22-سبتمبر-2016

فيما يتعلق بتطبيق القانون فالسلطة في مصر لا تكاد تطبق القانون إلا إذا كان سوف يخدم مصالحها السياسية أو الاقتصادية (Getty)

المفاجأة الكبرى التي قد لا يصدقها من يقرأ هذا التقرير هو أن مصر بلد جيدة فيما يخص "التشريع" أي ما يخص سن القوانين، أما فيما يتعلق بتطبيق القانون فالسلطة في مصر لا تكاد تطبق القانون إلا إذا كان سوف يخدم مصالحها السياسية أو مصالح اقتصادية أو اجتماعية تخص فئة فيها على حساب المصلحة العليا، أو أنها قوانين تم تعطيلها ونسيانها في أدراج المحاكم ولم ينم إلى علم الرأي العام عنها شيء، رغم فعاليتها في تسهيل حياة المواطن، أو في مكافحة الفساد أو محاربة التحرش في الشواراع أو في التعيينات الخاصة بالقضاة في السلطة القضائية، وبالطبع القوانين التي تقف ضد سياسة الاختفاء القسري.

فيما يتعلق بتطبيق القانون فالسلطة في مصر لا تكاد تطبق القانون إلا إذا كان سوف يخدم مصالحها السياسية أو الاقتصادية 

في التقرير التالي نقدم أربعة قوانين تم خرقها أو تعطيلها أو التغاضي عنها أو اعتبارها غير موجودة بالنسبة للسلطة، لأن الاعتراف بها أو تطبيقها يعني الحد من السلطة في مصر.

  • قوانين مكافحة الفساد

تفرق منظمة الشفافية الدولية بين أنواع الفساد، فهناك الفساد السياسي وهناك الفساد الإدراي أو البيروقراطي ويعرف الفساد السياسي بأنه إساءة استخدام السلطة العامة الحكومية لأهداف غير مشروعة، لتحقيق مكاسب شخصية، وأهم أشكاله المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب.

أما الحديث عن الفساد في حكومة النظام الحالي في مصر فهو يطول ولا ينتهي ولا يبدو أنه حدث عارض فيها بل سياسة متبعة "لإنهاء مصالحها العالقة" أيا كانت. وطال الفساد تفصيل القوانين التي تتساهل مع الفاسدين بل وتمنحهم فرصًا أخرى لممارسة الحياة السياسية في مصر والعودة لإمبراطورياتهم دون محاسبة حقيقية.

على سبيل المثال قيام السلطة عام 2014 بتعيين إبراهيم محلب رئيسًا لوزراء مصر رغم اتهامه بالتورط في قضية قصور الرئاسة التي أيدت فيها المحكمة المصرية حكما بثلاث سنوات على مبارك وأبنائه.

أما عن تفصيل القوانين التي تتساهل مع الفاسدين فهناك قانون التصالح مع رجال الأعمال في مصر حيث وافق مجلس الوزراء على تعديل بعض أحكام القانون رقم 62 لسنة 1975 والخاص بالكسب غير المشروع وتضمنت التعديلات إمكانية قبول الجهات القضائية المختصة عرض المتهم بالتصالح عن جريمته بشرط أن يرد كل ما اكتسبه من أموال غير مشروعة. وبناء عليه فقد تصالحت الدولة مع كثير من رجال الأعمال ورموز الفساد في عهد مبارك ومنهم على سبيل المثال حسين سالم الذي تصالح مع الدولة مقابل 75% من ثروته مقابل انقضاء الدعاوي الجنائية التي كانت ضده. وكان مطلوبًا على ذمة قضايا فساد تصنف بأنها تضر بالأمن القومي المصري وبثروات البلاد ومنها تصدير الغاز لإسرائيل بأقل من سعره العادل، وقضايا غسيل أموال.

اقرأ/ي أيضًا: مشهلاتي الحكومة..برلمان مصر يستهزئ بالدستور

  •  قانون التحرش

لا يزال تطبيق قانون التحرش في مصر قاصرًا رغم كل الجهود التي تحاول جعله ساريًا على أرض الواقع لعدة أسباب من بينها صعوبة إثبات حادثة التحرش نفسها. وعلى أي حال فإنه بموجب القانون الجديد، سيواجه مرتكبو التحرش أحكامًا بالسجن تتراوح بين ستة أشهر وخمس سنوات. وسيحكم بالمدة الأطول على أولئك الذين يرتكبون جرائمهم من موقع قوة سواء وظيفيًا أو فعليًا (كأن يكونوا مسلحين)، إذ ينص القانون على أنه إذا كان مرتكب جريمة التحرش "له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتُكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا" فإن العقوبة تزيد لتصل إلى "الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه".

ولكن على أرض الواقع فإن المجتمع يحاكم المتحرَش بها ويلقي عليها اللوم دومًا، ولذا فإن عددًا محدودًا للغاية تم محاكمته على أساس التحرش اللفظي أو الجنسي في الشوارع. وقد واجه القانون انتقادات تتهمه بأنه غير رادع وأن استمرار أفعال كهذه في الشوارع تمر في كثير الأحيان دون عقوبة.

كما أن مقترَح قانون تجريم التحرش الجنسي الذي خرج من وزارة العدل جاء مخيبًا لآمال المنظمات النسوية، خاصة أن هذه المنظمات كانت تطالب بتعديل 4 مواد في قانون العقوبات لتشمل تعريفات محددة بتهمة الاعتداء الجنسي والتحرش الجنسي بجميع أنواعه وأنماطه، وكذلك تعديل تعريف الاغتصاب ليشمل الاغتصاب بالأصابع والأدوات الحادة، بالإضافة إلى الشرج والاغتصاب عن طريق الفم.

