07-يوليو-2023
الممثل روبن ويليامز

الممثل روبن ويليامز

يعد الممثل روبن ويليامز واحدًا من أبرز الممثلين الكوميديين الذين ساهموا بما سمي نهضة الكوميديا، وإعادة الاعتبار لمفهوم الارتجال فيها، إذ كان ينظر إلى الارتجال بوصفه تكنيكًا يظهر مدى استغراق الممثل في اللعب، ويبتعد بالممثل عن الافتعال وتصنيع الضحك. كان يرى أن صناعة كوميديا تعيش لا بد أن يكون فيها هامش مناسب من الارتجال.

انحيازه للارتجال دفعه إلى العمل في كثير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية وفق هذا المبدأ، طارحًا الارتجال كورقته الرابحة والتي يصعب أن ينافسه فيها أحد. تمرس على الكوميديا الارتجالية، من خلال انخراطه لوقت طويل في عروض نوادي الكوميديا، إذ قدم عروضه في أهم وأعرق تلك النوادي في سان فرانسيسكو، خاصة خلال ثورة الهبيين واستعادة بريق موسيقى الروك، وهذا ما مهّد له الطريق إلى دخول عالم الترفيه التلفزيوني ومنه إلى السينما، ليدخل هذا الفنان الاستثنائي ويضع بصماته في أعمال سينمائية وتلفزيونية، حصل فيها على أوسكار أفضل ممثل، وثلاث ترشيحات عن أفلام أخرى، فضلًا عن جوائز الإيمي والغرامي العريقة، وحجز لنفسه، مكانًا خاصًا بين أهم ممثلي الكوميديا والدراما في هوليوود.

لكن حادثة انتحاره المحزنة، جعلت كثرًا من المختصين وغير المختصين يعيدون قراءة حياته الشخصية والمهنية من خلال هذه الحادثة، ويكتشفون أن وراء تلك الابتسامة البريئة روحًا معذبة، ضاقت ذرعًا برتابة الحياة واستحالتها، واختنقت بالأسئلة الوجودية الأكثر إلحاحًا، وكأن انتحاره، أضاء جانبًا في أدائه كان مخفيًا وغير مرئي، وبأثر رجعي، وكأننا صرنا نفهم السر وراء تلك الابتسامة الخجولة المترددة وصرنا نرى حزنها جليلًا الآن بعد ان غادر عالمنا باختياره.

هنا عرض لخمسة من أهم أفلام هذا النجم الكوميدي الاستثنائي.


1- مجمع الشعراء الموتى

يلعب روبن ويلياميز في هذا الفيلم دور مدرس ينتقل إلى مدرسة ذات طابع أرستقراطي محافظ، ويبدأ هذا المدرس المنفتح على التجريب، الكاره للقيود والتنميط، بإدخال أساليب جديدة ومشوقة في التعليم، تجعل الطلبة من الصبية المراهقين يتعلقون به وبإسلوبه، تؤدي هذه العلاقة الندية غير المعتادة، إلى تفجر مواهب الطلبة بمعونة المدرس، ويأخذ الطلبة بالتمرد شيئًا فشيئًا مؤسسين أخوية سرية، لقراءة ونقد الشعر والأدب والذي كان شبه محظور في تلك المدرسة، باعتباره أدبًا تجريبيًا قد يشتت عقول الفتية، ويجرفهم، ويسيء لذائقتهم.

يزور المدرس الملهم بنفسه هذه الأخوية، لتتشابك الخطوط الدرامية بعد ذلك وتتضارب، وتضع الصبية والمدرس في مواجهة العقلية التقليدية، للكادر الإداري والتدريسي، فضلًا عن المواجهات الفردية لأعضاء الأخوية السرية مع أنفسهم والنظر إلى مستقبلهم من خلال تلك المواجهة المصيرية.

الفيلم أنتج عام 1989 ونال الفيلم جائزة الأوسكار كأحسن فيلم درامي، بينما رشح روبن ويليامز لأوسكار أفضل ممثل رئيسي عن أدائه المميز فيه.


2- صباح الخير فيتنام

من الأفلام الأكثر ذكاء في معالجة الحرب الأمريكية على فيتنام، فالقصة مبتكرة وجديدة رغم بساطة الفرضية، لكن بساطتها تلك كانت سببًا مباشرًا في قدرتها اللاذعة على السخرية ونقد الحرب، وفي نفس الوقت على معالجة موضوعة الحرب بعمق عبر الكوميديا، تدور أحداث الفيلم حول مقدم إذاعي ومعد برامج يندب خلال فترة تجنيده إلى الجبهة لإدارة المحطة الإذاعية لتسلية الجنود المحاربين في فيتنام، وبحسه الطريف وبديهته الحاضرة، اكتسب شعبية واسعة تجاوزت الجبهة والجنود، بل صار أشبه بضمير ناطق ينقل قصة الحرب ومأساة الجنود وعبثية السياسة بروح مرحة، وتعليقات كوميدية ساخرة.

وتجدر الإشارة أن ويلياميز استحضر قدراته الارتجالية، فكان أشبه بعرض كوميدي مباشر، وأحالنا كلنا إلى جنود يائسين يخطب بنا.

تتعاظم ورطة المذيع بعد أن يتعرف إلى فيتناميين ويصبح على تماس مع وجهة النظر المقابلة، يثير نشاط هذا المذيع الجريء حفيظة السلطات في الوطن، فيبدأون التخطيط للتخلص منه.

