14-سبتمبر-2017

لقطة من فيلم The Source

للحركة النسوية تأثير كبير في النقد السينمائي، وقد بدأ يلاحظ هذا التأثير في عام 1975، حين قدمت الكاتبة النسوية لورا مولفي مقالتها "المتعة البصرية والسينما الروائية" "Visual Pleasure and Narrative Cinema"، والتي تطرقت فيها للمنظور النسوي الذي تطرحه الأفلام والأدوار السلبية التي تعطى للنساء على الشاشة، ما يؤثر على صورة المرأة في المجتمع. في الوقت الذي كانت فيه الموجة الثانية النسوية تقترب من ذروتها.

المرأة لم تكن غالبًا تظهر كتابعة للرجال في الفن الروائي، ولكن أيضًا في طريقة نظر كاميرا السينما إليها

لقد كان هذا هو الوقت المناسب لمحاولة توحيد نظرية النسوية والسينما. لم تكن المتعة البصرية مجرد تحليل، ولكنها دعت النسويات إلى صنع أفلامهن الخاصة التي من شأنها أن تتفاعل ضد الهواجس والافتراضات التي تصنعها السينما السردية الكلاسيكية.

وبقيت تلك المقالة واحدة من أهم المصادر النظرية في تاريخ السينما، فهي تُوظف النظرية السيكولوجية لتتناول قضية النوع في السينما، فيما له علاقة بإشكاليات كل من المصطلح وطريقة العرض، فهي على سبيل المثال لا تريد فقط أن تُشير إلى أن المرأة كانت غالبًا تظهر كتابعة للرجال في الفن الروائي، ولكن أيضًا في طريقة نظر الكاميرا إليها.

اقرأ/ي أيضًا: أفضل 10 أفلام كوميدية في تاريخ السينما وفقًا لاستبيان هيئة الإذاعة البريطانية

وأهم الأمثلة التي اعتمدت عليها المقالة واتخذت فيما بعد مثالًا للحديث حول الصورة التي تقدمها الأفلام الكلاسيكية عن المرأة، هي ما تحدثت عنه مالفي باستفاضة في مشهد دخول البطلة لأول مرة في معظم الأفلام والذي يصور ببطء شديد، وبمرور الكاميرا على كامل جسد البطلة الرشيق والمنمق من ساقيها إلى وجهها.

وفي مثل تلك اللقطة (المتكررة كثيرًا في الأفلام) يفترض صناع الفيلم أن المشاهد ذكر، يتفحص جسد البطلة وزينتها. وهذا ما التفتت إليه الكاتبة، ونعتته بالنظرة الذكورية المتفحصة، فالمتحكم في الكاميرا يمنح المشاهد متعة بصرية تُشيَّأُ من خلالها النساء.

والمثال الثاني الشهير لنظرية مالفي كان حين تحدثت عن المرأة في أفلام هيتشكوك، وأشارت إلى أن المرأة في أفلامه دائما ميتة، مثل فيلم "Vertigo" و "Psycho " فالمرأة تظهر كفتاة سيئة عند هيتشكوك، فهي سارقة في فيلمي "سايكو" و"مارنى"، وكاذبة في فيلم "دوار"، وما يزيد الأمر سوءًا أن نفاقها وكذبها يأتي من خلال وجهة نظر أفلام صنعها رجال في عالم نظامه قائم على عدم التكافؤ بين الجنسين، فإن متعة المُشاهدة تنقسم بين ذكر إيجابي وأنثى سلبية.

المرأة تظهر كفتاة سيئة في أفلام هيتشكوك، فهي سارقة في فيلمي "سايكو" و"مارنى"، وكاذبة في فيلم "دوار"

سعت الحركة النسوية على مدار الأعوام التي أعقبت مقال لورا مالفي للتأثير في حركة النقد السينمائي، وحصلت بعدها على الترخيص بعرض مجموعة من الأفلام الوثائقية النسوية في السبعينيات، وفي الدخول إلى مهرجانات دولية صارت تنظم للأفلام النسوية، مثل مهرجان المرأة والسينما في تورنتو، ومهرجان سينما المرأة في واشنطن، وموسم السينما النسائية في دار السينما في لندن، ومؤتمر السينما النسائية في بافالو ومهرجان شيكاغو لأفلام المرأة.

