تعرضت القضية الفلسطينية خلال العقد الأخير لمحاولات تهميش وتصفية دؤوبة قادتها الولايات المتحدة و"إسرائيل" برفقة عدة دول عربية مطبّعة مع الأخيرة، ومتماهية مع سرديتها الزائفة حول ما جرى ويجري في فلسطين على مدار 75 عامًا.
ولتحقيق ذلك، عَمِل التحالف الجديد بين "إسرائيل" والدول المطبّعة، ومن خلفهما الولايات المتحدة، على تكريس الجهل بالقضية الفلسطينية ونشر سردية مشوّهة وزائفة حول فلسطين والنكبة قائمة على تحميل القضية مسؤولية ما شهدتهُ بعض الدول العربية من انقلابات عسكرية، وتعثّر في التنمية، وقمع الحريات والدكتاتورية وغيرها.
وبغض النظر عن الغاية والأسباب، فإن الأمور كانت تتجه نحو تهميش القضية التي بدأ حضورها يتضاءل سواء في الأجندة العربية أو العالمية، مقابل تصاعد الاستيطان والاعتداءات على المسجد الأقصى والفلسطينيين في القدس والضفة الغربية المحتلة.
دفع ما سبق المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إلى تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث تجاوز المقاتلون الفلسطينيون السياج الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلة باتجاه مستوطنات ما يُعرف بـ"غلاف غزة".
وتحت تأثير الصدمة التي تسبب بها العملية غير المسبوقة والأولى من نوعها منذ حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، إضافةً إلى القضاء على فرقة غزة وأسر عدد كبير من الجنود والمستوطنين، وبدافع الانتقام مما حدث؛ ردّت "إسرائيل" على العملية بحرب إبادة جماعية مستمرة منذ 235 يومًا، استُشهد خلالها أكثر من 35 ألف فلسطيني، وأُصيب ما يزيد عن 80 ألف شخص، عدا عن آلاف المفقودين أصحاب المصير المجهول.
أسفرت الحرب عن تدمير قطاع غزة وجعله مكانًا غير صالح للعيش. لكن تضحيات أهالي القطاع وصمودهم في وجه الإجرام الإسرائيلي أعاد قضيتهم إلى الواجهة وفرضها مجددًا على الأجندة العربية والعالمية، وأحدث تحولًا هائلًا لناحية التضامن مع فلسطين في الغرب، ما يجعل من "طوفان الأقصى" حدثًا فارقًا في تاريخ القضية الفلسطينية.
تأكيدًا لأهمية هذا الحدث وما تبعه من حرب إبادة لا نظير لها، وسقوط ورقة التوت عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، سنستعرض في هذه المقالة خمسة كتب صدرت مؤخرًا. تتناول هذه الكتب نظرات معمّقة للمجازر الدموية، ورصدًا وتوثيقًا للتغيرات في قطاع غزة ما بعد "طوفان الأقصى"، مسلطة الضوء على الآثار العميقة لهذه العملية في النضال الفلسطيني المستمر.
1- غزة: تاريخ نكبة معلنة
صدر كتاب "غزة: تاريخ نكبة معلنة" عن دار "Catarata" في إسبانيا قبل أيام قليلة، وهو من تأليف كل من الأكاديميين الإسبانيين أغناسيو ألباريث - أوسوريو ألبارينيو وخوسيه أبو طربوش. وفيه، يتناول المؤلفان عدة مواضيع مرتبطة بالقضية الفلسطينية انطلاقًا من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
ويشير المؤلفان في كتابهما إلى أن الشعب الفلسطيني يواجه اليوم أحد أكبر مفترقات الطرق في تاريخه المعاصر منذ النكبة. فبعد أن تعرّض للتطهير العرقي بين عامي 1947 – 1948 على يد العصابات الصهيونية التي هجّرت أكثر من ثلاثة أربع الفلسطينيين من أراضيهم، وأحدثت تحوّلًا ديموغرافيًا جذريًا في الأراضي المحتلة؛ فإنه يواجه اليوم أيضًا خطر التهجير القسري الجماعي في قطاع غزة، الذي أكد الكاتبان أن "إسرائيل" ارتكبت فيه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى جانب الإبادة الجماعية.
ولفت المؤلفان إلى أن "إسرائيل" دولة منبوذة تستطيع الإفلات من العقاب بسبب دعم القوى الغربية لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا. وعدا عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، يرى ألبارينيو وأبو طربوش أن الحرب الراهنة على قطاع غزة تهدِّد حل الدولتين الذي تدعمه أغلبية المجتمع الدولي كوسيلة لحل هذا الصراع الاستعماري الذي طال أمده، ذلك أن الحكومة التي يقودها نتنياهو، والتي تُعتبر الأكثر تطرفًا في تاريخ "إسرائيل"، تريد استغلال الحرب لفرض مشروعها التوسعي وفرض "السيادة الإسرائيلية" على كامل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، المتمثلة في دولة واحدة إثنوقراطية ونظام فصل عنصري.
