24-ديسمبر-2020

مرت عشر سنوات على انطلاقة الربيع العربي (Getty)

مرّ فعليًا عقد كامل من الزمن على اندلاع احتجاجات الربيع العربي التي اندلعت شرارتها من مدينة سيدي بوزيد وسط تونس في الـ17 من كانون الأول/ديسمبر 2010. كانت حينها أنظار وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين تتجه إلى المدينة بعدما أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجًا على مصادرة السلطات المحلية للعربة التي كان يعمل عليها بائعًا متجولًا للخضار والفواكه، سرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى أنحاء البلاد تطالب برحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد لأكثر من عقدين بقبضة ديكتاتورية.

مرّ فعليًا عقد كامل من الزمن على اندلاع احتجاجات الربيع العربي التي اندلعت شرارتها من مدينة سيدي بوزيد وسط تونس في الـ17 من كانون الأول/ديسمبر 2010

بوعزيزي الشرارة الأولى لاحتجاجات الربيع العربي

تشير مجلة الإيكونوميست في مقال تحليلي لها إلى أنه ينظر لتضحية البوعزيزي بنفسه في تونس على أنها الشرارة التي أدت لاندلاع احتجاجات الربيع العربي في عدد من الدول العربية، حيثُ ساد تفاؤل كبير لدى المجتحين في الدول التي خرجت تطالب برحيل أنظمتها الحاكمة، وتوسّعت بشكل أكبر بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في دول تونس ومصر، وتبعًا لهما ليبيا واليمن، قبل أن تتوقف عند الاحتجاجات السورية التي تحولت لحرب دامية.

اقرأ/ي أيضًا: الحقيقة غير الجذابة عن إفشال الربيع العربي

لكن على عكس ما كان متوقعًا تصف المجلة كيف تراجعت الاحتجاجات في المنطقة بعد ما يقارب ثلاثة أعوام من اندلاعها،  مشيرةً إلى فشل التجربة المصرية بعد وقت قصير من نجاح الديمقراطية بإيصال أول رئيس عربي منتخب من الشعب إلى سدة الحكم، فيما دخلت ليبيا وسوريا واليمن في حروب أهلية، تحولت لاحقًا لتكون حروبًا بالوكالة بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة.

تبرز في مقدمة الأسباب التي أدت لفشل احتجاجات الربيع العربي – كما تشير الإيكونوميست– إلى إنفاق بعض دول الخليج مبالغ مالية طائلة لتهدئة مواطنيها خوفًا من توسع الاحتجاجات، كما كانت الحال مع السعودية التي شاركت بقمع الاحتجاجات البحرينية بعنف، بعد تدخلها بطلب من السلطات البحرينية، قبل أن تقوم بتقديم الدعم إلى جانب الإمارات للقوى المضادة لثورات الربيع العربي، وألحقتها بتوزيع مساعدات مالية ضخمة على السكان خوفًا من خروج الاحتجاجات على أراضيها.

الدول الغربية كانت تنظر للأنظمة على أنها ثابتة

في مثال على تعاطي الدول الغربية إلى جانب الولايات المتحدة مع احتجاجات الربيع العربي، ينقل تقرير لموقع دويتشه فيلله الألماني على لسان سفير فرنسا السابق لدى طهران فرانسوا نيكولو قوله فيما يخص الموقف الفرنسي من الاحتجاجات التونسية، إن وزارة الخارجية الفرنسية "كانت على دراية كاملة بهشاشة النظام التونسي".

ويوضح التقرير الألماني بأن المسؤولين الحكوميين الذين كان لديهم علاقات وثيقة من النظام التونسي حتى ما قبل عام 2010 "رفضوا الاستماع" لوجهة نظر الخارجية الفرنسية، وهو ما يتقابل مع حديث الباحث ستيفان لاكروا بإشارته إلى أن باريس كانت تنظر لنظام الرئيس المخلوع بن علي على أنه ثابت، وأن هذه "الدكتاتوريات ستستمر إلى الأبد"، إضافة لعدم أخذها قادة المعارضة "على محمل الجد".

وخلافًا لعملية التحول الديمقراطي التي بدأت في تونس، فإن الأنظمة في كافة الدول التي شاركت في احتجاجات الموجة الأولى، لا تزال تهيمن على الحكم، وتشير الإيكونوميست هنا إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري، مضيفةً بأن نظام حسني مبارك أعطى هامشًا من الحرية قياسًا بما هي الحال عليه اليوم في ظل نظام السيسي.

تواطؤ غربي وتوسع الحركات الجهادية

يمكن القول إن عديد الأسباب التي تفاعلت فيما بينها كانت السبب وراء فشل احتجاجات الربيع العربي التي بدأت قبل عقد من الزمن، إذ يبرز من بين الأسباب صعود القوى الإسلامية الراديكالية التي حاولت استثمار الاحتجاجات لفرض هيمنتها على الحكم، وفي هذا المحور يقول روبرت وورث مؤلف كتاب "الغضب لأجل النظام"، إنه "لم تحتج فلسفة اللاعنف في الاحتجاجات إلى وقت طويل لتختفي في ساحات القتال في ليبيا وسوريا واليمن".

ويتابع موضحًا أن "الجهاديين راقبوا انهيار الدولة في الدول الثلاث"، قبل أن يصعدوا إلى القمة بعد إعلان زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبي بكر البغدادية عودة الخلافة الإسلامية في عام 2014، في مناطق امتدت بين العراق وسوريا لتفوق بذلك مساحة بريطانيا، مما أثار الذعر بين الدول الغربية التي تحولت من دعم احتجاجات الربيع العربي إلى قتال تنظيم الدولة، في مقابل تجاهلهم لممارسات الأنظمة الاستبدادية القمعية التي عملت على تقديم نفسها كحصن في قتال التنظيم المتطرف.

