29-أكتوبر-2023
تغريدات

تغريدات لمارك رافالو وسوزان ساراندون (الترا صوت)

بالنسبة لنا، نحن شعوب المنطقة العربية، بل وحتى شعوب شرق المتوسط بصورة أكثر عمومية، لم يطرأ على فهمنا للقضية الفلسطينية أي تغيير جوهري قد يطال سردية الحق فيها، فبقي الوعي العربي والشرق متوسطي، عمومًا، محافظًا على رؤية متزنة تحمي الطبيعة الأخلاقية للقضية بعيدًا عن تعقيداتها السياسية كتركة مضطربة من الحقب الاستعمارية، وكشأن سياسي شديد الفرادة يربط الغرب بقضايا المنطقة دائم الاشتعال والمنغمس في حروب لا تنتهي.

ويُعيد، من جهة أخرى، وباستمرار، تشكيل العلاقات السياسية بين مجموعة الدول المستقلة ذاتها التي تشكّل، هي الأخرى، صورة عن التراث الاستعماري الأوروبي بحدودها الجغرافية والجغرافية السياسية، إذ لا شك أن القضية الفلسطينية كانت عاملًا من أهم العوامل التي نقلت دولًا كبرى مؤثرة فيها من مرحلة الرومانسية السياسية، الممتدة منذ ما بعد الاستقلال حتى الأنظمة الشمولية العسكرية، إلى مرحلة الواقعية السياسية التي أعادت تعريف القضية الفلسطينية بوصفها مسألة سياسية بحتة لا يؤدي الالتزام المفرط بسرديتها الأخلاقية إلى أي تقدّم نحو حلها النهائي العادل.

إطلاق وصف "السكان الأصليين" على الفلسطينيين من قِبل بعض نجوم هوليوود هو إعادة إنتاج نزيه للحقيقة التاريخية للقضية الفلسطينية

أعادت الواقعية السياسية، التي قاد لواء تنظيراتها السياسية الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ترتيب العلاقات العربية الغربية، وشملت حتى بعض الدول الإسلامية ودول المعسكر الشرقي المنخرط في الحرب الباردة مع الولايات المتحدة. وأدى هذا الترتيب الجديد إلى ظهور مصطلح "محور المقاومة والممانعة" في مواجهة نادي دول الاعتدال.

سعى كل محور لتفسير السردية الأخلاقية لفلسطين بما يتوافق مع رؤاه السياسية، إذ رأى محور الاعتدال الذي انضوت تحت لوائه دول عربية بالتدريج، وليس دفعة واحدة، أن الحقيقة التاريخية في القضية الفلسطينية يمكن أن تكون أداة لتحصيل أكبر قدر من المكاسب السياسية في طريق الحل النهائي، بينما تمسّك محور المقاومة بالسردية الأخلاقية بوصفها جوهر القضية بالمعنى السياسي والتاريخي.

أدى هذا الانقسام، في تفسير الحقيقة التاريخية ببُعديها السياسي والأخلاقي، إلى انكفاءها أكثر فأكثر نحو الداخل، أي في محيطها الاجتماعي العربي والشرق أوسطي، بينما ظهرت كقضية سياسية بحتة في السياق الاجتماعي الأوربي والغربي عمومًا. بل وأنهكت الذاكرة الإبداعية الفلسطينية نفسها وهي تحاول مقاومة السردية الإسرائيلية المضادة، والتي كانت تتمدد ويتسع مداها الاجتماعي في العالم الغربي بوصفها سردية أخلاقية أولًا قبل أن تكون قضية سياسية.

ولا حاجة لنا لنتوسع في شرح مدى سيطرة اللوبيات الصهيونية و"اليهودية" المناصرة لإسرائيل على الميديا، وعلى أهم مظاهرها قوة وهي "هوليوود"، التي ساهمت إلى حد بعيد، وعلى مدى قرابة الخمسين عامًا، من تأصيل السردية الإسرائيلية في الوعي الجمعي والخطاب الغربي العام، حتى أن هذا الوعي تسلل إلى الأجيال اللاحقة في بعض الدول العربية وعموم الشرق الأوسط.

