16-سبتمبر-2023
الصين

كشفت شركة هواوي الصينية للصناعات التقنية منذ أيام، ودون أي حملة إعلانية، النقاب عن أحدث هواتفها الذكية، هاتف Mate 60 Pro، وذلك بالتزامن مع زيارة وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو للأراضي الصينية، والذي شكّل الكشف عنه صدمةً لدى صنّاع القرار الأميركيين لاحتوائه على معالج بشريحة "كيرين 9000s" المُصنّعة بواسطة الشركة الصينية الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، المملوكة جزئيًا للدولة، وباستخدام تقنية 7 نانومتر المتقدمة، وفقًا لعملية تفكيك أجرتها شركة TechInsights للهاتف.

ورغم أن هذا النوع من الشرائح ليس جديدًا على الإطلاق، إذ كشفت عنه شركة آبل لأول مرة في هاتف محمول في سبتمبر/أيلول 2018، إلا أن نتائج تفكيك هاتف هواوي الجديد وادعاءات المستخدمين الأوائل حول الأداء القوي للهاتف تشير إلى أن الصين تحرز بعض التقدم في تطوير الرقائق المتطورة، حتى مع تشديد واشنطن خلال السنوات الأخيرة بتشديد العقوبات لمنع وصول الصين إلى الأدوات اللازمة لصناعة الشرائح المتقدمة.

وبالفعل، أطلقت الحكومة الأميركية تحقيقًا رسميًا في الشريحة لمعرفة ما إذا تم الالتفاف على العقوبات وحصول الشركة الصينية الدولية على بعض التقنيات الأميركية التي لم يُجدر بها الحصول عليها بسبب إدراجها على القائمة السوداء الأميركية، وذلك في ظل تصاعد التوترات بين القوتين العظميين بشأن إثبات علوّ الكعب التكنولوجي.

ضربات أميركية متوالية على الشرائح الصينية

لفهم أسباب تحرّك الإدارة الأميركية لفتح تحقيق حول الأمر، تجب العودة إلى عام 2019 وبداية "الحرب التجارية" التي شنّتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وشملت حملة مضايقة وعقوبات على مجموعة شركات صينية كبرى منها شركة هواوي، التي كانت على وشك تحقيق الريادة العالمية في تقنيات اتصال الجيل الخامس وتطوير عدد كبير من الهواتف الذكية ذات المواصفات المميزة والأسعار المنافسة.

بدأ ترامب وإدارته حملة ضد "هواوي" من خلال حزمة عقوبات على الشركة منعت العديد من البلدان من شراء منظومة الجيل الخامس منها، ثم منعت استخدام هواتف هواوي لأي خدمة أميركية. ولهذا لا تحوي هواتف هواوي على متجر تطبيقات غوغل ولا خدمة من خدمات أندرويد المرتبطة بغوغل. أما المرحلة الثالثة من العقوبات استهدفت صناعة الشرائح الإلكترونية.

رغم العقوبات الأمريكية، نتائج تفكيك هاتف هواوي الجديد وادعاءات المستخدمين الأوائل حول الأداء القوي للهاتف تشير إلى أن الصين تحرز بعض التقدم في تطوير الرقائق المتطورة

إذ كانت هواوي، مثل بقية شركات الهاتف المحمول، تشتري الشرائح اللازمة لصناعة الهواتف من تايوان والولايات المتحدة. لكن ذلك لم يعد ممكنًا. وعندما حاولت الصين شراء أجهزة الطباعة الحجرية فوق البنفسجية الفائقة (EUV) الذي تصنعه شركة ASML الهولندية الرائدة في صناعة أشباه الموصلات، تدخلت إدارة ترامب، ومنعت حصول الاتفاق. وكل ما بقي لدى الصين اليوم، أجهزة تصنيع من الجيل السابق، تسمى أجهزة الطباعة الحجرية فوق البنفسجية العميقة (DUV)، والتي تستطيع صناعة أشباه موصلات بقياس 28 نانومترًا و14 نانومترًا فقط.

الصين

استمرت العقوبات مع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن وتوسعت. قبل أقل من عام، فرضت أميركا مجموعتها الشاملة من العقوبات ضد صناعة أشباه الموصلات الصينية. وتوقّع الخبراء حينها أنّ الإجراءات ستقتل الصناعة أو على الأقل تجمّد تقدّمها التكنولوجي عند رقائق 28 نانومترًا. لكن هاتف Mate 60 Pro الجديد من هواوي أعاد خلط الأوراق.

