18-فبراير-2022

أمام أضواء المدينة (Getty)

فلأعترف بأنني دُعيت قبل سنوات طويلة، عندما كُنت على قدر أكبر من السذاجة، إلى فعالية بسيطة يحضرها شباب وشابات من منطقة الأغوار، لأشارك قصة "نجاح" قد تكون مفيدة لهم.

كُنت أدرك بأن ما كُنت على وشك أن أشاركه لا يستحق أن يوصف بالـ"نجاح"، حتى بمعاييري آنذاك، فلم تكُن قصة النجاح تلك سوى فكرة أردت أن أنفذها، وبحثت لها عن جهة إعلامية تدعمها، ولكنني لم أفلح، ومن ثم جاءني الاتصال المنشود بعد سنة من التجاهل، وبدأت بالفعل بالعمل عليها. لا شيء يستحق الاحتفاء، إلا أنني أعترف، أيضًا، بأنني كنت أتوق لأي فرصة تجمعني بشباب وشابات في سني من مختلف المحافظات، فلم نكُن نملك الكثير من الفرص للتواصل مع الناس من خارج فقاعاتنا، ولا حتى في الجامعات التي تجمعنا في حرمها ولكنها كانت وما تزال تفصلنا على أساس الهويات الفرعية وغيرها من التقسيمات المعروفة.

قد يكون من الجميل استخدام خطاب "أنا استطعت، وهذا يعني أنك تستطيع أيضًا" ونحن في صالات النوادي الرياضية، ننظر إلى أنفسنا بالمرآة ونُشجع بعضنا البعض

اقرأ/ي أيضًا: طريق مفتوحة دائمًا لخالد حسيني جديد

هكذا ذهبت ذات يوم حار إلى تلك المنطقة، وجلست مع أقراني لأشارك معهم الفكرة، وإيماني بها ومن ثم "نجاحي" أخيرًا بإيجاد جهة تدعمها وتقبل بتنفيذها. بعد أن أنهيت حديثي، انتقلنا إلى فقرة "تبادل الطموحات"، وجلسنا نستمع إلى أفكار يأمل المشاركون الآخرون أن يجدوا من يدعمهم لتنفيذها. عندما جاء دور الشاب الأخير، قالها ببساطة "طموحي أصير بالدرك عشان أكسر روس هالمتظاهرين". كانت تلك العبارة لحظة فارقة في وعيي الذي كان قد بدأ يتشكّل ويأخذني في مسارٍ آخر. لم يشغلني أن "نجاحه" يكمن في تكميم أفواه الناس في زمنٍ كان الربيع العربي فيه في بداياته، وكُنا ما زلنا آنذاك نشعر بنشوة الحديث في العلن بمواضيع ظلت حبيسة الغرف المغلقة لعقودٍ من الزمن، فذاك أمر له تفسيره الذي يطول والذي أتفهم مصدره. ما شغلني هو سؤالي لذاتي: ما الذي يجعلك تعتقدين بأنك قد تُلهميه بأي شكل من الأشكال بالأساس؟

ومن هنا، بدأت أفكّر في إشكاليات "قصص نجاحنا" التي تملأ الفضاء العام، تلك التي لا تستحق أن تُنشر بالأساس، وتلك التي تستحق النشر بالفعل شريطة ألا تُغفل السياق العام، فتخدع القارئ ومن يُفترض أن تُلهمه.  

"غيرك استطاع بالفعل، ولكن ذلك لا يعني أي شيء على الإطلاق"

قد يكون من الجميل استخدام خطاب "أنا استطعت، وهذا يعني أنك تستطيع أيضًا" ونحن في صالات النوادي الرياضية، ننظر إلى أنفسنا بالمرآة ونُشجع بعضنا البعض، ولربما في أحاديث ودية مع الأصدقاء، ولكنه خطاب مُهين إذا ما خرج إلى العلن وأصبح يُستخدم لتحميل فرد واحد كل المسؤولية عن نجاحه، بصرف النظر عن خلفيته، ومكان ولادته، وتوفر الفرص فيه، والظروف الأسرية التي يعيش فيها، والحرية التي يتمتع بها سكان البلاد ليتمكّنوا من الإبداع أساسًا، والقائمة تطول.

