19-نوفمبر-2016

طلاب يجتمعون في مواعيد خارج اسوار الجامعة (الصورة من مدونة caironline)

يستكشف طلاب الجامعات المصرية، حياة خبيئة تقف خلف أسوار المباني الأكاديمية، وبين زواريب شوارعها الملاصقة. تعرف هذه الحياة بأنها "متنفس" للطلاب، ومحاولة منهم للهروب ولو قليلًا من أعباء الدراسة، وتكون بموازاتها وتشّكل بعضًا من سيرتها الخفية. وليس صعبًا على أي طالب قادم لأول مرة إلى الجامعة، أن يندرج بسرعة في تفاصيل هذه الحياة الخارجة عن الرقابة ويصبح فردًا منها.

خلف أسوار الجامعات المصرية حياة خبيئة للطلاب تعرف بـ"شوارع الحب"

فبعد إلغاء وقوف الحرس أمام جامعة القاهرة، أمست الأمور "أكثر سهولة"، هذا ما يقوله، محمد، أحد الطلاب، الذين وجدوا في "منع التفتيش" أمام الحرم الجامعي، فرصة "ذهبية"، للوصول إلى ما يعرف بـ"شوارع الحب".

يوضح الشاب العشريني، أن "قبل ثلاثة سنوات، في العام الدراسي الأول، كنت جاهلًا بقواعد الشوارع الخلفية بالجامعة. ضبطني يومها أحد الحراس، متلبسًا أحتضن صديقتي، داخل ما يعرف بـ"لاف ستريت" (شارع الحب). الموجودة نسخة منه في كل جامعة بمصر، وجرجرني إلى مكتب مدير أمن الجامعة، وسحب "الكارنيه" الخاص بي وبها".

أقرأ/ي أيضًا: تمثال لتمجيد العسكرية المصرية..متهم بالتحرش الجنسي

وماذ حصل من بعدها؟ يجيب: "بعد مفاوضات استعدنا بطاقات الهوية الجامعية، مع "قرصة أذن" خفيفة، كي لا يتكرر الأمر مرة ثانية". ويضيف: "قال لي مدير الأمن: كنّا عيال زيك، وبنزنق بنات في الشوارع، لكن أنت غشيم".

كل شيء تغيّر الآن. خرج الحرس الجامعي من الحرم. لم يعد متواجدًا بين الكليات، وكان وجوده مميّزًا بأصوات الدراجات البخارية العالية، التي تمرّ فجأة في حملات تفتيش مستمرّة. تراقب "الأفعال"، التي تعد من وجهة نظر إدارة الجامعة، "غير أخلاقية"، أو لتتبع المظاهرات وتهريب السلاح الأبيض من خلف الأسوار.

ترى سمية، خريجة كلية الآداب من جامعة عين شمس، أنّ "أغنية تامر حسني التي قال فيها (وأنا خبرة في بنات الجامعة.. يا تجارة يا آداب عين شمس)، صنعت سمعة سيئة لبنات الكليتين قبل سنوات فبدأ شباب الجامعة يتردّدون عليهن أكثر". في ذاك التوقيت، وبعد فيلم "أوقات فراغ" الشهير، وبسبب "حرس الجامعة" كان لا بد من البحث عن "ممرّ آمن" لتبادل القبل واللمسات البريئة.

بدأ الطلاب باصطحاب الفتيات، إلى المقاعد الأخيرة في السينمات. يقول أحد عمّال صالات السينما على تلك الفترة: "كانوا أولاد وبنات بزي المدرسة، يبرطلون العامل بخمسة جنيهات كي يتركهم في آخر كرسي، وغالبًا ما يخرجون من السينما في الاستراحة ولا يكملون الفيلم". ويضيف: "كنّا ندخل بعدهم، ومن التسرّع في الهروب وقت الاستراحة، نجد ملابس داخلية (منسيّة) تحت الكرسي. لكن هذه الظاهرة انتهت".

