16-أغسطس-2016

الفائدة من خيوط تنظيف الأسنان ليست مثبتة علميًا كما تروج الشركات المصنعة لذلك(دي أغوستيني/Getty)

ربّما لم نسمع في المدارس كثيرًا عن أهمّية استخدام الخيط لتنظيف ما يعلق من بقايا الطعام بين الأسنان، ولكن في الآونة الأخيرة ومع زيادة الوعي الصحيّ، صار الكثيرون يعمدون إلى استخدام الخيط لتنظيف الأسنان إلى جانب الفرشاة، وربما يستخدم البعض غسول الفم وفرشاة خاصّة لتنظيف اللسان، ولكن العجيب أنّ مواقع الأخبار والمدوّنات الصحيّة الشهيرة شرعت في الأسبوعين الماضيين في نقاش طويل ومحتدم بخصوص الفائدة الحقيقية من استخدام هذا الخيط الأبيض الرفيع للأسنان.

أسقطت الحكومة الفدرالية الأمريكية توصية تنظيف الأسنان بالخيط من الدليل الصحيّ المعتمد لهذا العام وأقرت بعدم وجود أبحاث تثبت فعاليته

كان استخدام الخيط منذ العام 1979 أمرًا توصي به الحكومة الفدرالية الأمريكية، ولكنّ القانون ينصّ على ضرورة أن تخضع هذه التوصيات الصحيّة للمراجعة كل خمس سنوات وأن تكون مدعومة بالأدلة العلميّة. والذي حدث وفاجأ الجميع قبل فترة قصيرة هو أنّ الحكومة الفدرالية أسقطت هذه التوصية من الدليل الصحيّ المعتمد لهذا العام، وأخبرت الأسوشيتد بريس أنّ الحكومة تقرّ بعدم وجود أبحاث تثبت فعاليّة التنظيف بالخيط.

كان هذا الخبر عجيبًا بحقّ، خاصّة حين خطر على بالي عدد المرّات التي سمعت بها طبيبة الأسنان التي أراجعها تذكرني بأهمية التنظيف بالخيط، وحين قرأت أنّ قطاع تصنيع خيوط تنظيف الأسنان يبلغ في قيمته ملياري دولار أمريكي (مليار منها من نصيب شركات أمريكية).

اقرأ/ي أيضًا: "التمباك".. هاوية سودانية آخرى

يقول الأطباء عادة إنّ التنظيف بالخيط يحمي الأسنان من أمراض اللثة ويمنع تشكّل تلك الطبقة الصفراء عليها كما يحمي من التسوّس والرائحة الكريهة للفم، ولكن يبدو أنّه ما من أبحاثٍ تؤكّد أيّا من شِبه المسلّمات هذه التي صدّع بها الأطباء رؤوسنا. وقد قامت الأسوشيتد بريس نفسها بإجراء تحقيق استقصائي حول الأبحاث التي أجريت في هذا المجال خلال السنوات العشرة الماضية، ونظرت في 25 دراسة بالتحديد. وخلص التحقيق إلى أنّ الأدلة على فائدة التنظيف بالخيط "ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها" وأنّ جودة هذه الدراسات "ضعيفة للغاية" وفيها قدر غير قليل من التحيّز المحتمل.

يقول الكاتب جيف دون، من الأسوشيتد بريس، عن الدراسات التي اعتمدت عليها بعض المؤسسات للتأكيد على أهمية التنظيف بالخيط: إنّ "معظم هذه الدراسات قد استخدمت منهجيات بحثية غير حديثة أو اعتمدت في الدراسة على مجموعة محدودة من الأشخاص. وبعضها استغرق أسبوعين وحسب، وهي فترة لا تكفي طبعًا لتشكّل تسوّس أو تطوّر علّة في الأسنان، حتّى أنّ إحدى هذه الدراسات توصلت إلى نتائجها بعد اختبار أجري على 25 شخصًا جربوا التنظيف بالخيط لمرة واحدة فقط. وقد كانت هذه الأبحاث تكتفي بالحصول على بعض المؤشرات كنزيف اللثة والالتهاب ولم تكن تتعامل مع أمراض اللثة أو حالات التسوس".

يقول الأطباء عادة إن التنظيف بالخيط يحمي الأسنان من أمراض اللثة ويمنع تشكل تلك الطبقة الصفراء عليها كما يحمي من التسوس والرائحة الكريهة للفم

في المقابل علّق واين ألدردج، رئيس جمعية أخصائيي الوقاية من أمراض الأسنان، وأقر بضعف الأبحاث العلميّة التي يسشتهد بها للتدليل على أهميّة التنظيف بالخيط، ولكنّه مع ذلك لا يتراجع عن رأيه في أهمّية الخيط لصحة الفم والوقاية من أمراض الأسنان واللثة. ويحذّر ألدريدج، في الوقت ذاته، من أنّ الخطورة في استخدام الخيط تتعلق بطريقة استخدامه الخاطئة من قبل الكثير من الناس. فالأسلم هو أن نحرك الخيط بشكل عمودي لا بشكل أفقيّ، كما أنّ بعض الناس يسرفون في استخدام الخيط فيدمّرون اللثة ويضعفون الأسنان وبنيتها.

اقرأ/ي أيضًا: ريبيكا لي.. الطالبة التي غيرت وجه الطب في أمريكا

وقد كشف تحقيق الأسوشيتد بريس أنّ الشركات المصنعة لخيوط تنظيف الأسنان تكاد لا تجد أي أدلّة قويّة ومقنعة على أهمّية استخدام الخيط، رغم أنّها قد موّلت الكثير من تلك الأبحاث التي أشرنا إليها فيما سبق، وهذا أمر مضحك وعجيب. شركة "جونسون آند جونسون"، على سبيل المثال، تشير إلى أنّ التنظيف بالخيط يمنع تشكّل الطبقة الصفراء على الأسنان. ولكن حين أُرسلت للشركة قائمة بدراسات متضاربة حول هذا الأمر، اعتذر المسؤول الإعلامي للشركة عن التعليق. وقد تكرر الأمر ذاته مع شركة "بروكتر أند غامبل"، فقد ادّعت أنّ التنظيف بالخيط يمنع تشكّل تلك الطبقة ويحمي من التهاب اللثة، ولكنّ تبيّن أنّها اعتمدت في ادعائها هذا على دراسة لم تستغرق سوى أسبوعين من المراقبة وتمّ اعتبارها خارجة عن موضوع البحث في مراجعة لها عام 2011.

هذا لا يبرّر بالتأكيد الاستعجال إلى رمي تلك الخيوط وتجنّب استخدامها تمامًا، لعلّ استخدامها مفيدٌ حقًا، ولكنّ القضية هي أن نعرف أنّ الأمر ليس علميًا تمامًا كما تروّج الشركات المصنعة لها، وأنّ استخدامها ونحن مطمئنون تمامًا إلى سلامتها وفائدتها يحتاج المزيد من الأبحاث الدقيقة والنزيهة غير المدفوعة بأطماع الشركات الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا:

طب الأسنان في مرمى الانقسام.. يحصل في غزة

ما هي أعراض نقص فيتامين "د"، وما هو علاجه؟