22-أغسطس-2023
توم كروز وبوسترات أفلامه (الترا صوت)

توم كروز وبوسترات أفلامه (الترا صوت)

المصادفة التي دفعت توم كروز إلى خشبة المسرح ليواجه الناس ويُدرك الخوف والرهبة اللتان تعتريان مهنة التمثيل، جعلت من نجم أفلام الحركة والخيال العلمي واحدًا من أكثر ممثلي هوليوود تفانيًا في عمله.

يُبدي كروز تجاه مهنة التمثيل والترفيه احترامًا كبيرًا وشعورًا متعاظمًا بالمسؤولية، لذا تجده لا يتوقف عن التعلّم والتجريب، وتراه يبحث بشغف عما هو أصعب وأكثر خطورة لتقديمه، نابذًا الاستسهال، ومبتعدًا قدر الإمكان عما تقدمه التقنيات الحديثة من خدمات الاستبدال والتمويه والمعالجة والخدع البصرية. فمن يقدم سلعة المتعة عليه أن ينظر إلى المخاطرة على أنها متعة. وكروز يدرك أن التمثيل هو فن العدوى الصادقة، وما يشعر به الممثل بصدق، لا بد أن يحس به المشاهد الذي وإن خُدع لفترة، إلا أنه لن يُخدع دائمًا.

في هذه المقالة وقفة مع مجموعة من أهم أفلام توم كروز التي يظهر فيها بطريقة مغايرة عن صورته السينمائية الشائعة

هذه القناعة دفعت بالنجم الأمريكي نحو استبعاد البدلاء، والقيام بالمجازفات الخطيرة بنفسه. وربما يرى هذه المهنة، في أحد أوجهها المتعددة، شكلًا من أشكال الفروسية التي تقيس بالقيم كل شيء. ومؤخرًا، انتشرت مقاطع كثيرة من كواليس أفلام توم كروز، يظهر فيها النجم الستيني وهو يقفز بدراجته النارية من فوق جسر متهالك، ثم يحلق بمظلته فوق سماء مدينة ما، ناهيك عن مشاهده الخطيرة التي قام بتأديتها بنفسه في سلسة "مهمة مستحيلة"، لا سيما في الجزء المصور في مدينة دبي وتسلّقه لبرج خليفة. وعن هذه الحادثة، يروي الممثل مات ديمون، بالكثير من الطرافة، أن توم توم كروز ناقش المسؤول عن الحماية في اللقطات الخطيرة، فرفض المسؤول تأدية كروز للمشهد بنفسه ورأى أنه من الضروري استبداله بمجازف، ما دفع كروز إلى تغيير مسؤول الحماية.

لكن هذه المجازفات التي يدخلها كروز في سياق المصداقية مع الذات والصدق في الأداء، لا تنسحب على علاقته بمهنة التمثيل ولا على خياراته المهنية التي تمتاز بالكثير من الحذر والانضباط والخطوات المحسوبة بعناية فائقة، والتي جعلت منه في النهاية واحدًا من أهم ممثلي عصره، وأحد ألمع نجوم الصف الأول في هوليوود. فصاحب جوائز الغولدن غلوب الذي رُشِّح للأوسكار ثلاث مرات، والمتعاون مع أهم مخرجي السينما في هذا العصر؛ ليس مجازفًا البتة حين يتعلق الأمر بمواصفات سيرته المهنية التي تُظهره كممثل شديد التنوع، قدّم الدراما والرومانسية وأفلام الحركة والأفلام الروائية التجريبية وحتى أفلام الرعب، بصورة الممثل الدؤوب، الباحث، شديد التنبّه، الذي هتهم بأدق التفاصيل.

في هذه المقالة نعرّج على مجموعة من أهم أفلام توم كروز التي قدّمته بطريقة مغايرة عن صورته السينمائية التجارية، المتمثلة بأفلام الحركة والأفلام البوليسية التي أصبح كروز واحدًا من أيقوناتها ووجهها التسويقي المفضل، إذ هناك العديد من الأفلام التي قدّمها كروز ولم تحظ بالانتشار الكافي رغم أنه تُظهر قدراته كممثل مجرد من كل الاوصاف والألقاب السينمائية الرنانة. إنها محاولة للإضاءة على تلك التجارب، والإشارة إلى الأفلام التي ظهر فيها كروز بصورة مغايرة.


1- سماء الفانيلا

"سماء الفانيلا" هو النسخة الأميركية من الفيلم الإسباني "افتح عينيك"، ولا شك أن هذه النسخة التي قام ببطولتها توم كروز، أكثر شهرةً وانتشارًا من النسخة الإسبانية.