في كتابه "الاستثنائيون: قصة النجاح"، وهو كتاب لا ينتمي إلى فئة التنمية البشرية بالمناسبة كما قد يوحي العنوان، يستشهد الصحفي والكاتب مالكوم غلادويل بدراسات وأمثلة عديدة ليقودنا إلى هذه الخلاصة: لم ينجح أي من هؤلاء العباقرة بفضل عملهم الجاد وحسب، بل كانوا مدينين لظروف أتاحت لهم أن يخصصوا الوقت الكافي لصقل مواهبهم بالأساس، وكانوا متواجدين في المكان المناسب في اللحظة المناسبة.

 لم ينجح أي من العباقرة بفضل عملهم الجاد وحسب، بل كانوا مدينين لظروف أتاحت لهم أن يخصصوا الوقت الكافي لصقل مواهبهم

ابتداءً، يُخبرنا بأن هناك قاعدة تُسمى قاعدة الـ10 آلاف ساعة، والتي تفترض بأن الوصول إلى مستوى احترافي في أي مجال يتطلب ممارسة العمل فيه لمدة لا تقل عن 10 آلاف ساعة، وهي نتيجة استخلصها الباحثون بعد التعمق في سير عمالقة من جميع المجالات، بما فيها تأليف الموسيقى، وكرة السلة، والكتابة الخيالية، والتزلج على الجليد ولعب الشطرنج وكل ما يحلو لنا من مجالات، بل حتى المجرمين المتسلسلين. من هنا، من المستبعد أن يكون أي شاب أو شابة قد أمضى هذا العدد الهائل من الساعات لوحده، بل هم على الأرجح من عائلات تشجعهم وتدعمهم، ومن الصعب أن يُكملوا المشوار لو كانوا بحاجة إلى عمل بدوام جزئي للإنفاق على أنفسهم، لأنهم ببساطة لن يملكوا الوقت الكافي للتدريب. في الحقيقة، فإن معظم الناس قادرون على تخصيص هذا القدر من الوقت فقط لو انضموا إلى برنامج مخصص لدعم المواهب، بحيث يُعطيهم كامل الفرصة لتكريس كل هذا الوقت لها.

اقرأ/ي أيضًا: الكفتة بالطحينية: عن جماليات التحول

بعد أن يستعرض هذه القاعدة، يروي لنا الكاتب قصة "كريس لانغان"، الذي كان يملك مقومات النجاح في العلوم، ولكنه فشل في توظيفها. نشأ لانغان في عائلة مفككة، فكان لوالدته أربعة أبناء من أربعة آباء مختلفين، واختفى والده هو قبل أن يولد، ويُقال بأنه توفي في المكسيك. يقتبس الكاتب وصفًا من لانغان لطفولته، إذ يقول "حتى هذا اليوم، لم ألتقِ بأي شخص كان فقيرًا في طفولته مثلما كنا نحن"، ويذكر بأنهم كانوا يرتدون الأحذية والسراويل المثقوبة، وينتظرون وهم عراة الانتهاء من غسل قطع الملابس الوحيدة التي كانوا يملكونها في حوض الاستحمام.

بعد أن تخرج من المدرسة الثانوية، حصل لانغان على منحتين دراسيتين كاملتين، وكان عليه أن يختار بين كلية "ريد" في ولاية أوريغون وجامعة شيكاغو، فاختار الأولى. ذكر فيما بعد بأن اختياره كان خاطئًا، إذ واجه ما أسماه "صدمة ثقافية" لوجوده مع أقران من نيويورك يعيشون نمط حياة مختلفًا تمامًا. كانوا هم شديدي الفضول، يطرحون الأسئلة طوال الوقت بينما لم يملك هو فرصة الحديث بحضورهم. وعندما شاركهم المسكن، وجد بأنهم يدخنون القنب، ويدعون حبيباتهم إلى السكن، بينما لم يعتد هو على مثل هذه الحياة، فقضى وقته في المكتبة.

لسوء حظه، نسيت والدته أن تملأ نموذجًا للمساعدة المالية، وهو أمر ضروري لاستمرار استفادته من المنحة الدراسية، ففقدها. عندما ذهب إلى المسؤول للاستفسار عن السبب، أخبره بأنهم ببساطة لم يتلقوا النموذج في الوقت المناسب، ومن ثم تصرفوا في أموال المنحة، ولم تعُد متاحة له. هكذا فقد فرصته في إكمال دراسته في كلية "ريد"، وتركها وكشف علاماته يُشير إلى رسوبه في كل المواد، بعد أن كان قد حصل على تقدير "ممتاز" في الفصل الأول.

