04-سبتمبر-2016

من فيلم "الملائكة لا تطير فوق الدار البيضاء"

توصف السينما على أنها المرآة التي تعكس صورة المجتمع، قصصنا، حيواتنا، وشخوصنا نراها بزاوية حية تتحرك وتصف واقعنا، بزاوية نظر مثقلة بنصيب من الخيال. طبعًا تختلف المعالجات السينمائية لواقعنا المعاش حسب وجهة نظر كل مخرج وسيناريست، فهناك من يوغل في الخيال الهلامي، البعيد كل البعد عن الواقع، وهناك من ينسخ طبق الأصل تفاصيل حياتنا، ويترجمها كما هي دون إضافات أو حتى مُحَسِنات سينمائية. وفي خزانة السينما المغربية، مئات القصص والسيناريوهات تحولت إلى أفلام سينمائية، وبدعم من المركز السينمائي المغربي، حيث زاد الكم الإنتاجي، ليصل متوسط الإنتاج السنوي إلى 25 فيلمًا، تراوحت بين ما هو كوميدي وآخر درامي، فهل استطاعت هذه الأفلام أن تجسد واقع المغاربة؟ وهل لامست خطوط الثالوث المحرم؟

ماذا عن واقعنا الراهن؟ هل تناولت السينما تابو السياسة في حياتنا الراهنة؟

اقرأ/ أيضًا: فيلم "حب وصداقة".. حين تلعب جين أوستن بذيلها

كيف تم توظيف التابوهات الثلاثة في السينما المغربية؟

1. السياسة

لسنوات طويلة، ظلت السياسة في المغرب من المواضيع المسكوت عنها، لكن عند نهايات التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة، وتزامنًا مع ما يعرف آنذاك بـ"العهد الجديد"، خرجت من رحم الإبداع أعمال جسّدت قصصًا حكتها أفلام كانت شاهدة على فترة ما يعرف بـ"سنوات الرصاص" في السبعينيات، إبان الاعتقالات السياسية والتعسف ضد كل أشكال الحرية، ولعل أبرز تلك الأعمال السينمائية، على سبيل الذكر، أفلام: "درب مولاي الشريف"، و"جوهرة بنت الحبس"، "ذاكرة معتقلة".

الشيء الذي يُؤاخَذ على هذه الإنتاجات هو اقتصارها فقط على حقبة زمنية ولت ومضت، صحيح أنها حفرت في ذاكرة المغاربة الجمعية مجموعة من التمثلات النفسية والاجتماعية والثقافية، اقتصرت على الخوف والترهيب والحذر من السياسة وكل ما يدور في فلكها، لكن ماذا عن واقعنا الراهن؟ هل تناولت السينما تابو السياسة في حياتنا الراهنة؟ 

في الوقت الراهن، تَبْقى التجارب السينمائية التي تتناول هذه التيمة بشكل جريء وجاد وعميق قليلة، ولا تعدو أن تتجاوز أصابع اليدين، ومن هذه التجارب نذكر فيلم "هم الكلاب" للمخرج هشام العسري، الذي استطاع أن ينال 22 جائزة على المستوى الوطني والدولي، وهو فيلم يحكي ويشخص الواقع السياسي والمجتمعي للمغرب، وللمنطقة أيضًا، خلال ما يعرف بـ"الربيع العربي".

غير ذلك تبقى الأفلام التي تتناول هذه التيمة، تنحصر معالجتها في توظيف نمطي، يقتصر أحيانًا في تجسيد السياسة دومًا في شخص "المقدم"، أو "مرشح الانتخابات المحلية"، وأحيانًا يتم توظيف السياسة بطريقة فجة ومبتذلة لا تراعي ذكاء ووعي المتلقي. وإلى حد ما، لم يستطع معظم المخرجين المغاربة ملامسة طابوه السياسة، وأن يلعبوا على وتره بشكل جريء وعميق، بمعالجة تقترب من معيشة المواطن البسيط وحياته اليومية المتخمة بحكايات تتلون بين ماهو ساخر كوميدي، ودرامي تراجيدي.

لا يختلف اثنان على أن الأفلام المغربية تحتوي على قدر مهم من المشاهد ذات الطابع الإغرائي

ويبدو أن بعض المخرجين حبذوا فكرة توظيف تيمتي الجنس والدين أكثر من السياسة، حتى تنال أعمالهم صبغة الجرأة وإثارة الجدل، و"الشو" الإعلامي، فكيف إذن وظفوا هاتين التيمتين؟ 

اقرأ/ أيضًا: بديع خيري.. موليير المصري

2. الجنس

لا يختلف اثنان على أن الأفلام المغربية تحتوي على قدر مهم من المشاهد ذات الطابع الإغرائي، ففي السنوات الاخيرة اعتمد معظم المخرجين المغاربة على تيمة الجنس كمعطىً تجاري، يلعب على الوتر الحساس للمتلقي، لكن هل تم توظيف هذه التيمة بمقاربة فنية؟ 
يرى متابعون للإنتاجات السينمائية المغربية بأن معالجة تيمة الجنس تتم في إطار درامي يبتعد عن الغاية الفنية، فمثلا فيلم "المنسيون" لمخرجه حسن بن جلون، على سبيل المثال، صَوَّرَ مشهد الاغتصاب بطريقة -يراها بعض النقاد- أنها تستجدي غرائز المتلقي أكثر من كونها لقطة تحمل في طياتها تعاطفًا إنسانيًا مع المُغْتصبة. الأمر نفسه نجده في أعمال أخرى من قبيل فيلم "الزين اللي فيك"، الذي أثار، العام الماضي، عاصفة من الجدل والاستهجان لدى معظم المتابعين المغاربة، حيث اعتبره البعض فيلمًا يقترب من الأعمال "الإباحية" منه إلى الأعمال السينمائية، وقد أحب المخرج "نبيل عيوش" في عمله أن يترجم حياة الدعارة بمراكش المغربية، بطريقة وصفت لدى بعض النقاد على أنها فجة وسطحية، وتثير استفزاز المتلقي، لكن في المقابل يرى البعض أن الفيلم يفضح واقع تجارة اللحم الرخيص، بأسلوب صادم يعبر عن "مشهد واقعي" ينكره المغاربة.