إذًا، ما الذي حدث حتى بتنا نشهد مؤخرًا تآكلًا تدريجيًا "للسردية الأخلاقية الإسرائيلية"، وحضورًا متصاعدًا للسردية الفلسطينية، على الأقل في الوعي العام النخبوي متمثلًا في وسط الصناعة السينمائية في "هوليوود"؟

يمكننا أن نرصد في هذا السياق مجموعة من العوامل التي ساهمت في حضور القضية الفلسطينية بين مجتمع الصناعة السينمائية الأبرز والأكثر تأثيرًا على مستوى العالم، منها امتلاك النجوم أنفسهم منصاتهم الخاصة التي يتابعها الملايين حوال العالم، بحيث لم يعد تأثيرهم منحصرًا بالعمل المؤسساتي الأممي أو المهني الذي يخضع في كثير من نواحيه لتوازنات خطابية سياسية تصطفي، وتفلتر، آراء النجوم وفق ما تقتضيه المصلحة السياسية المتشابكة، بشدة، مع تعقيدات التمويل والتسويق والربح، إذ منحت مواقع التواصل الاجتماعي للنجوم هامشًا من الحرية لم يكن متوفرًا لهم قبلها.

ورغم محاولات تطويع وتقليص هذه المساحة، لكنها بقيت حتى الآن خارج سطوة اللوبيات ومؤسسات الإنتاج، واقتصر دور هذه اللوبيات على ممارسة الضغوط وإطلاق حملات التشهير ومحاربة النجوم المتبنين للسردية الفلسطينية مهنيًا، لكنها لم تفلح حتى الآن من فرض السيطرة على الحسابات الشخصية للنجوم وتوجيهها.

العامل الآخر الذي أجده أكثر أهمية وجوهرية من الهامش الذي وفّرته وسائل التواصل، على أهميته، هو الطريقة التي فهم بها النجوم المتضامنون القضية الفلسطينية نفسها، إذ كان ابتعادهم عن التعقيدات السياسية التي تسم هذه القضية ذو أثر إيجابي، حيث سمح بإخراج القضية من محبسها الأيديولوجي  وأدى  إلى تفكيك السمة القداسوية الدينية المؤطرة لها، والتي تظهرها للغرب، عمومًا، بوصفها قضية تكتسب شعبية متزايدة بسبب البعد الديني المقدس الذي تمثله، والذي وضعها لوقت طويل في مضمار ضيق يصورها على أنها صراع بين المسلمين واليهود.

لقد سمحت الصناعة السينمائية، منذ مطلع الألفية الجديدة، بنقاش الحقائق التاريخية والتحرر من عقدة الذنب التاريخية تجاه الخراب الذي أحدثته الميثولوجيا الأمريكية التي شكّلتها عمليات الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، وسفن العبيد المختطفين من مرابعهم الأفريقية. ميثولوجيا أسطورتها الأزلية هي المحو والإحلال؛ محو الثقافة المحلية للأرض الجديدة بناسها ولغتها وآثارها، وإحلال الأفارقة في الأرض الجديدة كعبيد يباعون ويشترون ويعملون لصالح الرجل الأبيض حتى الموت.

إن استحضار صورة الرجل الأبيض القاتمة وهو يحاول نشر الحضارة الأوروبية بين مجاميع من الهمج المتوحشين، يعادل رمزيًا صورة الإسرائيلي الذي يبرر وجوده وجرائمه من خلال تبني سردية "الدولة الديمقراطية الوحيدة" وسط بيئة من الأنظمة شمولية واستبدادية.

لقد ساهم إسقاط بعض نجوم هوليوود الميثولوجيا الأمريكية على القضية الفلسطينية بتدعيم سرديتها الأخلاقية، وبإخراجها من ذلك الإطار الديني الضيق، خاصةً أن ثمة وعيًا شديد الحساسية آخذ بالتشكل في الأوساط الاجتماعية الأمريكية، والأوروبية، تجاه إعادة إنتاج تعريفات جديدة للحقائق التاريخية تجرد الرموز السياسية الأمريكية من وطنيتها، وتعرفهم بوصفهم "مجرمي حرب" قادوا حملات "إبادة جماعية" للسكان الأصليين.