بعد عودته إلى مدينة بوزيمان، عمل لانغان في وظائف متعددة، ومن ثم سجّل مرة أخرى في جامعة ولاية مونتانا، وبدأ يحضر دروسًا في الفلسفة والرياضيات. بيد أن الحظ لم يحالفه هذه المرة أيضًا، فتعطلت سيارته في فصل الشتاء، ولم يكُن يملك المال الكافي لإصلاحها. ذهب إلى المسؤولين، ولم يطلب منهم سوى هذا الطلب البسيط: عليّ أن أحضر حصصًا في السابعة والنصف والثامنة والنصف صباحًا، وسيارتي تعطلت، يمكنني المجيء إلى الجامعة برفقة جاري الذي يخرج عند الساعة الحادية عشرة، فأرجو نقلي إلى حصص فترة بعد الظهر. استمع إليه المرشد الذي قصده، ومن ثم قال له بنبرة حازمة بأنه راجع كشف علاماته من كلية ريد، التي سبق أن ارتادها، ويُخيّل إليه بأن لانغان لم يعِ بعد بأن على المرء أن يقدم تضحيات للحصول على التعليم. وأجابه بأن الطلب مرفوض. جرّب لانغان أن يطلب من العميد الطلب ذاته، وحصل على نفس الرد مرة أخرى. في تلك اللحظة، شعر بأنه بالفعل يضحي ويفعل ما بوسعه لإكمال تعليمه، ولكنهم لا يأبهون، فقرّر الانسحاب من منظومة التعليم العالي.

معظم الناس قادرين على تخصيص قدر كبير من الوقت لو انضموا إلى برنامج مخصص لدعم المواهب

كان يحلم في طفولته بأن يُصبح أكاديميًا، وكان عليه بطبيعة الحال أن يحصل على شهادة الدكتوراة، ولكن سلسلة من الأحداث المتتالية أخذته في مسار آخر، وانتهى به المطاف حارسًا في حانة لمعظم سنوات رشده. على الرغم من أنه انسحب من الدراسة، إلا أنه ظل يتعمق في الفلسفة والرياضيات والفيزياء وحاول أن يضع نظريته الخاصة، التي ما كان يحلم بنشرها حتى، لأنه كان واثقًا من أن أي مجلة علمية سترفض نشر نظريته كونه لم يُكمل تعليمه. ببساطة، سوف يقوم المحكمون المكلفون بمراجعتها بالبحث عن تاريخه وإنجازاته، وسيعرفون حينها بأنه لم يُكمل سوى سنة ونصف من الدراسة، فبأي حقٍ يُحاول أن يضع نظرية خاصة به؟

اقرأ/ي أيضًا: عالمان يتجاوران تحت شمس واحدة

بعد استعراض هذه القصة، يُعلّق الكاتب على التفاصيل، فيعتبرها مؤلمة بالفعل، ولكنها غريبة بعض الشيء في الوقت ذاته. فقد المنحة بهذه البساطة، ورُفض طلب انتقاله إلى حصص أخرى تُناسب ظروفه ببساطة أيضًا، على الرغم من أن المؤسستين اللتين التحق بهما تُمارسان شيئًا من المرونة مع طلبة في مثل ظروفه في سبيل الحفاظ على عقلٍ واعدٍ كعقله. ولكن شيئًا من هذا لم يحدث. لربما يجدر بنا فهم أصل المشكلة، لنفهم لماذا فشل كريس لانغان في الحصول على ما يريده في الوقت الذي نجح فيه عالم الفيزياء روبرت أوبنهايمر الذي قاد جهود الولايات المتحدة لتطوير القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية.

يسرد الكاتب القصتين، لأنه يؤمن بأن عقليهما متشابهان إلى حدٍ كبير من حيث الإمكانيات، ولكن مساريهما مختلفان تمامًا. في الوقت الذي واجه فيه لانغان مشكلة في الجامعة، ورفضت الجهات المسؤولة التعاون معه، كان أوبنهايمر يواجه تهمة محاولة تسميم مدرسه في الجامعة. باختصار، كان متهمًا بجريمة، ولكنه لم يفقد فرصته، بل اكتفت الجهات المسؤولة بوضعه تحت المراقبة بهدف إصلاحه وتحويله إلى طبيب نفسي شهير في لندن ليتولى علاجه.