وبحسب نتائج تفكيك الهاتف الأولية، اتّضح أنه يتكوّن بنسبة عالية "بشكل غير عادي"، بحسب الشركة المُفكِّكة، من الأجزاء الصينية، وتشير الترجيحات الأولية -التي لم تُجزم بعد- إلى أن الخبراء الصينيون طوّروا معدات (DUV) التي اشتروها منذ زمن من ASML، بحيث أصبح في إمكانها صناعة أشباه موصلات بقياس 7 نانومترات، ما يعكس التقدم التقني التي وصلت إليه البلاد.

استنفار دبلوماسي

عندما ناشد المسؤولون في بكين وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو تخفيف العقوبات التكنولوجية، اتخذت موقفًا حازمًا وقالت للصحفيين خلال رحلتها الأخيرة إلى الصين: "بالطبع قلت لا. نحن لا نتفاوض بشأن مسائل الأمن القومي". إلا أن الكرة انتقلت إلى الملعب الصيني بعد أقل من 48 ساعة مع الإعلان عن هاتف هواوي الجديد.

ناشد المسؤولون في بكين سابقًا وزيرة التجارة الأمريكية لتخفيف العقوبات التكنولوجية، لكنها اعتبرت الأمر غير قابل للتفاوض، لكنّ الكرة انتقلت الآن للملعب الصيني

دفع هاتف هواوي الجديد وشريحته الرئيسية ذات الـ 7 نانمترات وسائل الإعلام الحكومية الصينية إلى التباهي بأن سياسة "القمع الشديد" التي تنتهجها الولايات المتحدة قد فشلت. وعلى الرغم من أن الغرب لا يزال السبّاق في تصميم الرقائق المتطورة، إذ وصل إلى شرائح بحجم 2 نانومتر فقط، وتعتبر تايوان -المنتمية إلى المعسكر الغربي- الرائدة عالميًا في التصنيع، تبقى هناك مخاوف من أن تلحق الصين بالركب، حيث ترى بكين أن الرقائق هي عنصر أساسي في خطتها للسيطرة على مجموعة واسعة من التقنيات على مستوى العالم، كالحوسبة السحابية والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.

فالعامل الأكثر أهمية في أي شريحة هو الحجم، أو قدرة الشركات المصنعة على حشر المزيد من الطاقة الحاسوبية في نفس المساحة. على هذا المقياس، يتم قياس حجم الترانزستورات الموجودة على الشريحة بالنانومتر، وأصغرها هو أقواها، وهو الموجود في هاتف iPhone 15 Pro Max الذي أعلنت عنه آبل منذ يومين، وهو معالج ذو شريحة بحجم 3 نانومتر (مع الإشارة إلى أن النانومتر الواحد يساوي واحد على مليار من المتر).

الصين

مهندس الأمن السيبراني المقيم في واشنطن دلشاد عثمان يرى أنه من المبكّر القول إن العقوبات الأميركية على هواوي قد فشلت، إذ يقول في حديث خاص لـ "ألتراصوت": "هواوي كانت شركة الهواتف المحمولة الأولى عالميًا في السابق، إلا أن العقوبات جعلتها تشارف على الانتهاء في غضون سنتين. والهدف الأميركي ليس إنهائها تمامًا".

ويضيف: "الموقف الأميركي قابل للتغيّر دومًا. وبعيدًا عن هواوي، يمكن لشركات صينية أخرى الحصول على شرائح وتقنيات معينة. والعقوبات في نهاية المطاف هي قيود مؤقتة، وكما شاهدنا أثناء زلزال فبراير رُفعت العقوبات جزئيًا عن سوريا لستة أشهر"، ويشير عثمان إلى أن العقوبات إجمالاً ليست إجراءً محبوبًا في السوق الأميركية، وفي أي سوق مفتوح آخر، فهي ضارة ليست نافعة دومًا من وجهة نظر اقتصادية بحتة".

في السابق، كان يُعتقد أن الصين لم تتقن سوى صناعة رقائق بحجم 14 نانومتر محليًا في أحسن الأحوال، في حين أن العقوبات الأميركية تقيد الشركة باستيراد شرائح بحجم 16 نانومتر كحد أدنى من الغرب. ومع ذلك، يستخدم المعالج المركزي في هاتف Mate 60 Pro شريحة بدقة 7 نانومتر، وهي الشريحة الصينية الأكثر تقدمًا على الإطلاق، بحسب الشركة التي فكّكت الهاتف وفحصته.