تمكنت النسوية من فرض وجهة نظرها عن المرأة في كم كبير من الأفلام، ومنذ السبعينات أصبحت للمخرجات والناقدات النسويات مكانة مهمة في عالم صناعة السينما وتلقيها، كما استطاعت من خلال ذلك تغيير ثقافة ووعي المجتمع بقضايا المرأة ومشكلاتها.

1- Le jour où je suis devenue femme 2000

عملت الكثير من المخرجات على تقديم صورة عن تحدي المرأة للقانون الذكوري السائد في بلدان كانت فيها فسحة التحرر والمطالبة بالمساواة ضيقة، وهذا ما عملت عليه المخرجة الإيرانية مرزيه مشكني في فيلمها the Day I became a Woman "يوم أصبحت امرأة" والذي يتألف من 3 قصص لثلاث نساء من أجيال مختلفة لكل منهما قصة وقضية صغيرة مرتبطة بتصور ما عن حياة النساء في إيران.

اقرأ/ي أيضًا: سينما رأفت الميهي بين فانتازيا الحياة في مصر وتحديات الإنتاج

الجزء الأول يركز على الفتاة الصغيرة "حوا" في عيد ميلادها التاسع حين يقال لها أنها لم تعد قادرة على اللعب مع الأولاد لأنها الآن امرأة، هي التي لا تعرف معنى تلك الكلمة لمست تأثيرها الكبير على حياتها وعلاقتها مع أصدقائها. والحكاية الثانية للشابة "آهو" التي تقرر المشاركة في سباق للدراجات الهوائية، فتقف ضد رغبات زوجها الذي يحاول ثنيها عن هذا الفعل. وثالثًا حكاية "حورا" امرأة عجوز حصلت على بعض المال وتشعر بحرية التصرف به كما تشاء.


2- Vera Drake 2004

 

وواحد من الأفلام التي تسلط الضوء على حياة النساء في حقبة معينة، واضطرارهن للقيام بأي عمل مقابل تأمين حياة أفضل لهن ولعائلاتهن كان فيلم المخرج الإنكليزي مايك لي vera drake يتحدث الفيلم عن امرأة خمسينة تعيش في لندن بعد الحرب العالمية الثانية، محبة متفانية، تعمل بين فترة وأخرى في إجهاض النساء بشكل غير شرعي ممن اضطررن للحمل في ظروف صعبة أو نتيجة تعرضهنّ للاغتصاب.

حتى تشرف إحدى النساء على الموت خلال العملية مما يغير حياة فيرا دريك البسيطة. يطل الفيلم على مرحلة هامة من تاريخ بريطانيا والحياة اليومية للناس البسطاء فيها. كيف يديرون حياتهم وبماذا يحلمون. ويمكن اعتبار شخصية فيرا دريك واحدة من الشخصيات النموذجية في سينما مايك لي، واعتبار حكايتها جزءًا من نضال فردي لأنثى تحب الحياة وتتوقع الأفضل.


3- Miss Representation 2011

ويأتي الفيلم الوثائقي Miss Representation إخراج جنيفر سيبيل نيوسوم، ليتساءل عن صورة المرأة في وسائل الإعلام الأمريكية، ويكشف النقص في تمثيل المرأة في وسائل الإعلام وفي الدوائر المؤثرة، فضلًا عن كيفية مساهمة وسائل الإعلام في نقل صورة محدودة ونمطية عن النساء في الولايات المتحدة.

فيلم Miss Representation الوثائقي يكشف النقص في تمثيل المرأة بوسائل الإعلام وفي الدوائر المؤثرة

يحتوي الفيلم على مقابلات وشهادات مصورة لشخصيات مشهورة ومؤثرة في العالم السياسي وعالم الفن والنجوم، مثل جين فوندا، جينا ديفيس، كوندوليزا رايس وغيرهن من النساء. ويتطرق لإحصاء ضحايا العنف الأسري والاغتصاب والتمييز. كما يقدم ملاحظات حول صورة المرأة في المجتمع، والذي يضع المظهر أولًا ولاحقًا تأتي الكفاءة ودور وسائل الإعلام في الترويج لهذه المقولة.


