17-يوليو-2016

Photo credit should read MAHMUD HAMS/AFP/Getty Images

لا ترى وكالات الأنباء العالمية نادر بكار إلا بصورة واحدة.. طفل يجلس بجوار شيخ مهم في "الدعوة السلفية" أو حزب النور مائلًا برأسه، يسمع منه، ولا يتكلم. لقطة سريعة تكشف جانبًا غامضًا في شخصية نادر بكار، والمفتاح الوحيد لشخصيته. جانب "الغلام".

نادر بكار شاب، خريج كلية تجارة جامعة الإسكندرية، يستطيع أن يلعب كل الأدوار، سياسي أحيانًا، تاجر شاطر مع الله في أوقات فراغه، مبرراتي في أكثر الأحيان

شاب، خريج كلية تجارة جامعة الإسكندرية، يستطيع أن يلعب كل الأدوار، سياسي أحيانًا، تاجر شاطر مع الله في أوقات فراغه، مبرراتي في أكثر الأحيان، تواجده في حزب ديني كبار أعضائه لم يختبروا السياسة، إنما خرجوا من المساجد إلى كراسي البرلمان، وسمعوا عن سياسة النبيّ في إدارة أمور دينه ودنياه في خطب الجمعة، وقرأوا، ربما فقط، سير الصحابة.

حظه السيئ وضعه في حزب "سلفي" تتصل القنوات والصحف بشيوخه، تقدمهم كقيادات سياسية، يهاجمون، ويقدمون الخطاب المتخلف الذي يدور بينهم في الغرف المغلقة قبل أن يتدخل "نادر" في الوقت المناسب، ليلمّ الأزمة، ويقدم تبريرًا يقول إنه يبتغي به وجه الله وحده ليمرّ سالمًا.

لا أحد يصدق نادر بكار الآن. لكن مبرراته مقنعة. هو، شخصيًا، يعرف أنها ليست الحقيقة. إنما هل في السياسة حقائق؟ وهل يلتقي ابتغاء وجه الله وابتغاء المصالح السياسيّة؟! هكذا يؤمن نادر بكار، وهو ما شبّ عليه وتلقاه في مجالس العلم والدين بالمساجد، والزوايا.

اقرأ/ي أيضًا: حزب النور.. الأبيض يليق بكم

تستطيع أن ترى في كل تصريح لـ"بكار" ابتسامة سمجة، وثقيلة، ومصطنعة، تداري قاتلًا محترفًا ينتظر فريسة لن تسلّم نفسها له بسهولة. يقف في منطقة رمادية، وسط، متردد، ولأن المترددين لا يدخلون الجنة، ولا النار أيضًا.. ربما يقف وحده يوم القيامة.

يقول بكار "الإخوان ليسوا خوارج"، يخسر من رصيده لدى الدولة التي تصرف على منحته في هارفرد وحلق لحيته لتكون مودرن وقابل تسيبي ليفني. فيتراجع مؤكدًا: "لكنهم مجرمون"

يقول: "مرسي ليس خائنًا"، يكسب قليلًا من تعاطف الإخوان وتأييدهم ثم يتراجع، قائلًا: "لكنه رئيس فاشل". يقول أيضًا: "قيادات الإخوان ليسوا خوارج"، يخسر كثيرًا من رصيده لدى الدولة التي تصرف على المنحة التي تلقاها في "هارفارد" وحلق لحيته لتكون "مودرن" وقابل تسيبي ليفني، سفيرة الدمار الإسرائيلية، ثم يتراجع، مؤكدًا: "لكنهم مجرمون".

بالطبع، لا يحب نادر بكار الإرهاب. حين يحلق ذقنه، سيتحول إلى شاب عادي جدًا من "سموحة" يحب الله فقط، وعلاقته بالعنف والإرهاب لن تزيد عن مشاهدة أفلام "فان ديزل"، و"أميتاب باتشان". يداري "نادر" كل حنينه وذكرياته إلى الأفلام والسينما والموسيقى وراء لحيته، التي فرضوها عليه، اختارها فقط لأنه لم يجد غيرها سبيلًا للتلفزيون والشهرة ومنابر السياسة، وكراسي الأحزاب الموسيقية.

هل عاد للحنين مؤخرًا؟ قلق الفنانين من حضور "الغلام السلفي" حفل استقبال النجم العالمي أميتاب باتشان القاهرة خلال إحدى زياراته، لم يبعد النظر عنه، وضعه في "نقطة النور"، الكل تابع ردود أفعاله، هو فقط؛ تقدم إلى "النجم الهندي" ومدّ له يده، وسلم عليه.

تستطيع أن تضع للموقف تفسيرًا سياسيًا وهو كون نادر بكار يريد أن يثبت للجميع أنه منفتح على كل الأديان، ويحترم الفن، ويقدر الفنانين، تقول إنه يريد أن يجعل ظهوره في مصلحة "النور"، نافيًا عنه أنه حزب ديني يحرم الفن، ويكفر الفنانين، ليس فقط لا يحترمهم.