ورغم أن قوانين مكافحة التحرش في مصر، تظل قاصرة ومحل انتقاد، إلا أن السلطة لا يوجد لديها استراتيجية واضحة، وربما رغبة، لتنفيذ هذه القوانين نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: 173 تمويل أجنبي..انتقام أمن الدولة من الحقوقيين

  •  القوانين الخاصة بالتعيينات في السلطة القضائية

هناك تياران داخل الأوساط القضائية في مصر، تيار يرى أنه من حق القاضي تعيين ابنه في سلك القضاء، ليكون ابن القاضي قاضيًا بالوراثة. بل ويرى تيار واسع من القضاة أن أبناء الطبقات الدنيا ليس من حقها أن تدخل سلك القضاء كما قال المستشار محفوظ صابر، وزير العدل السابق، في أحد التصريحات التليفزيونية "ابن عامل النظافة لا يمكن أن يكون قاضيًا، ولا بد أن يكون من وسط راقٍ، وكتّر خير أبوه إنّه ربّاه وعلّمه".

رغم أن قوانين مكافحة التحرش في مصر، تظل قاصرة ومحل انتقاد، إلا أن السلطة لا يوجد لديها استراتيجية واضحة لتنفيذ هذه القوانين نفسها.

و الجدير بالذكر أنه في آيار/مايو الماضي، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا رقم 189 لسنة 2016 قضى بتعيين دفعة المندوبين المساعدين في هيئة قضايا الدولة. وبموجبه عُيّن 315 مندوبًا مساعدًا. وقد شملت هذه الدفعة تعيين عدد من أبناء المستشارين والقضاة أعضاء الهيئة والشخصيات العامة ونجل أحد مشايخ القبائل الكبيرة على حدود ليبيا.

في المقابل، يوجد تيار قضائي آخر، وإن كان أقل قوة بكثير، وليس له صوت مسموع يرى أنه من حق الجميع اللحاق بسلك القضاء أيا كان مستوى أسرته الاقتصادي وهذا تيار يتعمد الجميع تهميشه.

و لكن ماذا يقول نص القانون؟

ينص قانون السلطة القضائية في المادة 39، والمادة 47 على جواز تعيين المحامين الذين اشتغلوا أمام محاكم الاستئناف أربع سنوات متتالية بشرط أن يكونوا مارسوا المحاماة فعلًا لمدة تسع سنوات أو أي عمل يعتبر، بقرار تنظيمي عام يصدر من المجلس الأعلى للهيئات القضائية، نظيرًا للعمل القضائي، كما تضمنت المادة 41 من القانون نفسه على أنه متى توافرت الشروط الأخرى المبينة في هذا القانون جاز أن يعين "أولا: فى وظائف قضاة من الفئة (أ) المحامون الذين اشتغلوا أمام محاكم الاستئناف مدة تسع سنوات متتالية بشرط أن يكونوا مارسوا المحاماة فعلا أو أي عمل يعتبر بقرار تنظيميعام من المجلس الأعلى للهيئات القضائية نظيرًا للعمل القضائي مدة أربع عشرة سنة".

وهناك العديد من التفاصيل في هذا القانون التي تشير إلى أن المواد الخاصة بتعيين المحامين بالقضاة غير مفعلة بقانون السلطة القضائية منذ عشرات السنين، حيث اعتبر أصحاب القرار أن المحامين الذين يتم تعيينهم على كبر في القضاء غير مؤهلين بشكل كافٍ للفصل في الخصومة مثل وكيل النيابة.

أي أن التعيينات في الهيئات القضائية تلزم القضاة بتعيين المحامين كقضاة في المحاكم الابتدائية ويلزم ألا تقل نسبة المحامين عن الربع لكن المادة غير مفعلة لأنها مقتصرة عمليًا على تعيينات أبناء القضاة ووكلاء النيابة من أقاربهم.

  •  قوانين مصرية ضد الاختفاء القسري

الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري عرفته بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية الذي يحدث على أيدي موظفي الدولة أو الأشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده ما يحرمه من حماية القانون.

ووفقًا لآخر إحصائية عن المختفين قسريًا فإنه 2811 شخصًا تعرضوا للاختفاء القسري من قبل الأجهزة الأمنية خلال الفترة من يوليو/تموز 2013 وحتى يونيو/حزيران 2016، بينها 1001 حالة اختفاء خلال النصف الأول من العام الجاري، بمعدل خمس حالات يوميًا. كما أفاد تقرير صادر عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات باختفاء 912 قسريًا بين أغسطس/آب 2015 و2016 بمعدل ثلاث حالات يوميًا.

أما إحصاءات المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي تعين الحكومة أعضاءه، فرصد 266 حالة بين أبريل/نيسان 2015 ونهاية مارس/آذار 2016، دون إدانة أو دعوة للمحاسبة.

هل الاختفاء القسري مخالف للقانون المصري؟

نعم بالطبع، تنص المادة 54 أن الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو توقيفه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق.

ويجب أن يبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك ويحاط بحقوقه كتابة ويُمكَّن من الاتصال بذويه ومحاميه فورًا وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته.

ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام يندب له محام، ولكل من تقيد حريته، ولغيره حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء. والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا.

كما تنص المادة 55 على أن كل من يقبض عليه أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون.

وتنص المادة 99 على أن: "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لاتسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر".

و هذه المواد السابقة كلها "غير مفعلة" أي أن شأنها شأن العديد من المواد الأخرى تم تعطيلها عمدًا حتى تستطيع الحكومة أن تستخدم الاختفاء القسري كسلاح لترهيب المعارضين والتنكيل بهم.

اقرأ/ي أيضًا:

أشرف مروان..كيف تجاهلت إسرائيل جاسوسها الأثمن؟

ترامب يلحق بكلينتون في استطلاعات الرأي