03-أبريل-2019

بوتفليقة ورئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح (رويترز)

الترا صوت - فريق التحرير

أربك تعيين رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، ضمن حكومة نور بدوي، بصفته نائب وزير الدّفاع الوطنيّ، الذّي هو الرّئيس بوتفليقة نفسه، شباب الحراك؛ إذ كانوا يعوّلون عليه في إزاحة ما يُسمّونها "العصابة"، من خلال تدعيم المادّة 102 بالمادتين السابعة والثامنة، اللّتين تمنحان للشّعب السّلطة الكاملة في اختيار حكّامه، وهو ما ذهب إليه القايد صالح نفسه، بعد الجمعة السّادسة للحراك السّلميّ، فإذا بهم يجدونه ضمن الحكومة، التّي دعا إلى إسقاطها.

أرادت الجماعة الرئاسية إحراج قايد الصالح بإدراجه في الحكومة المرفوضة شعبيًا لكنه استدرك الأمر بخطاب قال فيه إنه "لن يخون خيارات الشعب"

لاحقًا، ظهر أنّ الجماعة الرّئاسيّة أرادت إحراج رئيس أركان الجيش مع قوى الحراك، بإدراجه ضمن حكومتها المرفوضة شعبيًّا، حتّى تُظهره خائنًا لوعوده، فيتخلّى عنه الشّارع، بما يُسهّل عليها عزله نهائيًّا.

اقرأ/ي أيضًا: عبد العزيز بوتفليقة.. ختام "قسري" لسيرة رمادية

غير أنّه تدارك الأمر، وصرّح في خطاب له، ظهرت معه فيه وجوه وازنة داخل المؤسّسة العسكريّة على المنصّة نفسها، بما يظهر تماسكها؛ قال فيه إنّه من "مجاهدي ثورة التّحرير الوطنيّ"، ولا يمكنه أن "يخون خيارات الشّعب".

القايد يتدارك

للمرّة الأولى وصف قايد صالح الجماعة الرّئاسيّة بـ"العصابة"، واتّهمها بـ"محاولة زرع الفوضى وإدخال البلاد في متاهة، حتّى تتسنّى لها حماية مصالحها الضّيقة"، مشددًا على أنّ مؤسّسة الجيش تدعو فورًا إلى تطبيق المادّة 102، التّي تقضي بإعلان شغور منصب الرّئيس، مع المادّتين سبعة وثمانية، بما يحول دون وصول رئيس مجلس الأمّة عبد القادر بن صالح إلى رئاسة الدّولة مؤقّتًا، واستمرار حكومة نور الدّين بدوي، بحكم كونها صنيعة بوتفليقة.

في الأثناء، استبقت جماعة الرّئيس بقيادة شقيقه، الأحداث معلنة استقالته، مع فيديو يُظهره في المجلس الدّستوريّ مع رئيسه الطيّب بلعيز، الذّي استلم منه الاستقالة، التّي ستحال إلى البرلمان بغرفتيه للمصادقة عليها، حتّى يتم المرور إلى تطبيق المادّة 102، بتولّي عبد القادر بن صالح رئاسة الدّولة، والمادّة 104، بمنع إقالة أو تعديل حكومة نور الدّين بدوي، قبل الرّئاسيات، التّي ستنظّم في أجل أقصاه ثلاثة أشهر.

فرحة معلّقة

خرج قطاع واسع من الجزائريّين مباشرةً بعد انتشار خبر استقالة الرّئيس بوتفليقة، إلى الشّوارع والسّاحات العامّة، للاحتفال بما اعتبروه عهدًا جديدًا من غير بوتفليقة، الذّي أصبح يعني لهم رمزًا للفساد وإجهاض فرص التّغيير والتّنمية، وبقدرة الحراك الشّعبي والسّلميّ على خلخلة أوصال "العصابة" وإرغامها على إقناع الرّئيس المريض منذ عام 2013 على الاستقالة.