تفسير آخر، وهو أن نادر بكار يعود إلى طفولته حين يجد ما يثيرها لديه دون أن يدري، والحقيقة أن وجه "الغلام السلفي" ليس سطحيًا، موحيًا بالملل، لكنه وجه طفولي إلى أبعد مدى. الشوق إلى السياسة والحياة العامة كان يؤرقه للدرجة التي دفعته إلى الاستسلام للشيخ ياسر برهامي، الذي جعله عينه، ويده، في حزب النور، ووقف في ظهره حتى ضمن له منصب المتحدث الرسمي باسمه، ثم مساعد رئيس الحزب، والرجل الأول فيه.

وما موقف رئيس الحزب؟ يستمدّ يونس مخيون أهميته من كونه عضو مجلس شورى الدعوة السلفية، يقدم مشورة دينية بحتة، ولا طاقة له بالسياسة.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لن يصبح حزب النور "سفينة نوح" للإسلاميين؟

صفقة بين نادر بكار ويونس مخيون، أن يترك "شيخ الدعوة" أمور السياسة، ويبتعد "الغلام" عن أمور الدين، ويسير دور كل منهما في خطين متوازيين، هذا يقول ما يرضي السلفيين، وهذا يحضر حفلات ترضي العلمانيين والغرب عن الحزب. ومن هنا يمكن أن تفسِّر لقاء المشاعر المكبوتة بين "ليفني" و"بكار".

صحيفة يومية نشرت خبر لقاءات بين حزب "النور" و"سي آي إيه" في الإسكندرية، لقد كان رده على تويتر: "أنصح الجريدة بتوجيه بلاغ لسلطات التحقيق، حظ سعيد المرة القادمة".

ينشر السلفيون على الإنترنت مقابلة تلفزيونية مع بكار، فيضعون حجابًا أو نقابًا على وجه المذيعة، هو يسلم عليها باليد، وهم يقطعون رقبتها، ويشوّهون ملامحها

هل يكذب نادر بكار؟ لا. يثق "الغلام" في حزبه، فهو -بالفعل- لم تجمعه أي لقاءات بالمخابرات الأمريكية، لكن سؤالًا واحدًا يكشف الواقعة الحقيقية: هل يقابل حزب "النور" الأمريكان؟ هذا هو السؤال، والإجابة، والمعلومة أيضًا في القنصلية الأمريكية بالإسكندرية، حيث يعيش أغلب رموز "الدعوة السلفية" و"حزب النور"، وهناك كانت اللقاءات المستمرة دائرة بين الطرفين بعد منتصف الليل، لقد طلب الحزب أن يحلّ محل الإخوان بما لديه من شعبية وقاعدة انتخابية جبارة، وقدم اقتراحات وطلبات أخرى لا تسيء إلى علاقته بالنظام، الذي كان يعلم تمامًا خبر الزيارات المتبادلة. لقد تحوّلت القنصلية الأمريكية إلى كعبة السلفيين السرية. والآن، يقدم نادر بكار خطابًا لا يشبه ما يقوله السلفيون. يحاول أن يقدم نفسه على أنه صورة الشاب السلفي الحقيقي.

لقطة واحدة تكشفه. حين يظهر في حوار تلفزيوني مع رولا خرسا أو منى الشاذلي، ترفعه "اللجان الإلكترونية" لـ"السلفيين" على الإنترنت، وتضع "حجابًا" و"نقابًا" أحيانًا على وجه "مذيعة البرنامج"، هو يسلم على المذيعات باليد، وهم يقطعون رقبتها، ويشوّهون ملامحها، ويصل بهم الحال إلى اغتيالها نفسيًا ومعنويًا لأنها لا ترتدي الحجاب!

نادر بكار ليس غلامًا خائبًا، يعرف الطريق والطريقة، لا يضع الدين، الذي أمره بعداوة من يقاتلون المسلمين، في حساباته، ويعتبره فقط "عدة الشغل". سيقول إنه متدين يمثل حزبًا دينيًا ليكسب السلفيين، ويؤكد بأن هذا الحزب سياسي لديه برنامج وطني، وليس دينيًا، ليس شرطًا أن تكون مثله لكي يتعامل معك، ويمنحك "قدرك" مقابل مكاسب سياسية تصنع منه "نجمًا".

هل لديه القدرة على أن يجعل شباب السلفيين مثله؟ السؤال الأدق، هل لديه الرغبة؟ لا، فـ"نادر بكار" يحمل في قلبه من غلٍ وحقد وبغض لليبراليين والمتحررين وكل من يختلف معه مثل شباب السلفيين بالضبط. هو واحد منهم، لكن "الحرب خدعة". هكذا يمكن أن يدافع عن نفسه ويبرر لقاءه بوزيرة إسرائيل، سفيرة الشيطان، ليصدقه السلفيون، ويدعون له بـ"فتح تل أبيب" في غزوة يسَّر الله أسبابها.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. معركة النقاب إلى الواجهة مجددًا

مشايخ السلطة.. الصراع على تصدر المشهد