رئيس لجنة الصين في الكونغرس: "لقد حان الوقت لإنهاء جميع صادرات التكنولوجيا الأميركية إلى كل من هواوي والشركة الصينية"

 

إحدى الإجابات التي طرحها أحد كبار المشرعين الأميركيين يوم الأربعاء الفائت حول استطاعة بكين تحقيق هذا الاختراق التقني كانت خرق العقوبات غير القانوني. إذ قال مايكل ماكول، الجمهوري الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، عندما سئل عما إذا كان يبدو أن الشركة الصينية الدولية لصناعة أنصاف النواقل قد انتهكت العقوبات: "يبدو بالتأكيد أنهم فعلوا ذلك". واقترح أن يفتح الكونجرس تحقيقًا.

وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، يوم الثلاثاء الفائت، إن البيت الأبيض يسعى للحصول على “مزيد من المعلومات”. بينما دعا الجمهوريون بايدن إلى تشديد العقوبات على الشركتين الصينيتين. يقول مايك غالاغر، رئيس لجنة الصين في الكونغرس: "لقد حان الوقت لإنهاء جميع صادرات التكنولوجيا الأميركية إلى كل من هواوي والشركة الصينية  لتوضيح أن أي شركة تنتهك القانون الأميركي وتقوض أمننا القومي سيتم عزلها عن التكنولوجيا التي لدينا".

ويقول عثمان في حديثه لـ "ألتراصوت" إن الأميركيين يدركون تمامًا أن الصين دولة متقدمة ومتطورة تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والهدف ليس القضاء عليها، بل مجرّد إبطاء التنافس وإبقائها خلف الولايات المتحدة "فالاقتصادان متداخلان بشدّة، وعندما يشهد الاقتصاد الصيني ركودًا تنخفض الأسهم في الولايات المتحدة".

وفي الوقت نفسه، فتحت شركة SK Hynix الكورية الجنوبية أيضًا تحقيقًا مستقلًا لتحديد كيفية وصول رقائق الذاكرة الخاصة بها إلى هاتف هواوي الجديد. وقال متحدث باسم الشركة لوكالة بلومبرج إن شركة SK Hynix ألغت جميع عقودها مع هواوي بعد فرض العقوبات الأميركية لأول مرة على الشركة الصينية.

تفسيرٌ آخر يعتقد به بعض المحللين أن شريحة الـ 7 نانومتر المصنوعة من قبل الشركة الصينية الدولية لصناعة أنصاف النواقل قد تكون جزءًا من نموذج أولي محدود يُستخدم لأغراض الدعاية ليس إلا. إذ يشكّك الخبراء في أن الشركة المصنعة كانت قادرة حقًا على حل مشكلة الإنتاج الضخم، مشيرين إلى أن صانعي الرقائق الغربيين استغرقوا سنوات للتغلب على صعوبات حشر الكثير من الترانزستورات على شريحة صغيرة من السيليكون.

ومع ذلك، هناك دلائل على أن الإنتاج قد يتزايد عمومًا. وكانت هواوي قد اتُهمت بالفعل ببناء سلسلة من المصانع "السرية" في جميع أنحاء الصين تحت أسماء شركات أخرى، في محاولة للتحايل على العقوبات الأميركية واستيراد التكنولوجيا التي تحتاجها. فيما لم تؤكد الشركة ذلك أو تنفيه.

فخر صيني

قالت افتتاحية صحيفة جلوبال تايمز، الناطقة بلسان بكين، الأسبوع الماضي: "إن عودة ظهور هواتف هواوي الذكية بعد ثلاث سنوات من الصمت القسري يكفي لإثبات أن القمع الشديد الذي تمارسه الولايات المتحدة قد فشل".

وجاء في الافتتاحية "في الآونة الأخيرة، كانت بعض وسائل الإعلام الأمريكية متحمسة للادعاء بأشياءٍ من قبيل قيام شركة هواوي ببناء مصنع شرائح سري. وفي نهاية المطاف، يرجع كل هذا إلى الفشل في رؤية الاتجاه العام أو رفض الإيمان به، والتمسك بفكرٍ عفا عليه الزمن مفاده أن تكنولوجيا الشركات الصينية كلها مسروقة. [...] إنها في الأساس غطرسة واشنطن التكنولوجية، والولايات المتحدة ستدفع بالتأكيد ثمن هذه الغطرسة".

هواوي

وقال الدكتور مان فيردي، زميل باحث في العلوم والتكنولوجيا في المجلس الجيواستراتيجي البريطاني لصحيفة التلغراف: “في ظاهر الأمر، يعد هذا انتصارًا لشركة هواوي ويظهر أن الصين تعمل بنجاح على تنمية نظامها البيئي المحلي للشرائح وقدراتها التقنية. حقيقة أنهم تمكنوا من القيام بذلك هي علامة على تقدم كبير وضربة لجهود الولايات المتحدة للحد من هذا التقدم.