الفيلم هو حالة بحث فلسفية ما بين داخل الإنسان وخارجه. الداخل بمعنى العالم الداخلي والمستوى اللاواعي من تركيبة الإنسان المعاصر والخارج بمعنى المواصفات العامة والشكل الخارجي، وتأثير كل من الخارج والداخل على بعضهما ببعض. لكن يصبح هذان المستويان من تكوين الإنسان مُربكان ومتداخلان بشدة حينما يصطدمان بالآخر، فيتغول اللاوعي على الوعي، ويصبح خارج الإنسان انعكاسًا لفوضى الداخل.

يروي الفيلم قصة شاب عابث ناجح وثري يتعرض لحادث سيارة، رفقة حبيبته، فيتشوه وجهه بالكامل. وقبل التشوه، يتعلق بفتاة ذات بشرة داكنة وعيون كستنائية لعبت دورها في النسختين الامريكية والإسبانية الممثلة بينيلوبي كروز. بعد الحادث وتشوّه وجه ديفيد، تطفو خيالات موحشة على سلوك الشاب، ويُبدي رغبات انتحارية وعدوانية، ويُصبح ضعيفًا وانطوائيًا، ويظهر كحطام شخص كان يملك كل شيء.

يحاول حينها إجراء عمليات ليستعيد ملامحه ويستعيد حبيبته، وينجح. لكنه عندما يستيقظ يجد حبيبته السابقة التي كانت إلى جانبه في الحادث جواره. ثم يكتشف المشاهد، في النهاية، أن ديفيد قد قبل بإخضاع نفسه لتجربة النوم الوهمي، التي يختار فيها النائم شكل الحياة التي يحبها، لا التي يعيشها حقًا. وبعد أن يكتشف ديفيد أنه يتوهم بأن عمليته نجحت وبأنه يعيش مع صوفي أحمل أيام حياته، قرر أن ينتفض وينفصل عن أجهزة التنويم ويواجه الحياة كما هي، لا كما يريد لها أن تكون.

حاز الفيلم على إشادات نقدية جيدة جدًا. وعلى الرغم من أنه لم يحظ بجوائز مرموقة، إلا يبقى واحدًا من أجمل أفلام توم كروز.



2- ماغنوليا

من الواضح أن هذا النوع من الأفلام يُغري ممثل كبير بوزن توم كروز. أي الأفلام التي تنحاز للشخصية الإنسانية في عمقها، وتُحاول كشف دواخلها، وبالتالي فهم الطريقة التي ننظر بها إلى العالم من خلال عوالمنا الخاصة. ويبدو فيلم "ماغنوليا" الأكثر قربًا ونموذجية للبحث في هذا السؤال، السؤال الأزلي الذي يحاول تفسير وجودنا في هذا العالم، وأن غياب أي واحد منا مهما كان دوره سوف يحدث خللًا فيه ويقطع سلاسله المترابطة.

ينطلق الفيلم الذي يُعد أحد أهم أفلام توم كروز من هذه الفرضية، لنكتشف أن كل شخصية هي مجموعة من العلاقات الإنسانية، هي ذاتها وهي الآخر في الوقت نفسه، وأن حكايتنا الشخصية هي جزء من حكاية الآخر، وعالمنا الداخلي يشكله ارتباطنا بالآخر، مثلما نشكل نحن جزءًا مهمًا من عالم الآخر الداخلي. تبدو الحكايات في البداية مفككة وغير مترابطة. لكن، ومع تقدّم الفيلم، نكتشف أن الشخصيات مترابطة بشكل كبير، وتتجه مصائرها باتجاهات متقاطعة، كل شخصية ومدى تأثير الشخصيات الأخرى فيها.

يحرك المخرج بول توماس أندرسون تلك الشخصيات بسرد بصري متفاوت وكأنه يركّب لعبة "بازل" ليكشف في النهاية أن غياب قطعة صغيرة واحدة، سوف يؤدي إلى إنتاج صورة مبهمة وغير واضحة عن هذا العالم. ورغم أن كروز يؤدي عددًا محدودًا من المشاهد في هذا الفيلم بشخصية "فرانك"، إلا إنه يقدّم واحدًا من أكثر أدائاته التمثيلية ذات الطابع الممسرح قوةً وأهمية. ويعتبر مشهد سقوط الضفادع من السماء "السماء تمطر ضفادعًا"، واحدًا من أكثر المشاهد سريالية وجرأة في فيلم هوليودي.

نال كروز عن شخصية فرانك جائزة الغولدن غلوب، ناهيك عن العديد من الجوائز الأخرى التي حصدها الفيلم في مهرجانات أوربية وأميركية.



3- مقابلة مع مصاص الدماء

أُُنتج الفيلم عام 1994، وهو من إخراج الإيرلندي نيل جوردان، لكنه لم يحظ بالمراجعة الكافية آنذاك، إذ تزامن إطلاقه مع إطلاق أفلام أيقونية مثل "فروست غامب"، و"بولب فيكشن"، و"إصلاح سجن شاوشنك". وهذا التزامن كان من علامات سوء الحظ التي منحت الفيلم القليل من الضوء، رغم أنه يعد واحدًا من أنجح تجارب كلاسيكيات الرعب.