4- Chaos 2001

فيلم Chaos للمخرجة الفرنسية كولين سيريو. يروي الفيلم حكاية مليكة التي تستنجد ببول وهيلين وترتمي على سيارتهما في إحدى الأمسيات خلال مرورهما مصادفةً من إحدى شوارع المدينة. لا يكترث الزوجان بها بل يقفلان سيارتهما أمام مناجاتها ويشاهدان بذعر التعذيب والضرب الذي تتعرض له من قبل آخرين، تنقل مليكة إلى المستشفى فتصر هيلين على تقديم المساعدة والعون لها وسرعان ما تجد نفسها متورطة في قصة تعجز عنها.


5- La source des femmes 2011

الفيلم المغربي La Source des Femmes  أو "عين النساء" من إخراج الروماني رادو ميهايلينو. يتناول الفيلم المعاناة اليومية للنساء في إحدى القرى الريفية في المغرب، حيث يتكفلن بالعمل داخل وخارج المنزل أمام إهمال وتهميش الرجال للصعوبات التي يتعرضن لها أثناء جلب الماء كل يوم من العين في أعلى الجبل. فيقررن التمرد على الرجال في القرية، مايلفت النظر لأنهن مصدر الماء الوحيد هناك. ويقود إضرابهن إلى تغيير الحياة السائدة والساكنة في المكان.


6- Fish Tank 2009

فيلم Fish Tank للمخرجة أندريا أرنولد. تتغير حياة ميا الشابة المراهقة بعد دخول صديق والدتها إلى العائلة. تعيش مع مشاكل دائمة وخلافات أسرية، عالمها الفوضوي يدفعها نحو رقص الهيب الهوب، ومن خلاله تحاول الهرب من المشاكل التي تنجم عن الصراخ والشتائم والتوتر. تسعى في يومياتها لإيجاد ما يروق لها محاولة أن ترسم لحياتها خطًا واضحًا. تعتبر شخصية ميا واحدة من شخصيات أنثوية مراهقة كثيرة تحفل بها السينما الحديثة، كما خصصت لها المخرجة أرنولد جزءًا من مشروعها السينمائي، حيث أخرجت بعد فيلم Fish Tank، فيلم American Honey الذي يروي حكاية فتاة مراهقة تبحث عن عمل.

اقرأ/ي أيضًا: 6 من أبرز من مثلوا شخصية "الجوكر" في عالم السينما


7- Jeanne Dielman, 23 quai du Commerce, 1080 Bruxelles 1975

بالحديث عن الأفلام التي تتطرق للعوالم النسائية لا يمكن الابتعاد عن أعمال المخرجة الفرنسية شانتال أكرمان، والتي قدمت فيلمًا مكثفًا عن يوميات امرأة تعيش مع ابنها، ورسمت لها صورة واقعية بحتة حفرت تفاصيلها من العزلة، الملل والوحدة التي تعيشها الشخصية الأنثوية.

فيلم Jeanne Dielman, 23 Commerce Quay, 1080 Brussels 1975 عنوان الفيلم هو العنوان البريدي لجين ديلمان بطلة الفيلم في بروكسل. والتي يرتب حياتها الروتين ويقسمها بين أعمال منزلية وتحضير الطعام، واستقبال الرجال بعد مغادرة ابنها إلى المدرسة. غالبًا تصلها رسائلها بريدية. يلفت فيلم أكرمان هذا النظر إلى حياة النساء وخصوصيتها، وقد يفتح الروتين الذي يغرق فيه الفيلم وحياة ديلمان الأبواب على أسئلة كثيرة تخص حياتنا وتفاصيلنا.


8- زوجة رجل مهم

وربما إذا أردنا التطرق لصورة المرأة في السينما العربية لابد من ذكر اسم المخرج محمد خان، الذي تحسست عيناه خصوصية وأهمية دور المرأة في المجتمع ورسم في أفلامه عوالم المرأة المصرية بأعمار وفئات اجتماعية مختلفة، واعتبرت المرأة واحدة من الركائز الأساسية في تصورات خان عن المجتمع المصري وأزماته.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "It".. الرعب الذي اكتشف المشاهدون أنه كوميدي

فمن المرأة التي تضحي باسم الحب في "زوجة رجل مهم" إلى مشاكل الطبقة الفقيرة في "أحلام هند وكاميليا"، إلى قصة فتاتين من الطبقة الوسطى تعيشان أحلام ومغامرات مختلفة في فيلم "بنات وسط البلد" وأخر أفلامه" قبل زحمة الصيف" عن امرأة أكثر حرية من أغلب النساء في أفلامه السابقة تبحث عن الحب وتحاول أن تعيش تجربتها العاطفية بعيدًا عن الأخرين.