بينما يقول دان هاتشسون، نائب رئيس شركة TechInsights التي حلّلت الهاتف، إن هذا الاختراق من المرجح أن يؤدي إلى فرض عقوبات أكثر صرامة بينما تسعى إدارة بايدن جاهدة لمنع المزيد من التقدم. وقال: "قد تكون النتيجة على الأرجح قيودًا أكبر مما هو موجود اليوم".

وفي الوقت الراهن، يشعر القوميون الصينيون بالشماتة. إذ قال مستخدمو الإنترنت الصينيون مازحين الأسبوع الماضي إن رايموندو (وزيرة التجارة الأميركية) أصبحت سفيرة العلامة التجارية لشركة هواوي، نظرًا لتوقيت رحلتها مع الإطلاق.

ماذا عن الإنجاز الصيني القادم؟

من المؤكد أن القيود الأميركية التكنولوجية المفروضة على الصين أعاقت التقدم الصيني، وإن تم التحايل عليها، وإن كانت هواوي قادرة على إنتاج 7 نانومتر باستخدام التكنولوجيا الحالية، فإن الشرائح الأحدث تتطلب تقنياتٍ أكثر تقدمًا للتصنيع قد يكون الوصول إليها أكثر صعوبة بسبب استهدافها بقيود التصدير الأميركية، ما يعني أن الاختراق التالي قد لا يحدث بهذه السرعة.

ويرى دلشاد عثمان في حديثه لـ "ألتراصوت" إنه من المستبعد -وفق المعطيات الراهنة على الإقل- أن تحقق الصين اختراقها التالي، ولو كان لديها ما يمكّنها من أدواتٍ لأطلقت شريحةً بحجمٍ أصغر من 7 نانومتر. لكن ذلك قد يفتّح الأعين لدى الولايات المتحدة أن تتخذ نهجًا مخالفًا تحقق فيه مكسبًا على حساب الصين وترفع حزمةً من العقوبات عن بعض مزوّدي الشرائح الأميركيين ذات الاستخدام المحدود بهدف قتل الرغبة الصينية العارمة في الخروج من أزمتها الحالية، بحسب عثمان.

الشركات التي تعمل مع الصينيين في الصناعات الحساسة، مثل صناعة الشرائح، من شأنها أن تخاطر بإثارة غضب أميركا، الأمر الذي يجعل من الصعب عليها أن تكتسب مستقبلاً القدرة على الوصول إلى الموارد الأميركية في مجال التكنولوجيا الفائقة

ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر لا يكمن في التدخل الأميركي المباشر أو القيود المفروضة على الصين، بل في النظام البيئي التكنولوجي العالمي. فبموجب قانون الشرائح والعلوم الذي تم إقراره في عام 2022، يُحظر على الشركات أو الجهات المُستفيدة من منح برنامج الحوافز الأميركي البالغ 52.7 مليار دولار أمريكي الانخراط في أي بحث مشترك أو ترخيص تكنولوجي مع الشركات الصينية إذ كان سيتضمن أشباه الموصلات عالية التقنية أو غيرها من العناصر الخاضعة للرقابة.

وهذا يؤدي إلى تعقيد الصورة إلى حدِّ كبير، لأن صناعة أشباه الموصلات تتطلب مستويات متعددة من التنسيق والتعاون الدولي، ولم تُصنع بشكلٍ منفرد حتى الآن. إذ تأتي المواد الأولية لصناعة الشرائح من الصين واليابان وأوكرانيا، فيما تأتي المعدات التي تنتج أشباه الموصلات المتقدمة من شركة ASML في هولندا، وهندسة الشرائح والبرمجيات التي يتم تثبيتها عليها تأتي من الولايات المتحدة. أما صناعة وإنتاج الشرائح الإلكترونية بعد الحصول على كل ما سبق، فتتم في تايوان، وغالبيتها لدى شركة TSMC.

فالشركات التي تعمل مع الصينيين في الصناعات الحساسة، مثل صناعة الشرائح، من شأنها أن تخاطر بإثارة غضب أميركا، الأمر الذي يجعل من الصعب عليها أن تكتسب مستقبلاً القدرة على الوصول إلى الموارد الأميركية في مجال التكنولوجيا الفائقة. ومع ذلك، ليس من المستحيل أن يتم تسريب الأسرار بطريقة أو بأخرى في مثل هذه المتاهة.

