي التجريبي "دوغفيل"، فتجربة كهذه لا بد أن تضيف الكثير لمسيرتها الفنية.

ينتمي هذا الفيلم إلى تيار سينما "الدوغما" الذي أسسه المخرج بنفسه إلى جانب بعض المخرجين الذين يتميزون بذات النزعة التجريبية، ويُعد هذا النوع من السينما الذي يسعى لنبذ المؤثرات البصرية، وتعزيز الإخلاص للحكاية والممثل، وإعادة الاعتبار للضوء والصوت بوصفهما عناصر أساسية في صناعة القصة السينمائية وليس وسيلة لإشاعة التأثير المخادع للمشاهد؛ تحديًا هائلًا وكاشفًا لأدوات الممثل وإمكانياته. ووسط كل هذا التقشف التقني الممسرح، نجحت كيدمان في إظهار مهاراتها كممثلة قادرة على التجريب.

الفيلم استعارة بنيوية وحكائية من مسرحية الألماني الكبير برتولد بريخت "أوبرا السنتات الثلاث" التي تحكي قصة فتاة هاربة من القراصنة تلجأ لبلدة يعاملها سكانها بوحشية. وعندما قبض القراصنة على الفتاة، خيروها بين أن تغفر لأهل البلدة معاملتهم السيئة أو تنتقم منهم، فتختار الانتقام.  

يُعيد الفيلم بناء الحكاية بطريقة تأملية أكثر، والفارق هنا هو شكل البناء الأدبي والدرامي التمهيدي لقرية دوغفيل وسكانها، فقد قدّمها الفيلم بوصفها قرية منسية في غياهب الجبال، جميلة وبسيطة، لكن هذا الجمال ينطوي على شر فطري ونزعة استقوائية. فالسكان يقبلون ضم الفتاة إليهم بشرط مساعدتهم ببعض الأعمال، لكنهم سرعان ما بدأوا باستغلالها وتمزيق عالمها بكل هدوء واعتيادية. ولذلك قررت الفتاة الانتقام منهم بعد وصول العصابة التي كانت تطاردها.

قدّمت نيكول كيدمان في هذا الفيلم التجريبي العظيم واحدًا من أروع أداءاتها كممثلة.



4- الآخرون (The Others)

يُعد "الآخرون" واحدًا من الأفلام الأيقونية التي تدور حول فلسفة الموت والتخييل والبعث وحياة ما بعد الموت. وقد قدّمت فيه الممثلة الأسترالية أداءً مميزًا مغايرًا ومشحونًا بالكثير من العاطفة والدراما، ناهيك عن نسجها مواصفات دقيقة جدًا لشخصية المرأة المتدينة التقليدية خلال القرن العشرين.

تدور قصة الفيلم حول "غريس ستيورات" التي تعيش مع طفليها، فتاة وصبي، لوحدهم دون رجل، فالأب غائب في واحدة من جبهات الحرب العالمية الثانية. ومع وصول الخدم إلى المنزل، وهم مربية وخادمة وبستاني، تأخذ الأحداث منحىً مرعبًا، وتشهد العائلة سلسلة من الأحداث المفزعة مصدرها وجود مجموعة من الأشباح في المنزل، الذي لم تكن الأم وأطفالها قادرين على الخروج منه بسبب حساسيتهما من أشعة الشمس.

تُطارد الأم هذه الأشباح لحماية طفليها في الوقت الذي بدأت تشك فيه بالخدم الذين شعرت بأنهم يحاولون دفعها إلى الجنون. وفي ذروة هذه الأحداث، تقع الأم على كتاب يضم صورًا لأشخاص ماتوا في القرن التاسع عشر، وتكتشف بأن الخدم منهم. ومع الوقت، تتكشف الصورة أمامها بوضوح، لتعرف في لحظة شديدة الألم والعمق بأنها ميتة هي وأطفالها الذين قتلتهم خنقًا في لحظة إحباط ويأس ثم انتحرت.

يُعد الفيلم تحفة سينمائية من حيث القصة وأسلوب المعالجة البصرية، مفزع ومخيف وحاد الجمال، قدّمت فيه كيدمان أداءً غاية في الروية، وحصدت من خلاله جائزة الـ "غولدن غلوب".



5- To Die For

تلعب كيدمان في هذا الفيلم دور فتاة تعمل مذيعة لنشرة الأحوال الجوية، وتتميز بالشراسة والتعطش للشهرة والظهور لدرجة جعلتها تتخطى كل الحدود في سبيل الوصول إلى ما تصبو إليه. ويُعتبر أداؤها في هذا الفيلم نموذجيًا، إذ شكّل حالة إلهام حقيقية لنوع من الكوميديات الدرامية والرومانسية أو ما اصطلح على تسميته لاحقًا بـ "السينما الحديثة".

كان هذا الفيلم والأداء المتحفز عالي المستوى سببًا في جنوح الكثير من شركات الإنتاج الضخمة للخوض في هذا المضمار الحديث، وتوسيع دائرة الضوء حول قضايا اجتماعية من نوع مختلف، مثل الهوس بالنجاح وما يحيط به من أخلاقيات ومواجهات. وقد اتبعت ممثلات من أمثال ريس وذر زبون ومارغوت روبي النسق الذي خطته كيدمان في هذا الفيلم، وقدّمن العديد من الأفلام الناجحة المتأثرة به وبالأداء البارع الذي قدّمته كيدمان. وإلى جانب ترشيحاتها الـ 3 لجائزة الأوسكار عن أفلام "مولان روج"، و"الساعات"، و"جحر الأرنب"؛ نالت عن هذا الفيلم ترشيحًا لجائزة الـ "غولدن غلوب".