2- غزة: حرب الانتقام المسعورة
يضم كتاب "غزة: حرب الانتقام المسعورة"، الصادر حديثًا عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، أوراقًا بحثية لأكثر من 60 كاتبًا وباحثًا وثّقوا عبرها للحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وقدّموا فيها تحليلات لتطوراتها وتداعياتها على القضية الفلسطينية خصوصًا، والصراع العربي – الإسرائيلي عمومًا.
تحيط الأوراق الموزعة على 915 صفحة، والمنشورة على الموقع الإلكتروني للمؤسسة، بمختلف جوانب الحرب الهمجية، وتتناول مواضيع مختلفة في مجالات التاريخ، والسياسة، والقضايا الاستراتيجية، والقانون الدولي، والاقتصاد، والاجتماع، وإعادة الإعمار، والمواقف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية.
وتبحث وتحلل وتناقش التطورات العسكرية والسياسية في الميدان، والأبعاد الاجتماعية – الاقتصادية للحرب، ووقعها على الأوضاع الداخلية في كل من فلسطين و"إسرائيل"، والتحولات والتغيرات التي ستحدث بنتيجتها على الساحتين الإقليمية والدولية.
3- غزة: حجر الزاوية
يقدّم الباحث والمؤرخ الفلسطيني جوني منصور في كتابه "غزة: حجر الزاوية"، الصادر حديثًا عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، تقديم المؤرخ والأكاديمي إيلان بابيه، قراءة في ما ترتب على عملية "طوفان الأقصى" وما استدعته من أفكار ونقاشات.
ويحاور منصور في الكتاب ما كُتب بعد "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية التي تلتها على قطاع غزة للانتقام من أهلها ردًا على العملية، من وجهات نظر تاريخية وسياسية وفكرية على اعتبار أن تاريخ السابع من أكتوبر حدث مفصلي وفارق نتج عنه سلسلة من التحولات سواء في المنطقة أو على صعيد العالم.
وينطلق المؤرخ الفلسطيني في قراءته وحواره من فكرة أن العملية وما تلاها فتحا الباب على مصراعيه لنقاشات وحوارات تجاوزت الميدان إلى مستويات فكرية مفاهيمية تمخض عنها قاموس مفاهيمي ضم مصطلحات وتعريفات جديدة – قديمة، دفعت بدورها إلى مزيد من الحوارات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ذلك أن غزة أحدثت وستُحدث تغيّرات وتحولات جذرية في الوقت الحالي والمستقبل.
ولا يغفل منصور في هذا السياق الحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية التي سعت دول كثيرة إلى تهميشها وتجاهلها لكن ما حدث في قطاع غزة أعادها إلى الواجهة مجددًا، ووضعها على أجندة المجتمع الدولي مرة أخرى.
4- كتابة خلف الخطوط: يوميات الحرب على غزة
يضم كتاب "كتابة خلف الخطوط: يوميات الحرب على غزة" الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، يوميات وشهادات لـ25 كاتبًا وفنانًا من قطاع غزة، وثّقوا من خلالها تجاربهم الأدبية وتفاصيل حياتهم اليومية البائسة في ظل الحرب المتواصلة على القطاع.
وعبر هذه الشهادات واليوميات، يقدّم هؤلاء الكتّاب والفنانون صورة أكثر قربًا من الحياة في قطاع غزة وسط حرب الإبادة، وأشمل مما نسمعه في الأخبار ونراه في التقارير، حيث تسلط كتاباتهم الضوء على طبيعة حياتهم ومعايشتهم للحرب وما فرضته من ظروف بالغة القسوة على القطاع وأهله.
كُتبت هذه النصوص من واقع التجربة، سواء من خيام النزوح أو مراكز الإيواء، وتراوح بين بين السرد والقصة الواقعية أو التسجيلية القصيدة والبوح والمناجاة، وتعكس مجتمعةً جانبًا من معاناة سكان قطاع غزة، الذين أصبحت حياتهم محاولات مستمرة للنجاة والصمود، الذي لم توفَّر لهم أدنى مستلزماته.
وكتب الروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف في تقديمه للكتاب يقول: "هذا ليس كتابًا عن غزة، إنه كتاب عن الإنسان والمكان والحياة فيها خلال الحرب، التي استهدفت وجودها ووجودنا كفلسطينيين فيها".
5- يوميات معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
يوثّق كتاب " يوميات معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة" الصادر عن "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات"، في بيروت، أبرز الأحداث المتعلقة بعملية "طوفان الأقصى" ثم الحرب على غزة خلال الفترة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و31 آذار/مارس 2024.
ويركز الكتاب على يوميات الحرب، ويستعرض أهم المعلومات المتعلقة بها، إلى جانب إحصائيات تعكس مسار الأحداث، وأداء المقاومة في التصدي للعدوان، وذلك عدا عن إبراز جرائم الحرب الإسرائيلية بحق المدنيين.
ويُلقي كذلك الضوء على التحولات السياسية التي ترتبت على العملية والعدوان، وخاصةً مواقف القوى الفاعلة فلسطينيًا وإسرائيليًا وعربيًا وإسلاميًا ودوليًا.