لكن ذلك لا يعني أن القوى الغربية لم تكن عاملًا في فشلل الربيع العربي، كما يشير الدبلوماسي الأممي السابق محمد البرادعي بوصفه احتجاجات الربيع العربي "فرصة ضائعة للشرق الأوسط من أجل التحديث واتخاذ الخطوات الأولى على طريق الحرية والديموقراطية"،مضيفًا بأن القوى الغربية اختارت أن تكون "مراقبًا صامتًا بدلًا من أن تكون مؤيدًا نشطًا للربيع العربي".

ويمضي البرادعي موضحًا أن القوى الغربية لم تكن تملك "الأدوات ولا المؤسسات" للتأثير في التحول الديمقراطي في المنطقة، إذ أنها رأت من غير الممكن "القفز من ستين عامًا من الاستبداد إلى ديموقراطية كاملة"، يضاف عليها وفقًا للبرادعي "غياب رؤية متوازنة وسياسة طويلة الأمد" من القوى الغربية التي كانت تنظر للأنظمة العربية على أنها ثابتة.

عند النظر لتقييم وجهة نظر الباحثين بما يخص رؤية القوى الغربية للربيع العربي، فإنهم يتفقون على أن القوى الغربية الفاعلة كانت "عمياء وتفتقد للشجاعة اللازمة لاقتناص زمام المبادرة"، وهو ينعكس في حديث المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي نديم حوري الذي يرى بأن القوى الغربية "استغرقت أشهرًا عدّة للتفكير في الأمر"، قبل أن "تغلق الباب سريعًا في وجه تجربة التغيير الديموقراطي هذه"، وعلى الرغم من عدم تحميل حوري القوى الغربية مسؤولية ما حصل، فإن القوى الغربية وفقًا لخوري "في ظل هذا الفشل الهائل والخسائر، وهذه المأساة الإنسانية، فوّتت موعدها مع القدر".

كذلك لا يمكن إغفال التقارير التي تحدثت عن الدور الإسرائيلي الذي لعب دورًا في بقاء الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، والتي أشارت إلى أنه كان من مصلحة تل أبيب أن يكون هناك "عنوان واحد يمكن إجراء التفاوض معه ونقل الرسائل إليه"، في إشارة لتقاربها مع الأنظمة الشمولية الحاكمة، والذي علق عليه وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس بالقول إن كل المؤشرات تدل على أن الجماهير العربية غير معنية أن تكون طرفًا في قواعد اللعبة التي تصر أنظمة الحكم على فرضها.

كما يضاف إلى ذلك صراع القوى الغربية الكبرى على توسيع نفوذها عالميًا من خلال إنشائها شبكة من التحالفات الدولية والإقليمية التي أدت إلى زعزعزة الاستقرار في المنطقة، وساهمت بشكل كبير في فشل الربيع العربي، وتبرز الحالة السورية التي تشهد تضاربًا في المصالح بين القوى الغربية الكبرى في المرتبة الأولى، متبوعة بتضارب المصالح بين القوى الإقليمية في المرتبة الثانية، وتضارب المصالح بين القوى المحلية في المرتبة الثالثة، وأخيرًا امتلاك القوى الغربية الكبرى إلى جانب القوى الإقليمية وكلاء على الأرض، مما أدى إلى تعقّد الواقع على الأرض.

هل تعود احتجاجات الربيع العربي مجددًا؟

يتوقع الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن أرشين أديب مقدم عودة الاحتجاجات إلى المنطقة بشكل علني "في أقرب فرصة وكأنها تسونامي سياسي"، ويشدد في هذا الخصوص على أن "شعوب المنطقة وضعت معيارًا جديدًا للسياسة والحوكمة التي تطالب بها. ومنذ ذلك الحين، تقاس كل السياسات بحسب تلك المطالب"، ويتابع موضحًا أن "أي دولة لا تدرك هذه الحقيقة الجديدة يكون مصيرها الدخول في مواجهة".

وتأتي توقعات أديب مقدم لتتوافق مع ما نقله موقع واللاه العبري عن مصادر استخباراتية في الحكومة الإسرائيلية تخوفت من اندلاع احتجاجات مشابهة لاحتجاجات 2010، مرجعة سببها لانعدام الاستقرار الإقليمي، وتعاظم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وتطور التضامن الجماعي، والتي ترى أن جميعها من شأنها أن تشكل عواملًا تمهد لانفجار حركات احتجاجية شعبية واسعة النطاق وبقوة كبيرة في العالم العربي، مضيفةً بأنه سيكون اندلاع الاحتجاجات مفاجئًا عمّا كانت عليه قبل عقد.

لا يمكن إغفال التقارير التي تحدثت عن الدور الإسرائيلي الذي لعب دورًا في بقاء الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة

أخيرًا تجدر الإشارة إلى تقرير موقع ديلي بيست الأمريكي الذي توقع عودة الاحتجاجات إلى المنطقة بعد الانتهاء من أزمة فيروس كورونا الجديد، حيث أن الفيروس كشف عن حجم الفساد الذي يتجذر في الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة، وتفاقم الظلم الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، لافتًا إلى أن جميع المؤشرات تدل على أن موجة جديدة من احتجاجات الربيع العربي ستندلع بعد الانتهاء من الجائحة العالمية، وستكون أشد مما كانت عليه في السابق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحلة السيسي للبحث عن جهازٍ أمني من أبنائه

كريم مروة: ثورات الربيع العربي بوصلة نحو المستقبل