وإطلاق وصف "السكان الأصليين" على الفلسطينيين من قِبل بعض نجوم هوليوود، هو إعادة إنتاج نزيه للحقيقة التاريخية، خاصةً أن التعريف السياسي لا ينفي عن إسرائيل صفة الاحتلال، وهذا ما يعيد كتابة حكاية فلسطين بشكل مبسط وواضح يصل التاريخ بالحاضر المعاش، وبأن أي حرب أو صدام الآن، أو في المستقبل، سوف يعيد استحضار الحقيقة التاريخية على الفور، ولن يبقى في إطاره السياسي المعتاد والمكرس منذ نحو ستين عامًا، وبالتالي ليس هناك أي حل سياسي من دون الارتكاز على الحقيقة التاريخية.

لقد ساهم نجوم سينمائيون كثر في هوليوود بتصدير هذا الفهم للقضية الفلسطينية عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل، التي يتابعها الملايين حول العالم. ولم يكن هذا التفسير الذي تبناه نجوم هوليوود بحاجة إلى تجريم إسرائيل وإدانة جرائمها التاريخية، والحالية، ذلك أنه عمل على تبسيط الحقيقة التاريخية حينما وصف فلسطين بأنها "أرض تاريخية لها سكان أصليون"، والذاكرة الجمعية الأمريكية والأوروبية التي تشعر بالعار تجاه هذه الميثولوجيا كفيلة بسحب العار ووصم إسرائيل به دون ضجة أو تصريحات نارية.

لم يكن يخطر في بال إسرائيل في أسوأ كوابيسها رعبًا أن تضطر لرؤية نفسها بوصفها امتدادً لتلك الميثولوجيا، أو أن تجد نفسها في وضعية مشابهة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. هذه السردية التي تبناها بعض نجوم هوليوود آخذة بالاتساع. وبقدر ماهي بسيطة، فإنها مربكة وثورية لا تستدعي انحيازًا كاملًا للفلسطينيين، ولا تجريمًا مطلقًا للإسرائيليين، فهي تضع فلسطين في سياق تاريخي مغاير تفهمه المجتمعات الأوروبية والأمريكية جيدًا، وبه تدعو إلى حل سياسي مجرب ملتزم بالحقيقة التاريخية، ولا يجازف باتهام إسرائيل بشيء، لا تعترف هي نفسها به، بأنها تحتل أراض فلسطينية وأنها سلطة استيطان.

ساهم إسقاط بعض نجوم هوليوود الميثولوجيا الأمريكية على القضية الفلسطينية بتدعيم سرديتها الأخلاقية في المجتمعات الغربية

ولا بد لنا أن نذكر بعضًا من هؤلاء النجوم السينمائيين اللذين أسهموا في شيوع هذه السردية وانتشارها، وكانوا حريصين دائمًا على استعمال مصطلح السكان الأصليين في معظم منشوراتهم، ومنهم إيما تومسون التي دعت إلى مقاطعة مهرجان مسرحي إسرائيلي بسبب ارتباطه بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. ومارك رافالو الذي يدعو الفلسطينيين في معظم منشوراته على منصة "إكس"، وفي أعمدة الصحف التي يكتب فيها، بـ"السكان الأصليين". بل إنه نشر بعد أحداث الشيخ جراح عريضة للتوقيع لفرض عقوبات على إسرائيل مشبهًا إياها بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ووقع عليه حينها قرابة المليونين ونصف المليون شخص.

يُضاف إليهم الممثلة الإسبانية بينيلوبي كروز وزوجها خافيير بارديم، اللذان وقعا على عريضة إسبانية مفتوحة تدعو الاتحاد الأوروبي إلى الضغط من أجل وقف الحرب على غزة، إلى جانب المخضرمة سوزان ساراندون التي نشرت إحصائيات تاريخية عن انتهاكات إسرائيل، وخريطة لفلسطين التاريخية. ناهيك عن كل من فيولا ديفيس الحاصلة على الأوسكار، وإدريس ألبا، ومايكل ب. جوردان.

بالإضافة إلى الممثلة الشابة إيما واتسون التي أعلنت في منشور على حسابها في "إنستغرام" تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وتعرضت وقتذاك لحملة تشويه وانتقاد كبيرة، تضامن معها على إثرها حوالي 40 نجمًا من هوليوود، وقدموا لها الدعم مؤكدين على ضرورة نيل الشعب الفلسطيني لحريته.