11-أكتوبر-2017

من المرجح أن تنعكس الأزمة الكتالونية على النزاع بين المغرب والبوليساريو (فاضل سينا/ أ.ف.ب)

في وقت تحبس فيه إسبانيا أنفاسها، أعلن رئيس حكومة كتالونيا،  كارلس بوتشدمون، أمس الثلاثاء أمام برلمان الإقليم، "انفصال كتالونيا عن إسبانيا بناء على رغبة الشعب كما تجسدت في الاستفتاء الذي أجري مؤخرًا في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2017"، مرجئًا التنفيذ الفوري لقرار الانفصال بعد مزيد من التفاوض مع مدريد لإنهاء الأزمة التي تلقي بظلالها على دول البحر الأبيض المتوسط.

على عكس المزاج الشعبي، لا تُؤيد الدولة المغربية مسألة انفصال كتالونيا، رغم تأييد إسبانيا لجبهة البوليساريو

والمغرب هو واحد من دول الجوار المتابعة عن كثب لتداعيات الأزمة الكتالونية، لما لها من تأثيرات على مصالحه الحيوية، ليس فقط بسبب القرب الجغرافي، بل أيضًا لأن إسبانيا تعتبر الشريك الاقتصادي الثاني للمغرب بعد فرنسا، وتحتضن جالية مغربية تقارب المليون مهاجرًا، فضلًا عن أنها معنية بشكل أساسي بقضية سبتة ومليلية ونزاع الصحراء.

هل يخدم انفصال كتالونيا قضية الصحراء؟

مبدئيًا على الصعيد الشعبي، يظهر من خلال الشبكات الاجتماعية، أن الرأي العام المغربي يتجه في معظمه إلى دعم كتالونيا في مطالبها نحو الانفصال، وذلك من باب "الشماتة" فقط من إسبانيا، التي تؤيد حق تقرير المصير في نزاع الصحراء بين المغرب والبوليساريو، وهو ما دفع السفارة الإسبانية في الرباط إلى نشر بيان في الصحافة المغربية توضح فيه "عدم شرعية مطلب كتالونيا في الانفصال".

اقرأ/ي أيضًا: بعد استفتاء استقلال كتالونيا.. شبح الحرب الأهلية يُخيم على إسبانيا

وعلى عكس المزاج الشعبي، لا تؤيد الدولة المغربية مسألة انفصال كتالونيا، حيث سبق أن صرّح الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، أن "المغرب مع الموقف الذي أعلن على مستوى إسبانيا إزاء استفتاء كتالونيا"، موضحًا أن البلد "له ثوابت تحكم سياسته الخارجية، ولهذا نحن مع الموقف الذي أعلن على مستوى إسبانيا إزاء استفتاء كتالونيا".

ولا يبدو غريبًا الموقف الرسمي للرباط، إذ أن "انفصال كتالونيا عن إسبانيا لا يصب في صالح المغرب إطلاقًا"، وفقًا لما يقوله الباحث المغربي إدريس الكنبوري لـ"ألترا صوت"، مُوضحًا: "لأنه يعزز الأطروحة الانفصالية في النزاع بينه وبين جبهة البوليساريو والنظام الجزائري المؤيد لها، ولهذا بادر المغرب إلى التعبير عن دعمه لموقف الحكومة المركزية في مدريد في رفضها للاستفتاء الذي أجري في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من منطلق تغليب خيار الوحدة الوطنية على خيار الانفصال".

لكن في المقابل لا ينفي إدريس الكنبوري استفادة المغرب من الأزمة الكتالونية بشكل أو بآخر، إذ أن "إسبانيا اليوم في مأزق أمام المغرب وأمام الرأي العام الإسباني، وذلك لكونها من جهة ترفض انفصال كتالونيا وتستخدم القوة البوليسية لردع الانفصاليين، ومن جهة أخرى تؤيد انفصال الصحراء عن المغرب، وهو ما يضعها في تناقض واضح".

قد تضع إسبانيا مستقبلًا في عين اعتبارها موقف المغرب الرافض لانفصال كتالونيا، لتخفف بدورها من موقفها الداعم للبوليساريو

من شأن ذلك أن يخفف حدة المواقف الإسبانية الداعمة للبوليساريو مستقبلًا، إضافة إلى أن مدريد ستأخذ بعين الاعتبار موقف الرباط الرسمي الرافض لانفصال كتالونيا، وعليه فالمغرب يراهن واقعيًا في موقفه ذاك، على كسب إسبانيا إلى صفه فيما يخص قضية الصحراء.

استقلال كتالونيا يعني دولة إسبانية ضعيفة

يملك المغرب عداءً تاريخيًا دفينًا مع إسبانيا، بفعل الذاكرة المشتركة بينهما والحافلة بالحروب والصراعات المريرة منذ قرون. ورغم التغيرات الدولية الجديدة التي جعلت الشراكة الاقتصادية بين البلدين أمرًا ضروريًّا للحفاظ على المصالح الكبرى في عصر العولمة واقتصاد السوق الحر، فإنه لا تزال مجموعة من المشاكل العالقة بينهما، على رأسها قضية سبتة ومليلية ونزاع الصحراء.

اقرأ/ي أيضًا: لأول مرة.. المغرب يصف إسبانيا بـ"المستعمر" والخلاف نحو التصعيد

وإذا كان المغرب يدعم إسبانيا ظاهريًا في وحدتها الترابية، فإنه كما يذكر الكاتب الصحفي حسين مجدوبي في صحيفة "أخبار اليوم" المغربية، "يتوق إستراتيجيًا إلى استقلال كتالونيا لأن هذا يعني دولة إسبانية ضعيفة، وبالتالي ستتقلص قوة الضغط التي تمارسها هذه الدولة على المغرب خلال الأزمات"، مُضيفًا: "كما أن انفصال كتالونيا سيضعف الموقف الإسباني حول سبتة ومليلية، وسيصعب على إسبانيا تبرير احتفاظها بالمدينتين في حال انفصال كتالونيا".

أما بالنسبة لجبهة البوليساريو والجزائر فقد لازما الصمت، بعد ارتباك الموقف وتعقده في إسبانيا. يرى إدريس كنبوري أن البوليساريو على الأرجح تُفضّل انتهاء المعركة بانفصال كتالونيا، مُفسرًا ذلك بأنه "يخدم مشروعها الانفصالي في قضية الصحراء بالمغرب"، مُستدركًا: "لكنها في نفس الوقت لا تستطيع أن تعبر عن هذا الموقف، لأنها تدرك بأن مدريد يمكن أن تنتصر في اختبار القوة مع كاتالونيا، وفي نفس الوقت تخشى المغامرة بمصالحها مع مدريد التي تدعهما في خيار تقرير المصير بالصحراء".

إجمالًا يبدو أن الأزمة الكتالونية تصب في مصلحة الرباط بصورة متفاوتة، سواء انفصل الإقليم أم لم ينفصل!

يعني هذا أن الأزمة الكتالونية تصب في مصلحة الرباط، سواء انتهت بانفصال كتالونيا حيث ستصبح إسبانيا ضعيفة، أو في حالة استطاعت مدريد كبح الموجة الانفصالية، ومن ثمة تخفيف موقفها الداعم لانفصال الصحراء، لكن من جهة أخرى انتهاء الأزمة الإسبانية باستقلال كتالونيا، سيعزز طرح "تقرير المصير" على المستوى الدولي والأمم المتحدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعرف عن التداعيات الاقتصادية لانفصال كتالونيا؟

كيف أشعلت البوليساريو أزمة جديدة بين المغرب وجنوب إفريقيا؟