يحاول الشارع البيروتي عبثًا تخطّي مفاجأة الانتخابات البلدية، على الرغم من فوز اللائحة المدعومة من رئيس تيّار المستقبل، سعد الحريري، لائحة البيارتة، إلّا أن نسبة التّصويت المنخفضة، وتحصيل لائحة "بيروت مدينتي"، المدعومة من المجتمع المدني بنسبة أصواتٍ لا يستهان بها، جعل فوز الحريري بطعم الخسارة.

ظن الشارع السني أن الحريري بترشيحه فرنجية تخطى كل الخطوط الحمراء، إلى أن أعلن ترشيح عون، الذي تعتبره كتل سنية في لبنان خصمها الأول

خسائر الحريري الشّعبية، المرتبطة عضويًا بخسائره المادّية مؤخّرًا، فرّخت قياداتٍ جديدةٍ داخل البيت السّني السّياسي، أبرزها الوزير المستقيل أشرف ريفي، الذي نجح في استغلال ضعف الحريري، ليهزمه في الانتخابات البلدية، وليزيد من نفوذه على حساب المستقبليين. ترشيح الحريري لفرنجية، كان نقطةً سُجّلت عليه في شارعه، استغلّها خصومه والثّامن من آذار، فالحريري كرّس بترشيح فرنجية واقعًا جديدًا يخدم خصومه، أي كون الرّئاسة للثامن من آذار، عون أو فرنجية. ظنّ الشّارع أن الحريري بترشيحه فرنجية، حليف الأسد المقرّب، تخطّى كل الخطوط الحُمُر، إلى أن أعلن ترشيح ميشال عون، الذي تعتبره كتل سنية واسعة في لبنان خصمها الأول، رئيسًا للجمهورية بحجة التّضحية لأجل الوطن وفتح باب التّسوية.

اقرأ/ي أيضًا: "عون أكبر من بلده"..موسم السخرية من الجنرال

"مين طالب منّو يضحّي؟ ضحّينا كتير وكرمال شو؟ نحن عم نخسر بالسّياسة بسببه"، يقول عُمر، صاحب محالٍ للبقالة في طريق الجديدة، والحرقة كما الغضب تسيطران على نبرته، فالشّاب الثّلاثيني، مستقبلي سابق، يرفع صورة الرّئيس رفيق الحريري في محلّه، لكن في الوقت ذاته، غاضبٌ من أداء ابنه وتنازلاته.

أمّا سارة، فاختصرت ما يجري بالقول: "نحن لسنا ضدّ سعد الحريري، سعد الحريري شخصيًا ضدّ سعد الحريري"، وأعربت عن امتعاضها من خطوة الحريري الأخيرة، فـ "ما معنى بذل الدّماء وتضحيات الشّهداء، إذا كنّا سنتنازل في النّهاية لمشروع حزب الله ومرشّحه؟".

اقرأ/ي أيضًا: وما أدراكم ما ميشال عون

"الصّندوق بيحكي! والنّتائج رح تكون أفضل ردّ"، جزم غالب أن الانتخابات المقبلة ستحمل مفاجآتٍ سلبيةٍ للحريري، فالأخير الذي كان يحضّر لمؤتمره الحزبي، أجّله بحسب مصادر، محاولةً منه ومن فريقه لرأب التّصدّع الحاصل في البيت المستقبلي، والذي بدا واضحًا نهار إعلان التّرشيح، فالشّخصيات القيادية كالسّنيورة ومكاري، بدوا كمن يجلسون في عزاء، أمّا النّائب أحمد فتفت، ففضّل عدم الحضور، عازيًا ذلك لرغبته بعدم التّصويت لعون، لأن التّصويت للأخير يعني، بحسب فتفت، مخالفة مبادئ التّيار الذي كان هو من مؤسّسيه، في رسالةٍ واضحةٍ للحريري، أنّه يخالف قوانين ومبادئ تيّاره.

ويتهم البعض الحريري أنه لا يُعير اهتمامًا لشارعه أو نوّابه، وأنه يحاول تجاوز أزماته المادية على حساب من يمثلهم، خاصة بعد أن غرق مادّيًا، وأعلن عن تبديد ثروته "خدمةً للثورة" كما قال، مع أن ثروته بدّدت بفعل الأزمة الاقتصادية السّعودية والمشاكل الشّخصية مع الأمراء، لا سيما ولي العهد محمّد بن نايف، والذي أخرج الحريري من "الجنّة السّعودية" بعد وفاة الملك عبدالله، لوصف الحريري إيّاه بـ"السّفاح".

فالحريري الطّامح لتجميع زعامته من جديد، وإعادة الحياة لها، يعاني من إفلاسٍ أصاب شركته الأم في السّعودية، سعودي أوجيه، بالتّزامن مع إفلاس "أوجيه إنترناسيونال" التي يمتلكها في فرنسا، والانهيار الممنهج الذي يصيب "أوجيه تلكوم" في تركيا، والتي تعتبر ثالث شركة اتصالاتٍ في تركيا ويملكها هو، عدا عن خسائر شركة الاتصالات التي يمتلكها أيضًا في جنوب أفريقيا.

يسعى الحريري جاهدًا لإعادة تقويم مساره، في خطابه الأخير، رشّح نفسه ضمنيًا رئيسًا للحكومة الجديدة، خطابه كان جامعًا، اقتصادي الهدف والمحتوى، وحياديًا في السّياسة، يتخللها هجومٌ بسيطٌ على حزب الله، لشدّ عصب شارعه، علمًا وأن وفد المستقبل، كان يواصل الحوار مع وفد حزب الله، في مسلسل جلسات الحوار الثّنائية الذي لا ينتهي.

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. ولاية الفراغ

فرنجية-عون.. بين الحقل والبيدر