لو أن أوبنهايمر هو الذي احتاج إلى تغيير جدول الحصص، هل كان سيفشل في إقناع المسؤولين بالفعل؟ بحسب تحليل الكاتب، بالتأكيد سينجح أوبنهايمر فيما فشل فيه لانغان، وليس لأنه يفوقه في الذكاء، بل لأنه يملك ما يُطلق عليه عالم النفس روبرت ستيرنبرغ "الذكاء العملي"، الذي يُعلّم الشخص ما يجب أن يُقال، ولِمن، وكيف يُقال لتحقيق الأثر المرجو. هذا الذكاء لا يُقاس بالطرق المعهودة، وهو مختلف عن الذكاء التحليلي، الذي تقيسه اختبارات الذكاء.

يوجد الذكاء التحليلي جزئيًا في الجينات، وهو واضح في حالة لانغان، الذي تكلم عندما كان عمره ستة شهور فقط، وتعلم بنفسه القراءة في الثالثة من عمره. أما الذكاء العملي، فهو مجموعة من المهارات التي يجب أن نكتسبها، ونتعلم هذه الاتجاهات والمهارات في العادة من العائلات التي ننشأ فيها. يستشهد الكاتب هنا بدراسة هامة لعالمة الاجتماع أنيت لارو، والتي درست مجموعة من طلبة الصف الثالث الابتدائي من مختلف الخلفيات، فاختارت تتبع طلبة من ذوي البشرة البيضاء والسمراء من العائلات الثرية والفقيرة على حدٍ سواء.

إذا كان أداء الأطفال في المدرسة سيئًا، فإن الآباء الأثرياء يتدخلون بالنيابة عن أطفالهم

لغايات الدراسة، أمضت لارو وفريق العمل ساعات طويلة مع العائلات، إذ رافقوا هؤلاء الأفراد إلى الكنائس ومباريات كرة القدم ومواعيد زيارات الأطباء ليوثقوا كل ما يحدث. توصلت الدراسة إلى أن هناك فلسفتين فقط للتربية بحسب الطبقة. تبيّن أن الآباء الأثرياء كانوا ينخرطون بشكل كبير بوقت فراغ أطفالهم، يتنقلون معهم من نشاط إلى آخر، ويسألون عن الأساتذة والمدربين الرياضيين والزملاء. على سبيل المثال، كان أحد الأطفال الذين تابعتهم لارو يلعب في فريق كرة القاعدة، وفريقين لكرة القدم، وفريق السباحة، وفريق كرة السلة في الصيف، كما كان يُشارك في الأوركسترا ويتعلم العزف على البيانو. في المقابل، كانت كل تلك الأنشطة غائبة تمامًا تقريبًا من حيوات الأطفال الفقراء، الذين اكتفوا باختراع الألعاب في الهواء الطلق برفقة أشقائهم وأقرانهم في الحي.

اقرأ/ي أيضًا: أغنية للخوف

علاوة على ذلك، لم يكُن الآباء من الطبقة الوسطى يصدرون الأوامر وحسب، وإنما كانوا يتوقعون من أطفالهم أن يتفاعلوا معهم ويفاوضوهم، وأن يُحاسبوا الراشدين في مواقع السلطة. إذا كان أداء الأطفال في المدرسة سيئًا، كان الآباء الأثرياء يتدخلون بالنيابة عن أطفالهم. لم تحضر طفلة تابعتها لارو امتحان التقدم لبرنامج خاص للموهوبين، فقامت والدتها بترتيب إعادة الامتحان لها بشكل منفصل، وقدمت اعتراضًا للمدرسة ومن ثم تم قبول ابنتها. في المقابل، يشعر الآباء الفقراء بالخوف من السلطة، ويفضلون الانسحاب.