يلعب كروز في الفيلم دور مصاص دماء ذو تأثير قوي وشخصية مركبة. يقابل لويس، الذي كان على حافة الانهيار بعد أن فقد زوجته وطفله الرضيع، فيقنعه بأن يتحول إلى مصاص دماء كشكل من أشكال الخروج من الماضي. يتقدّم الفيلم على شكل مراجعات للماضي عندما يقرر لويس كتابة مذكراته، ويسرد قصة حياته لصحفي، ويراجع حياته مع ذلك الصحفي. وخلال تداعيه، يكتشف أنه انتقل من ظلام الماضي، ظلام المصير الأسود والأبدية التي لم تخلصه من الذكريات، بل زادتها رسوخًا وألمًا.

قدّم توم كروز إلى جانب براد بيت في هذا الفيلم أداءً استثنائيًا، وكشف عن جوانب في مقدراته التمثيلية لم تُظهرها بقاي أفلامه. ورغم أن الفيلم تزامن مع إطلاق أفلام استثنائية في التسعينيات، إلا أنه حقق إيرادات عالية في شباك التذاكر بلغت 266 مليون دولار، علمًا أن ميزانيته لم تتجاوز الـ60 مليون دولار. كمال نال ترشيحين لجوائز الأوسكار.



4- القليل من الرجال الفاضلين

"القليل من الرجال الفاضلين" هو الفيلم الذي قدّم توم كروز بوصفه النجم الوسيم المقبل لهوليوود، لكن كروز استطاع بأدائه المدروس أن يُحرر نفسه من ذلك الإطار، ويقدّم نفسه كممثل قبل كل شيء. وقد قدّم كروز، إلى جانب عملاق بوزن جاك نيكلسون، فيلمًا ينتمي إلى مدرسة الواقعية الأميركية التي كانت تبدو أكثر وضوحًا في مسارح برودواي وفي كلاسيكيات السينما الأميركية، من أفلام التسعينيات التي كانت تبحث عبر الصورة، عن مساحات جديدة في الترفيه البصري.

يروي الفيلم قصة الملازم المحامي في البحرية الامريكية دانييل كافي، الذي يتسلم أوراق قضية مقتل عنصر من مشاة البحرية في قاعدة خليج غوانتانامو، وتبدو ملابسات القضية بسيطة في البداية، لكنها تأخذ بالتشابك مع  تعمق المحامي في تفاصيل مقتل سانتياغو، فتتكشف علاقات فساد وسوء استعمال للسلطة من أعلى الرتب في الجيش. ويتميّز الفيلم بميله المسرحي إلى الحواريات المتماسكة، والأداء الرفيع للمثلين، خاصةً الأداء الأسطوري لجاك نيكسلون في شخصية العقيد ناثان جيسوب. وقد حظي الفيلم الذي يُعتبر من أهم أفلام توم كروز بأربعة ترشيحات لجائزة الأوسكار، منها جائزة أفضل فيلم.



5- الرعد الاستوائي

واحدة من التجارب القليلة التي انضم فيها كروز إلى نجوم الصف الأول في الكوميديا. ويؤخذ على كروز أنه يأخذ السينما بجدية مفرطة، مما تسبب في ابتعاده عن الخوض في تجارب كوميدية أو تجريب قدراته في هذا النمط الأدائي الصعب ذو المهارات الخاصة. ورغم أن كروز يشارك بدور صغير جدًا، إلا أنه عمل على تعويض فقر مسيرته بالكوميديا بتكثيف شديد لأدوات الكوميديا، فظهوره شكّل لغزًا لوقت طويل، ولم يستطع أحد تأكيد ما إذا كان هذا الممثل هو توم كروز حقًا.

يظهر كروز بجسد بدين وصلعة تحتل ثلاثة أرباع رأسه، وبمزاج نزق ولكنة غريبة جعلت الجميع يتسائل عن سبب قلة الأعمال الكوميدية في مسيرة هذا الممثل الصارم. أما أحداث الفيلم، فتدور حول مجموعة من الممثلين الفاشلين اللذين يحاولون تصوير فيلم عن حرب فيتنام، لكن بسبب سذاجتهم وقلة خبرتهم، يتجاوزون الميزانية المقررة، وهو ما يوقعهم في متاعب كثيرة.

يقرر هؤلاء السفر إلى منطقة آسيوية لتصوير مشاهد الحرب، وهناك تحدث المفارقة، فما ظنّوه في البداية مجرد تمثيل، وأن كل ما يحدث حولهم قامت الشركة المنتجة بتحضيره، كان واقعيًا لأن المنطقة التي اختاروا التصوير فيها تقع تحت سيطرة المتمردين الذين وقعوا في أسرهم. الفيلم من إخراج وبطولة الممثل الكوميدي بن ستيلر.