يقول الأكاديميّ والنّاشط إسماعيل مهنانة لـ"الترا صوت"، إنّ "الجزائريّين نجحوا في ما فشلت فيه شعوب المنطقة"، مضيفًا: "سنكون نموذج كلّ الشّعوب في التّغيير السّلميّ"، مستدركًا: "لكن لا يزال أمامنا عمل كبير. أوّله تحرير كلّ مؤسّسات الدّولة من الممارسات، التّي رسّخها عصر بوتفليقة طيلة 20 سنة".

يعدّد مهنانة المؤسّسات المعنيّة بالتغيير بالقول: "مؤسّسة القضاء عليها أن تتحرّر من التّشريع عبر الهاتف، وتباشر التّحقيقات في الفساد. والجامعات التّي حوّلها بوتفليقة إلى ثكنات يكتب فيها الزّملاء التّقارير بزملائهم يجب أن تستعيد دورها السّياسيّ والنّضاليّ كجماعة ضغط. والإعلام يحتاج إلى تطهير جذريّ بقبر كلّ الوجوه والممارسات القديمة. والنّقابات التّي دجّنها العهد السّابق هذه فرصتها الوحيدة لكي تدحر كلّ الزّبائنيّة القديمة وتضغط بأقصى ما لديها لتحرير قيمة العمل والإنتاج".

أخيرًا، يقول إسماعيل مهنانة: انتهى عصر الشّرعية الثّوريّة والرّيعية. وجاء عصر البرامج الاقتصاديّة وحكم الكفاءات الذّي لا رجعة فيه".

القايد صالح
تثار الشكوك حول نوايا القايد صالح

من جانبه يقول الإعلاميّ يوسف شنيتي، إنّه إذا لم ترفض مؤسّسة الجيش استقالة الرّئيس وتدعو إلى مرحلة انتقاليّة، بحيث يتمّ استقدام وجوه نظيفة للإعداد لانتخابات رئاسيّة حقيقيّة، "فسنكون تحت رحمة المادّة 102، التّي رفضناها أصلًا، بحيث يكون رئيس مجلس الأمّة ورئيس الحكومة المعيّنان من بوتفليقة نفسه المشرفين المباشرين على الانتخابات. وهذا يعني أنّنا لم نفعل شيئًا"، مشيرًا إلى أنه "على القايد صالح أن يبرهن على صدق ولائه للشّعب بمنع ذلك، وإلا فإنّ الحراك لن يتوقف".

رفض العسكرة

كثيرون رأوا في استخدام القايد صالح لضمير الأنا الذّي يحيل عليه، عوضًا عن الإشارة الجماعية للمؤسسة العسكرية، محاولةً منه للاستحواذ على ثمرة الحراك الشّعبيّ. عن ذلك يقول النّاشط ماسينيسا قبايلي لـ"الترا صوت"، إنّ "الجزائريّين تعاملوا مع المؤسّسة لا مع الشّخص، مضيفًا: "وكان على القايد صالح أن يشيد بكون الجيش سليلًا لثورة التّحرير، لا أن يشيد بكونه هو من مجاهديها، لأنّ الحراك يرفض أن يُسقط صنمًا مدنيًّا ليسلم المقاليد لصنم عسكريّ".

يرى كثيرون أن خطابات القايد الصالح واستخدامه لضمير الأنا الذي يحيل عليه، إنما هي محاولة للاستحواذ على ثمرة الحراك الشعبي

استطاع رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، بوقوفه إلى جانب الخيارات الشّعبيّة، لحدّ السّاعة على الأقلّ، أن ينتشل نفسه من قائمة الوجوه التّي طالب الحراك برحيلها. وبإمكانه أن يدخل إلى قائمة الوجوه التّي تحظى بمحبّة الشّعب، إذا منع تطبيق المادة 102 بالصّيغة البوتفليقيّة من جهة، وساهم من جهة ثانية في الإعداد لانتخابات نزيهة من غير أن يترشّح لها أو يفرض وجهًا لا يُحدث قطيعة جذريّة مع الماضي.
 

اقرأ/ي أيضًا:

بوتفليقة وحكومة الأمر الواقع.. وداع غير مكتمل للسلطة!

"مغالبة" الجيش والمحيط الرئاسي.. تصفية حساب على مائدة الحراك الجزائري