30-أكتوبر-2017

لا يبدو أن تفكك الاتحاد الأوروبي يخدم العرب وبلدانهم (جاك تايلور/Getty)

وقف أعضاء البرلمان الكتالوني يغنون أغنية Los Segadores، التي تعتبرها كتالونيا النشيد الوطني للإقليم أو "الدولة الوليدة"، كما يحلو لهم، وذلك مباشرة بعد إعلان برلمان كتالونيا قرار الاستقلال من جانب واحد. الكلمات كُتبت عام 1899، على الرغم من أن أصولها تعود إلى إحدى الأغاني الرعوية الرومانسية في القرن السابع عشر، إلا أن النص الذي كتبه جوايافينتس، تحول إلى النص الأكثر تعبيرًا عن التمرد والرغبات التحررية في كتالونيا.

يبدو المشهد الكتالوني جزءًا في حلقة تفكك الاتحاد الأوروبي، الضجر من استقبال اللاجئين، والذي تتصاعد فيه الحكومات اليمينية

وتعود الأغنية إلى الفلاحين الذين خاضوا ضد الملك الإسباني فيليب الرابع حربًا ضروسًا، الحرب الكتالانية، ضد الملك الذي أجبر وقتها الفلاحين الكاتلان على إيواء الجنود الإسبان القشتاليين في بيوتهم دون مقابل إبان حرب الثلاثين عامًا بين فرنسا وإسبانيا، الأمر الذي جعلهم يثورون ويعلنون استقلال الإقليم عن التاج الإسباني.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تُؤثر الأزمة الكتالونية على موقف المغرب من قضية الصحراء؟

عربيًا وكرد فعل، تحاول الحكومة المغربية إمساك العصا من المنتصف، فمشهد الاستقلال الكتالوني يجب أن يُرى بعين حذرة، لا هو ترحيب يُغضب حكومة مدريد، التي يجب أن تدعم المغرب في ملف الصحراء، ولا هو رفض واضح يعيق ملفات عدة اقتصاديًا وطموحًا بين كتالونيا والمغرب، ويبقى حزب اليسار الجمهوري الكتالوني مهمًا للمغرب لدعمه إعادة سبتة ومليلة. وهذا الحذر قد لا يستمر طويلاً خاصة وأن إعلان استقلال كتالونيا قد يقلق المغرب التي تحارب في معركة شبيهة في ملف البوليساريو.

وفي مقاربة تاريخية لمحاولة فهم المشهد الكتالوني وما قد يعنيه لنا عربيًا، نقرأ في كتاب تاريخ الحركات القومية في أوروبا على لسان الدكتور نور الدين حاطوم أن للدولة القومية، بعيدًا عن التفسير الماركسي للتاريخ الذي يُعطي ثقلاً للعوامل الاقتصادية دون المشاعر القومية والجوانب الإنسانية، تفسيرين، الأول هو التفسير الفرنسي أو النظرية الفرنسية عن القومية التي تسمى القومية اللاواعية، التي تعتمد العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، وهي التي تُعطي الأولوية "لاحترام الذات الإنسانية واستقلالها وعدم فرض إرادة أجنبية عليها، ومنها يستنتج روسو أن ارتباط الأفراد في مجتمع من المجتمعات يخلق بينهم روحًا عامة يقوم عليها الكيان السياسي للأمة".

أما التفسير الألماني فيميل قليلاً إلى واقع فيزيائي متعلق بوحدة اللغة بين مجموعة من الناس وهي القومية الواعية، ومرجعها إلى الفيلسوف الألماني يوهان غوتفريد هردر، الذي كان يرى في اللغة "روح الشعب ومعبرًا عن مزاجه وفكره".

اقرأ/ي أيضًا: بعد استفتاء استقلال كتالونيا.. شبح الحرب الأهلية يُخيم على إسبانيا

تفكك أوروبا سوف يعني للاجئين العرب مزيدًا من الحكومات الشعبوية الصاعدة التي ستمارس مزيدًا من التشدد عالميًا

على أرض الواقع، يبدو المشهد الكتالوني جزءًا في حلقة تفكك الاتحاد الأوروبي، الضجر من استقبال اللاجئين، والذي تتصاعد فيه الحكومات اليمينية بلدًا بعد آخر مستخدمة ملف اللاجئين وما يستتبعه من مشاكل كسلعة انتخابية لا تبور، لا في ألمانيا ولا في النمسا وحتى في السويد والتشيك، التي تكاد تخلو من طلبات اللجوء، ورغم ذلك كانت كراهية الأجانب فيها بوابة لصوت الناخب الغاضب من تدفقهم.

 سوف يعني تفكك أوروبا للاجئين العرب مزيدًا من الحكومات الشعبوية الصاعدة التي ستمارس مزيدًا من التشدد عالميًا في سياسات استقبال اللاجئين والمهاجرين بشكل عام مثلًا. كما سيعني أن العالم العربي، الغارق في تفككه ومشكلاته الداخلية، لن يعير اهتمامًا حقيقيًا للخريطة السياسية التي يُعاد تشكيلها كما أعيد تشكيلها من قبل إثر تفكك الاتحاد السوفياتي.

القراءة الواعية المتأنية تؤكد أن اللاعب الأكثر نشاطًا عالميًا هو اللوبي الأمريكي، شرطي العالم الذي سيعمل غالبًا على أن تُعاد صياغة الاتحاد الأوروبي أو ما سيتبقى منه كحليف له أولًا، ثم كضامن وراع لإسرائيل ثانيًا حليفة الولايات المتحدة الأثيرة، خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قلقه من تصاعد "معاداة السامية" في ألمانيا مؤخرًا.

يُعاد تشكيل العالم من جديد، بينما تقف المنطقة العربية منه موقف المفعول به العاجز. والمؤشرات تدل على أن هناك الكثير سيحدث في الأيام القادمة.

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعرف عن التداعيات الاقتصادية لانفصال كتالونيا؟

"حتمية" انهيار الاتحاد الأوروبي.. مطالب الانفصال ليست كتالونية فقط