أنتج الفيلم عام 1987 ونال فيه ويليامز ترشيحًا لجائزة أفضل ممثل، لكنه نال جائزة الغولدن غلوب عن دوره هذا.


3- السيدة داوتفاير

يقدم ويليامز في هذه الكوميديا الرومنسية واحدًا من أمتع أداءاته التمثيلية في قصة عاطفية مشحونة بالدراما والتشويق والكوميديا، وتدور القصة حول دانيل هيلارد الممثل، والذي يبعده الانغماس في عمله وتحقيق ذاته مهنيًا عن عائلته، إلى أن يقع الطلاق بينه وبين زوجته، التي تفوز بقضية حضانة الأطفال.

يكتشف هيلارد بعد أن خسر عائلته أنه كان يعيش فراغًا كبيرًا، وأنه لم يشعر بقيمة ما كان متاحًا بين يديه، يعجز عن تحمل البعد عن أطفاله، فيدفعه الشوق، إلى التنكر على هيئة مربية، متزنة وواثقة ومحافظة، ويتقدم للوظيفة التي أعلنت عنها طليقته لمجالسة أطفاله وتدبير شؤون المنزل، ومن خلال السيدة يبدأ بالتقرب من أطفاله والتعرف أليهم أكثر، ويمرر لهم ولطليقته رسائل الاعتذار، والاهتمام كتعويض عما افتقده في شخصيته الحقيقية معهم، يتعلق الأطفال بالسيدة دواتفاير، دون أن يعلموا أنها والدهم المتنكر. تكتسب دواتفاير شهرة واسعة وتنهال عليها العروض التلفزيونية بعد أن يكتشف أمر تنكر هيلارد، ويحظى أطفاله بصورتين عن والدهم، وكلا الصورتين، تظهران مدى حبه واهتمامه بالعائلة، صورة السيدة التي صارت تدرك أدق تفاصيل الأطفال، وصورة الأب المغامر غير المألوف الذي حول نفسه إلى سيدة ليصبح أقرب إلى أبنائه.

حقق الفيلم إيرادات خيالية عام 1993 بميزانية وصلت إلى خمسة وعشرون مليون دولار، وبأرباح قدرت بمئة وأربع وأربعون مليون دولار.


4- غود ويل هانتنغ

حصل ويليامز على أوسكاره الوحيد، من خلال لعبه لشخصية الطبيب النفسي شون مغواير، ورغم عدد المشاهد المحدود إلا أن ويليامز قدم أداء هادئًا وعميقًا ومختلفًا بشكل كبير عن أداءاته التمثيلية السابقة، الفيلم من كتابة الممثلين مات ديمون وبين افليك، ويروي قصة شاب من أصول إيرلندية يدعى ويل، تعرض في طفولته لكدمات نفسية شديدة، جعلته يميل دومًا إلى سلوك تدميري لذاته، وتشكيك دائمًا بجدوى أي شيء. وعلى الرغم من أنه نابغة في الرياضيات والعلوم الحسابية، إلا أنه ينحي ذلك جانبًا ويعمل حارسًا لمعهد تدريسي، يقوم مصادفة بحل معادلة وضعها أستاذ المعهد كتحد لطلابه، بطرفة عين، يلاحقه المدرس ويخرجه من ورطة كادت تودي به إلى السجن المؤبد، لكن يخرجه على كفالته، شريطة أن ينخرط في مجموعات علوم الرياضيات، ويخضع لعلاج نفسي، يوافق ويتعرف هنا على شون مغواير روبن ويليامز، الذي يستطيع ببراعة الولوج لعالمه الداخلي، بعد أن فشل ستة من المعالجين النفسين قبله، ويبدأ بمحاوله إثارة ماضي طفولته، ويواجهه به ليصلح العطب النفسي ويبرد الكدمات بنفسه.

أنتج الفيلم عام 1997 ولاقى استحسانًا كبيرًا من النقاد، ورشح للعديد من جوائز الأوسكار وحصد اثنين منها، الأولى لأفضل سيناريو أصلي لكل من بين أفليك ومات ديمون، والثانية أفضل ممثل مساعد لروبن ويليامز.


5- صورة الساعة الواحدة

يقدم ويليامز في هذا الفيلم، الموحش ذي الرتم الغرائبي المرعب، الشخصية المضطربة سلوكيًا، لكنه يقدمها بطريقة مبتكرة، تعتمد على الرسم في الجسد وفي انطباعات الوجه، بدقة متناهية، ليلقي بعدها بكل ذلك ويظهر جوانبًا مظلمة فيها، شديدة الهوس والسوداوية، ويتنقل بين الدقة والانفعال ببراعة شديدة، رسم بها إيقاع الفيلم كله.

تدور أحداث الفيلم حول سيمور، الرجل الهادئ، الذي يشعر بوحدة وفراغ كبيرين، فيسخر وظيفته، في معمل للصور الفوتوغرافية الفورية، لتغذية عالمه الداخلي المضطرب، يصل به الأمر من التعلق بحياة الأشخاص في الصور إلى ملاحقتهم ومحاولة اقتحام حياتهم، ومع الرفض من قبل زبائنه الدخول في حياتهم تبدأ الميول العدوانية بالظهور وبطريقة سيكولوجية مفزعة، جعلت من الفيلم واحدًا من أفلام الرعب النفسي الملهمة لصناع وعشاق أفلام الرعب. الفيلم أنتج عام 2002.