وعلى ما يبدو أن تيمة الجنس تم إقحامها في السنوات الأخيرة بمعالجة إغرائية مجانية مبالغ فيها، تختلط بألفاظ نابية، تخاطب الغرائز السفلية للمتلقي، دون أن ترتقي بفكره ووجدانه، وبدون أن تعتمد على مقاربة فنية تطرح نقاشًا مجتمعيًا جادًا، تبتعد عن التناول الرخيص والمبتذل لتيمة الجنس.

3. الدين

المغرب بلد يدين معظم سكانه بديانة الإسلام، وهو جزء لا يتجزأ من الشخصية المغربية، في بعده الروحي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ويعتبر تابوهًا يصعب النقاش فيه، من هنا يستوجب الحديث عن فكرة التدين لدى المغاربة، وإشكالية التناقض والنفاق الاجتماعي وعلاقتها بتدين الإنسان المغربي. ومن هنا يطرح السؤال كيف تمت معالجة تيمة الدين في الأعمال السينمائية؟

يبدو أن تيمة الجنس يتم إقحامها في السنوات الأخيرة، في المغرب، بمعالجة إغرائية مجانية مبالغ فيها

أفلام كثيرة تناولت هذه التيمة، نذكر منها "ماروك"، و"الجامع"، و"حجاب الحب". ففيلم "ماروك"، لمخرجته ليلى المراكشي، أثار عامي 2005 و2006 زوبعة من الجدل المجتمعي بين تيار إسلامي محافظ، وآخر حداثي ليبيرالي، فالتيار المحافظ اعتبر أن الفيلم يتضمن إساءة حقيقية لتعاليم الإسلام، بينما يرى الحداثيون أن العمل يعبر عن وجهة نظر المخرجة، النابعة من قناعاتها الشخصية، المتمثلة في إظهار رسالة التسامح والتعايش بين المسلم واليهودي.

اقرأ/ أيضًا: "كابتن فانتاستيك".. يوتوبيا خطرة

أما فيلم "حجاب الحب"، لمخرجه عزيز السالمي، فتناول تيمة الدين والتدين في قالب نمطي يقتصر على ظاهرة الحجاب، وانتشارها الواسع في صفوف الفتيات. الفيلم يريد أن يقارب فكرة التدين بفكرة ممارسة العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج المنتشرة في صفوف الشباب، لكن على ما يبدو أن الفيلم يفتقر إلى الأداء التمثيلي الجيد لبطلي الفيلم، إضافة إلى غياب قصة تحمل بعدًا دراميًا وتشويقيًا يحكي بعمق تفاصيل التناقض الكامنة وراء هذه الظاهرة.

ويمكن القول إن السينما المغربية لم تستطع أن تسبر أغوار الإنسان المغربي، وتطرح بعمق تناقضات شخصيته المركبة في علاقتها الجدلية مع الدين، فالأعمال على ما يبدو اكتفت فقط بتصوير المظهر فقط، دون الدخول المباشر لقلعة الغموض المكتنزة في الشخصية المغربية.

والملاحظ أيضًا، أن السينما بالمغرب لم تطرح نقاشًا مجتمعيًا جادًا وصريحًا بين المغاربة، (خصوصًا في تناولها للتابوهات الثلاثة)، ولأن معظم الأعمال تفتقر إلى محتوى فكري وأدبي عميق، فإن النتيجة هي ما نراها دومًا نقاشات سخيفة وفارغة، تقتات على "الشو"، وحب الظهور، والشهرة العابرة والقصيرة الأمد لبعض الفنانين والمخرجين والمثقفين. 

يتطلع المغرب إلى سينمائي يترجم أفكار وأحلام وهموم المغاربة، ويخاطب المغربي قبل الفرنسي

هل السينما المغربية مرآة تعكس واقع المغاربة؟

حتى نكون منصفين، وباستثناء بعض الأعمال الناجحة والخالدة والمبدعة في تفاصيلها، من قبيل "حلاق درب الفقراء"، و"وبعد"، و"هنا ولهيه"، و"الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء"، تبقى السينما المغربية بأفلامها الطويلة والقصيرة،  تحتاج إلى قوة سردية قوية، لسيناريست يستطيع أن يترجم أفكارنا وأحلامنا وهمومنا وتطلعاتنا بشكل مبدع، يخاطب المغربي قبل الفرنسي، يخاطب الوجدان والعقل، قبل أن يخاطب ما تحت الحزام. سيناريست ومخرج يبدعان في تحويل المأساة إلى كوميديا ساخرة تنتقم من آهاتنا، سينما تتمرد وتثور على القيم الجامدة، تستفز تناقضاتنا، والأهم من ذلك أن نرى فيها أنفسنا وكأنها مرآة.

اقرأ/ أيضًا:

"حب وسرقة ومشاكل أخرى".. ملهاة فلسطينية

لوحات فان جوخ تحكي قصة موته الغامضة