16-أكتوبر-2015

إلياس ايزولي/ سوريا

في عام 2007 أطلعني صديق لي مهووس بالكتب والسياسة والأدب والموسيقا، وكل شيء، على موسوعة "إنكارتا" الإلكترونية التي كانت تصدرها شركة مايكروسوفت بين عامي 2000 و2009 على شكل إسطوانات مدمجة. الموسوعة وإن بدت لنا مليئة بالمعلومات والصور والموسيقا كانت محدودة المحتوى بنهاية المطاف. كنا أنا وصديقي نقضي ساعات مللنا الجامعية في قراءة مقالاتها واستعراض فهرسها والمنافسة في اختبارات ومسابقات الثقافة العامة الملحقة بالموسوعة؛ دائمًا ما كنت أهزمه في مسابقات الجغرافيا!

حرية البحث على الإنترنت تعد ميزة لا توصف، حيث تضعُف فيها أدوار الرقباء أو المحررين

بعد ذلك ومع كثرة انتشار شبكة الإنترنت، أصبح صديقي في صراع لا ينتهي مع لامحدودية هذه الشبكة. عندما كان يعود من غزواته الإنترنتية، كان يفاجئني ويتحفني بمجلدات عامرة بغنائم كتب الـ"بي دي إف" النادرة والمهمة والتي لم نكن نقرؤها أبدًا بسبب كثرتها.

لاحقًا، وتحديدًا في عام 2012، أعلنت الشركة، الإسكتلندية سابقًا والأمريكية حاليًا، المالكة للموسوعة البريطانية "بريتانيكا" عن توقفها عن طباعة النسخة الورقية من الموسوعة الأقوى والأشهر عالميًا واعتبار نسخة عام 2010 آخر نسخة ورقية تصدرها. الشركة لم تلغ مشروعها الموسوعي كليًا، بل توجهت إلى نسخة إنترنتية تقوم بتحديثها وإضافة الكثير من المواد إليها باستمرار، الأمر الذي نزع عنها صفة المحدودية. وأصبحت بذلك شبيهة بالموقع الشهير "ويكيبيديا" باستثناء أن الأخير مفتوح أمام أي شخص كان يرغب بإدخال المواد أو تعديلها.

عن عظمة الموسوعة البريطانية بنسختها الورقية، يحدثنا خورخي لويس بورخيس في إحدى مقابلاته الإذاعية عام 1984، التي ستصدر على شكل كتاب هذا الشهر باللغة الإنكليزية، عن ذكرياته في المكتبة الوطنية في بيونس أيريس؛ "فتحت إحدى مجلدات الموسوعة على باب حرفي د-ر وقرأت منها ثلاث مقالات: الأولى عن الشاعر "درايدن"، والثانية عن طائفة "الدروز"، والثالثة عن كهنة الشعوب الكلتية "الدرويد"... كنت محظوظًا كثيرًا يومها بقراءة هذه المواد".

على الرغم من محدودية محتوى الموسوعات غير الإنترنتية، وتقييد قارئها بقراءة ما يرغب أو يسمح به محررو هذه الموسوعات من مواد، إلا أن هذه المحدودية كانت تدفع القارئ إلى قراءة أو إعادة قراءة الكثير من هذه المواد بسبب عدم وجود بدائل أخرى على الأرجح. أما في حالة الإنترنت، فالعديد من القراء، ربما، يقضون كثيرًا من وقتهم وجهدهم في البحث والاطلاع السريع على عشرات أو مئات المواد، وبمرور ساعتين أو ثلاث لا تبقى لديهم القدرة على التركيز والقراءة بسبب إرهاق البحث الإنترنتي.

بالتأكيد، حرية البحث على الإنترنت تعد ميزة إيجابية لا توصف، تضعُف فيها أدوار الرقباء أو المحررين. ولست هنا في وارد الانضمام إلى الجدل اللانهائي حول الإنترنت وترديد عبارة "الإنترنت سلاح ذو حدين" شديدة الرتابة، بل في وارد كيف لنا، نحن القراء، التعامل وإدارة الكثير من الكنوز المتوفرة على الشبكة ومن ثم قراءتها أو دراستها لاحقًا.

يمكن أن نجد العزاء، وبكل بساطة، في العديد من البرامج الحاسوبية أو تطبيقات الهواتف الذكية، أو امتدادات مستعرضات الشبكة التي توفر خدمات القراءة لاحقًا، أو تعرض النصوص في بيئات دافئة، تشبه الورق، وتقلل من وميض الشاشات المرهق.

أما صديقي، فيبدو أنه التجأ، أو وجد نفسه ملتجئًا، إلى البيانو تعلمًا واستماعًا واستمتاعًا بعد مغامراته وبطولاته العامرة في ميادين الكتب والأرشفة والكومبيوتر والإنترنت.

اقرأ/ي للكاتب:

تركيا.. اللاجئون في المزاد

انتقام العقلانية