9- فتاة المصنع

كما ويرصد تيمة الحب في فيلم "فتاة المصنع" حيث تعيش هيام العاملة في مصنع للملابس قصة عاطفية ترسم تفاصيلها في أحلامها وخيالها، لتبدو مفصولة وبعيدة عن واقعها المليئ بالخوف والذي يجنح للتستر على العواطف أكثر من البوح، كما وتتعرض هيام للعنف الأنثوي الذي بدأ يأخذ لنفسه شكل سلطة أخرى في المجتمع الذكوري.

ربما قد تحوي قائمة ما على عدد غير منتهي من الأعمال السينمائية التي تطرقت لصورة المرأة في مجتمع ما ورصدت تأثيرها في مكان معين، كما وإن محاولة حصر تلك التجارب قد يبدو ظالم في حق تجارب أخرى إن لم نعتبرها نسوية بالمطلق فهي تقوم على وجود المرأة بشكل فعال وثابت، كما بات سؤال تحرر المجتمعات أكثر ارتباطًا بموضوع تحرر المرأة والمساواة بين الجنسين.


10- In Syria 2017

وبعيدًا عن التصنيفات تحضر تجربة المخرج البلجيكي فيليب فان ليو في فيلمه Insyriated تجربة ملهمة وقوية فيما يتعلق بحضور المرأة ودورها في الأزمات، فقد لعبت الممثلة هيام عباس دورًا مميزًا في فيلم يتحدث عن عائلة سورية محشورة أو محبوسة إن صح التعبير في بيتهم الوتقع في إحدى المناطق السورية التي تشهد اشتباكات وانفجارات، لا أحد يمكنه الخروج أو الدخول إلى المنطقة وبالتالي البيت.

فيلم Insyriated 2017 بحديثه عن أسرة سورية محبوسة في الحرب، تجربة ملهمة وقوية فيما يتعلق بحضور المرأة ودورها في الأزمات

تنحبس أم يزن مع مجموعة أشخاص أخرين عائلة وجيران وأرقاب، تدير وحدها مسألة تواجدهم فتتحمل أعباء البقاء على قيد الحياة وإدارة البيت بمن فيه في ظل أزمة شح المياه وإنعدام الأمان حيث هناك قناص يتربص بالمارة في الخارج، وغرباء يحاولون اقتحام البيت. يقابلها شخصية امرأة قوية أخرى لعبت دورها الممثلة ديامان بوعبود، وهي حليمة جارتها التي لجئت إلى بيتها بسبب الدمار الذي لحق بمنزلها، تتعرض حليمة للاغتصاب من قبل الآمن الذي يقتحم البيت بحثًا عن المختبئين فيه، فتسكت وتخفي سر وجود الأخرين لحمايتهم وحماية طفلها، يجري كل ذلك وزوجها مرمي في الخارج لا يعرفون إن كان قد مات أم لا.

يضع فان ليو الشخصية الأنثوية أمام واحدة من أقسى الفرضيات، فتتصدى بدورها لواحدة من الأزمات التي تجرها الحرب ومايتبعها من اضطراب في تفاصيل العيش وخطورة البقاء والمغادرة وتدفع وحدها ثمن الاستمرار.


11- Suffragette 2015

لا يمكن التطرق لموضوع كفاح المرأة ومطالبتها بكامل حقوقها دون ذكر فيلم Suffragette للمخرجة سارة غافرون والذي جاء على اسم الحركة النسائية التي قادت تحركًا سريًا يهدف لحصول المرأة على حقوقها السياسية في بريطانيا وحق التصويت في البرلمان. أصبح الفيلم واحدًا من أهم الأفلام الكلاسيكية التي بينت دور التنظيمات النسوية السلمية وعملها لتكريس دور المرأة في المجتمع والمطالبة بحقوقها وتعرضها للكثير من المصاعب كتهميش المجتمع لها وسطوة المجتمع الأبوي عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تناولت السينما العربية شخصية المناضل؟

فيلم "War for the Planet of the Apes".. قصة ومناظر