خلف أسوار جامعة القاهرة حياة كاملة: حب وفراق، قبلات وأحضان وعقاب بسحب بطاقات الهوية، والآن، لا رجال رقابة يمرّون من هنا، ورغم ذلك اختفت ظاهرة "شارع الحب". ومن هنا بدأت حكايات أخرى. يقول عبد الرحمن، إن "الجامعة بلا حياة جامعية"، واصفًا الحياة التعليمية بـ"السيئة"، وموضحًا: "نأتي هنا، يوميًا، ليس لحضور الصفوف، ولكن للقاء الرفاق والأكل والشرب، والخروج من بعدها". أصبحت الجامعة "نقطة تجمع ولقاء" يحدّد من بعدها الطلاب وجهتهم. يقول عبد الرحمن: "نخرج من الجامعة إلى المطاعم السورية لنتناول وجبة خفيفة، أو إلى كافيه لنتبادل الحديث ولعب البلاي ستيشن".

صالات الـ"بلاي ستيشن" تلقى رواجًا وزخمًا وازدحامًا بالقرب من الجامعات. إذ أكّد أحد مديري هذه الصلات، أن إيراداته من الطلاب لا تقل عن ستة آلاف جنيه مصري (400 دولار تقريبًا) يوميًّا. موضحًا: "كل شِلَّة تأتي هنا بين محاضراتها، تحجز جهازًا بثلاثين جنيهًا للساعة (دولارين)، وأغلبهم يلعبون كرة القدم أو السيارات".

حولت لعبة الـ"بلاي ستيشن" مواعيد الغرام إلى ظاهرة قديمة

بعض الطلاب لا يهوى الـ"بلاي ستيشن"، لكنه، من وجهة نظرهم، "الشيء الوحيد المتاح للتسلية، وتمضية وقت الفراغ بين أي محاضرتين"، على ما يقول أحدهم.

وفي الطبقة الأرضية، بكلية الإعلام (جامعة القاهرة)، استراحة يقضي بها الطلاب أوقات فراغهم. يحمل أحمد، حاسبه الشخصي إلى الكلية، من أجل هذه الاستراحة. يسأله رجل أمن الجامعة: "لماذا تصطحبه معك؟". يجيب: "للمذاكرة، والمونتاج.. أنا طالب في كلية الإعلام، وأحتاجه لقص وتركيب الفيديوهات". يتركونه ليمرّ حاملًا إياه في حقيبة "هاند باج"، تُفتح فور دخوله الكلية ليخرج منها الجهاز، و"أذرع بلاي ستيشن"، وتبدأ بطولات ودوريات بين طلاب كل دفعة، والفائز يحصل على التصفيق فقط.

كان "البلاي ستيشن" ابن التكنولوجيا، التي جعلت الأصدقاء يتفرَّقون إلا في حضرته، يتجمّعون مرة أخرى، فصار الكلام قليلًا، والكتابة على لوحة المفاتيح كثيرة. حتى أن الطلاب لا "يزوّغون"، الآن، من المحاضرات كما كان يجري في السنوات الماضية، وفقًا لحسام، الطالب بكلية الحقوق: "أدخل محاضراتي بشكل طبيعي جدًا، في الصف الأول كنت أستثقل حضورها، لكن وجود (هاتف ذكي) في جيبي يدفعني للحضور حتى لا أخسر درجات الغياب، أضع (السماعات) في أذني، وأفتح أي لعبة أو (فيسبوك) لأتواصل مع أصدقائي". (أصدقاء حسام، في الغالب، يحضرون معه نفس المحاضرة، لكي يحصدوا درجات الغياب، التي صارت السبب الوحيد لزيارة الجامعة، بالنسبة لكثير من الطلاب).

ينتهي اليوم الدراسي في السادسة مساء داخل أغلب الجامعات. لا مكان هنا للمذاكرة أو العمل. لا هدوء، ولا مزاج يتيح الفرصة لساحات "العمل المشترك"، التي توفّر للطلاب هدوءًا للدراسة والعمل الحر، أو اللقاءات بعيدًا عن المقاهي، وآخرها في وسط القاهرة "شقة غاردن سيتي"، التي حقَّقت شهرة "غير مسبوقة" على "فيسبوك"، فالطلاب، والشباب، يريدون أماكن مغلقة للقاء بعيدًا عن أعين المتلصِّصين.. وهناك حياة سريّة أخرى بعد الهروب من "زحمة الجامعة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

قوانين السيسي لجامعات مصر.. "للخلف در"

حكاية السيطرة على الجامعة المصرية