تُجادل لارو بأنه لا يوجد أفضلية أخلاقية لأي من الفلسفتين في التربية، ولكن طريقة الآباء الأثرياء لها فوائد هائلة، إذ يتعرّض الطفل لمجموعة كبيرة من التجارب المتغيرة، ويتعلم العمل الجماعي وكيفية التأقلم على البيئات المُنظّمة. كما يتعلم كيفية التفاعل بأريحية مع الراشدين، وكيفية الحديث عند الحاجة إليه. بحسب وصف لارو، يتعلم الأطفال من الطبقة الوسطى حس "الاستحقاق"، والذي تعني به المعنى الجيّد للمصطلح، إذ يتصرفون كما لو كانوا بالفعل يتمتعون بحق تنفيذ تفضيلاتهم الشخصية، بينما يشعر أقرانهم من الطبقتين الفقيرة أو العاملة بالرغبة بالابتعاد وعدم الثقة، ويتصرفون كما لو أنهم مُكبلين بالقيود. لم يتعلم هؤلاء كيف يُغيرون أي بيئة لتحقيق مصالحهم الفضلى.

بالعودة إلى قصة كل من أوبنهايمر ولانغان، فهذا الذكاء هو ما تمتع به الأول وافتقر إليه الأخير. نشأ أوبنهايمر في واحدٍ من أثرى الأحياء في مانهاتن، وكان ابنًا لأم فنانة وأب يعمل في صناعة الملابس، بينما لا يذكر لانغان من طفولته سوى تصرفات زوج والدته الغاضب الثمل. لم يُعلمه أحد كيف يواجه العالم بنفسه أو يتفاوض مع السلطة، ولم يتعلم "الاستحقاق". قد يبدو الأمر بسيطًا، ولكنه عرقل حياته خارج حدود مدينة بوزيمان.

قد تكون الأمثلة السابقة من بيئات مختلفة عن بيئاتنا إلى حدٍ ما، ومن فترات زمنية سابقة، ولكن لا يتغيّر شيء سوى التفاصيل فيما تظل العلة الأساسية ذاتها: غياب تكافؤ الفرص في بلادنا وبلاد العالم يُحيل معظم قصص النجاح من حولنا إلى نكات سمجة علينا إعادة التفكير بها.

من المؤسف أن نرى وسائل إعلامية تحتفي بالمواهب دون تخصيص مساحة مماثلة للحديث عن المشاكل البنيوية التي تدفع بهؤلاء إلى المقدمة وتترك بقية الناس في صراع من أجل البقاء

يؤسفني أن أطالع منشورًا على الفيسبوك لصحفيين متخصصين بقضايا العدالة الاجتماعية يُقارن بين الشخص الناجح الذي يرغب بالنجاح فيستثمر وقته، حتى لو كان في السجن، فيما هو مفيد، بينما يفشل آخر ويظل يلوم المجتمع وكل ما هو خارج عن إرادته. يؤسفني أن يُعجب هؤلاء الذين نعوّل عليهم بالصورة الحالمة، ويغضوا البصر عن سياسات ممنهجة لحرمان القسم الأكبر من الناس من فرصة عادلة في المنافسة.

اقرأ/ي أيضًا: المخيمات تدبُّ الصوت

يؤسفني أن أطالع وسائل إعلامية محلية تُخصّص جل منشوراتها للاحتفاء بالمواهب المحلية دون تخصيص مساحة مماثلة للحديث عن المشاكل البنيوية التي تدفع بهؤلاء إلى المقدمة وتترك بقية الناس في صراع من أجل البقاء فقط. يؤسفني أن هناك من لا يمل من تكرار العبارة ذاتها بطرق مختلفة "انظر لفلان كيف نجح"، وينسى أن يُخبرنا من يكون فلان، وما الموارد التي توفرت له/ا، وإن كان عليه أن يقبل بأي وظيفة لإعالة عائلته وتأمين العلاج.

هذه ليست دعوة للتخلي عن الموهوبين، بل هي دعوة أوجهها لنفسي، قبل أن أوجهها لغيري، لكتابة القصص بطريقة عادلة لا تنسى أن هناك مئات الآلاف من الناس الذين حاولوا، ولم يفلحوا، ولم يكُن العيب فيهم. هؤلاء ليسوا كسالى يغارون من الناجحين، بل هم بشر لم يكونوا مسلحين بما يلزم في الوقت والمكان المناسبين!

 

اقرأ/ي أيضًا:

موت المثقف وتسيّد التقني

رثاء الشوارع