نزعة تكنولوجية قومية في الصين

وإدراكاً للضغوط التكنولوجية الأميركية الشاملة ضدها، تبنت الصين نهجًا يشمل المجتمع بالكامل ضد ما تعتبره "قوى أجنبية معادية" تسعى لاحتوائها وهزيمتها. ففي الشهر الماضي، حذرت وزارة أمن الدولة، التي تشرف على أنشطة الاستخبارات الصينية، من أنشطة التجسس التي تتم ضد البلاد ودعت إلى "مشاركة الجماهير" ضد مثل هذه التهديدات الخارجية.

الصين

وكشف تقرير نشرته رويترز مؤخرًا أن الصين أعادت إحياء خطة "الألف موهبة" بهدوء لتوظيف خبراء أجانب، في محاولة لتسريع كفاءتها التكنولوجية والتغلب على قيود التصدير الأميركية. تتضمن حملة التوظيف المجددة امتيازات مثل إعانات شراء المنازل ومكافآت توقيع نموذجية تتراوح بين 3 ملايين إلى 5 ملايين يوان (400 إلى 700 ألف دولار أميركي تقريبًا).

كل هذا جزء من هدف الحكومة الصينية لتحقيق الاعتماد على الذات في مجال أشباه الموصلات، في صناعة يقال إنها تواجه نقصًا بنحو 200 ألف شخص، بما في ذلك المهندسين ومصممي الشرائح، وفقا لتقرير صيني صدر عام 2021.

أسهم مرتفعة وأخرى في انخفاض

أثار اكتشاف الشريحة جدلاً في واشنطن حول فعالية العقوبات التي تهدف إلى احتواء المنافس الجيوسياسي الأكبر للولايات المتحدة، وما ضاعف أثر الكشف عن الشريحة الجديدة هو تزامنه مع تحرك الصين لتوسيع الحظر على استخدام أجهزة آيفون في الوكالات المدعومة من الحكومة والشركات الحكومية.

وكما تحاول الولايات المتحدة خنق قطاع التكنولوجيا في الصين منذ سنوات وسط مخاوف في واشنطن من تفوق الصين عسكريًا. نشأت لدى الصين، التي استاءت من القيود، مخاوفها الخاصة بشأن استخدام التكنولوجيا الأجنبية في الصناعات الحساسة، ما جعلها تسعى إلى تقليل اعتمادها على أنصاف النواقل الأميركية.

إن تضييق الخناق على استخدام هاتف آيفون يهدد بتقويض مكانة شركة آبل في السوق الصينية التي تولّد حوالي خمس إيراداتها، وحيث تنتج غالبية منتجاتها المميزة. وبالفعل، خسرت شركة آبل حوالي 200 مليار دولار من قيمتها السوقية في الأيام الماضية، مما زاد من سلسلة المخاوف بشأن تأثير الصين على المؤشرات الأميركية الرئيسية وإن كان التأثير طفيفًا حتى الآن.

ويختتم عثمان حديثه لـ "ألتراصوت" بالقول إن السوق الصيني مهمٌّ جدًا لآبل، لكنه، وبعيدًا عن الحظر والعقوبات الأميركية، يخسر قوّته الاستهلاكية يومًا بعد يوم بسبب بنيته الديمغرافية "الفئة الشابة اليوم، التي ستغدو أقلية بعد 10 سنوات، ستكون مُنهكةً بدعم كبار السن الذين سيشكّلوا الأكثرية، ما قد يقوّض قدرتها الشرائية، حتى وإن لم تفرض الحكومة الصينية أية قيود، وبالتالي تتأثر المنتجات الأميركية".

في المقابل، يشير عثمان إلى أن القوة الشرائية لدى السكان في دولٍ آسيوية أخرى، كالهند على سبيل المثال، آخذة في الارتفاع، وتدرك آبل والشركات الأميركية الأخرى ذلك من خلال التوسع في تلك الأسواق وتنويع سلة منتجاتها التي تجتذبها. لا شك أن آبل تمرّ بفترةٍ حرجة في الوقت الراهن، لكن يمكنها الخروج منها بتطبيق أحد الخيارين السابقين أو كلاهما.

على الجانب الآخر، ارتفعت أسهم شركات تصنيع معدات أشباه الموصلات الصينية بما يصل إلى 20 في المئة بعد أن حفزت أنباء التحقيق الأميركي الرهانات على أن القطاع سيتمتع بدعم متزايد من الدولة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ للصحفيين في مؤتمر صحفي دوري في بكين يوم الجمعة الفائت: "لقد عارضنا دائمًا تسييس قضايا التجارة والتكنولوجيا والتوسع وإساءة استخدام مفهوم الأمن القومي". وأضاف أن "العقوبات لن توقف تنمية الصين، بل إنها لن تؤدي إلا إلى تعزيز تصميم الصين وقدرتها على السعي إلى الاعتماد على الذات والابتكار التكنولوجي".