27-مايو-2016

علاء حمامة/ سوريا

لاجئات

تلك النساء 
اللواتي يدعونهنّ لاجئات
هنّ أجمل من أن يكنّ هكذا
فراشاتٌ من عسل وربيع
أراهن يدخلن الصالة وكأنها بستان
يخرجنّ وهن متكسرات الروح
المدافعون عنهن يهشمونهن بمطرقة قاسية
ذات طرقات تهوي بلا توقف
قلوبهنّ الصغيرة المتهشمة
تشبه قلبي 
تستمر في الحياة
منهن من يبكين في غرف صغيرةٍ
تحت ضوء خافتٍ
يجمعن الدمع
يقرأنّ عليه تعويذة الحرير والبقاء:
"كن حليبًا أيها الدمع
وإن لم تكن فارحل".
ولا يسمع الدمع إلا أن يكون ما طلبن؛
يومًا آخر من الحياة لأطفال يرضعون
دقات سريعة من القلب
وموتًا هادئًا
ما فيه ليس حزنًا
ولا فقدًا
فيه موتٌ جماعيّ.

 

لماذا أيها القرميد؟

عندَ أول حركة في الغرفةِ المجاورة، استيقظَ اللامرئيُّ. إحساسهُ
الدخانيُّ الأسمر دفعهُ إلى ذلك. اكتشفَ المثلثَ المقابل لغرفتهِ،
المثلث الذي يراقبه طيلة الوقت، بحنين أنثى انجلى عنها وباءُ عقلانية
تشبه السنديان.
سأل اللامرئيُّ المثلث: من أنت؟ أراكَ حيٌّ تتنفسُ الصعداءَ مثلي، لكنكَ
شكلٌ آخر.
المثلث: كنتُ أغني للزهور؟
ارتحلَ اللامرئيُّ بعوالمهِ مغلقًا عينيهِ إلى النصف، روحٌ تحلقُ بملاك.
اكتشفَ الزهورَ التي نبتَتْ فجأةً على وجهِ القرميد، القرميد الذي أَلِفَ
الحديث مع السماء، وتعلمَ لغتها من ولدِها المطر. ارتحلَ وجههُ إلى
الأعلى قليلًا، وصرخَ بوعيِ الحجر: "أيها القرميد، استفق، لدينا حديثٌ
طويل"
هزَّ القرميدُ سكونهُ، ارتعشتْ الزهور كطفلٍ رضيع، وأسقطَتْ قطراتِ
الندى من أوراقها الغضة حديثة الولادة.
صرخَ القرميد: تبًا، لقد أزعجتَ بنات السماء.
أسقطَ اللامرئيُّ وجهه إلى الأرض، التفتَ يمينًا ويسارًا يتفقدُ الممرَ
المطلَّ على المشهدِ من زواياهِ الأربعة. همسَ بحكمةِ العينين، فقال:
"على الزهور أن ترحل، لا أريد أن يتشكلَ هذا المساء، المساءات
المعطرةُ ببنات السماء تدعو القلوب التائهة لتنغز وحدتي الصغيرة.
بدأتْ الشمسُ تسحبُ آخرَ خيوطها، واللامرئيُّ يشرحُ للقرميد، استعانَ
بكل العناصر الأربعة التي جلبها من الغابة الكثيفة.
بدأ المساءُ بالهبوط، نثرَ أول هدوء في الركنِ الشرقي، ثم انطلق صوتٌ
مرتبٌ من أعماق اللامرئيُّ: لماذا أيها القرميد؟
تركتَ الزهور تنبتْ،
حتى تشكلَ هذا المساء.
كنا نغني، لكننا عدنا من منتصفِ
الطريق، لأننا تعبنا.

 

صباحاتٌ مليئةٌ بالغازاتِ السامةِ

في جلسة ارتشاف القهوة الهوائية، بعد سيجارة تماهت مع الخلود.
 أطلق السؤال إلى أربع. فقال: ماذا لو كتب كلٌ منا عن البقية؟
استنشق موخا نفسهُ ببطء رتيب، رمى نظراتٍ من حديدٍ نَعس. "هيا لنكتب الآن الزمن المتوقف، ولنراقب تطور النص، إلى الأمام، هل سيتغيرُ الزمن؟".
بعد تفكيرٍ يشبهُ ترسب المياه في المحيط، خط في الغابة ثقبين. هو الذي غاب في متاهات التكسير، انطلق صوت على حين غرّة كسيل.
"أنا هنا أُفرغُ الفراغَ فأقسمهُ".
تعالت صيحات الفلسفة، ليفردَ الشكُ آخر وقتهِ على شكل سماء.
قال موخا للعابر: "لنحطم الزجاج كالماء!
قال العابر: أنا عدمكم.
قالوا: وأنت أيضًا جزء منها.
قال: أنا عالمكم.
قالوا: وأنت أيضًا جزء منها.
قال: التفكير في الأشياء يحطّمني.
قالوا: وتفكيرك جزء منّا.
قال: انتهى الوقتُ عندما بدأ.
مرَّ ألمو بابتسامته دون أن يحرّكَ وجهه إليهم، عيناه مسمرتان إلى ناحية الضوء. اختلط صوتان من أحد الحاضرين.
ثم بدأ المسافر بالرحيل، مدندنًا أغنيته: أنتِ على قيد الحياة يا حبيبتي.
الله، فقط من ماتْ.
          ماتَ وحيدًا بخيبته، بينما أطفالٌ
          من ماء، زينوا سماء بلدات حلَّ فيها
          الخريف، وحينما لفظَ الله أنفاسه
          الأخيرة، متنا نحنُ أيضًا.

(مدريد)

اقرأ/ي أيضًا: 

محزن أن يكون للمرء خمسة أصابع

أخجل من الحبّ تحت الماء