17-مارس-2017

شوقي شمعون/ لبنان

"هاي بيروت"
أُحبُّ لفظها بلكنةِ الجنوبيّات،
النساء اللواتي يذهبنَ صباحاً إلى الدكان ليشترينّ علبة سجائر "مالبورو"
يقلنّ للبائع الجار مع ابتسامة راقصة: .. ca va .. Bonjour ؟
أُحبُّ بيروت..
وأُحبُّ أكثر تلك الطرافة الفينيقية
أضحكُ سرًّا حين يستهزأ بها الآخرون

بيروت: أن أجلس وحيداً في المنزل أدخّن سيجارة حشيش مع كأس عرقٍ مغشوش 
بعد خمس دقائق عندما تصير محلّقةً بالذهن 
أرى عجوزًا تقدّم لي سيجارة بعلبكيّة وكأس عرقٍ ثقيل. 

جاءت سيّدةٌ طويلةٌ بنصف حجاب 
ترتدي تنّورًة طويلة وكندرًة بكعبٍ رفيع وعالٍ.. 
كان عاليًا جدًّا يا الله! 
مسرعًة تناولت كتاب "التخييل القصصي" من الرفّ 
كان من تأليف كاتبٍ يهودي.. 
كنتُ أنا.. وما كان امرؤ يتمشّى بيننا 
عادت أعطتني خمسة آلاف ليرة لبنانية بطرفٍ ممزّق، 
قالت بحزمٍ: لن أدفع غيرها.. 
كان ذلك سنة 2012 

تقول الشحرورة: ألو بيروت
وأقول أنا: احتضنيني أيّتها العاصمة الصغيرة
أحبّكِ مثل مشاريعي التي أحاول تنفيذها
وأعرف أنّها لن تكون لكنّني متمسّكٌ بها
أحبّكِ في حاراتك الضيّقة
يا بلد الله الصغير
أهذي مع أشلائك من المنفيين
من سرق منكِ الجنوب يا حلوة؟

بعيدةٌ بيروت..
مثل تفّاحةٍ معلّقة على طرف غيمة في السماء
أو فتاةٍ امتلكت تذكرة سفر إلى أوروبا الغربية
بيروت..
بيروت لا ترتجل الحكايات
تقول لك: صددت غزاة العالم
سمّوني بيروت لأنّني آخذ من لحم العابرين أجسادًا أرمّم بها أرصفتي التي غصّت بأحلام المهاجرين
الدرويش بكى خلف جداريّتي حتى لا يراه أحد
أترى تلك الصخرة..!! تصيح بيروت قائلة:
عليها ضاجع شاعرٌ كبير فتاةً كانت تحلم أن تكون شاعرة
وفي تلك الزاوية جلس الماغوط يردّد: طز بالحداثة وما بعدها
ومن تلك الشرفة طار خليل حاوي
مع الذين "يعبرون الجسر في الصبح خفافًا"  
في أيّ زاوية هناك فتات من خسائر الحالمين

تقول بيروت بالسر:
الأمميّة الرابعة ماتت منذ زمنٍ بعيد
والعشّاق صاروا يقبلونني في الغرب
أناي طازجة تطلب كل شيء
البارات.. الكازينوهات.. طاولات البوكر
الطوائف.. القضايا.. السياسة
الصخب.. الضجر.. الوقت
الأغنياء.. الفقراء.. التحرّر
الموضة.. والهاربون من يأسٍ إلى يأس أضيق

بيروت..
يا مدينة تساوي دزينًة من المدن
سامحينا لأنّ أيّامنا بعيدةٌ عنك

هاي بيروت..
لأنكّ محطّةٌ في حياة فتاةٍ لم أعرفها 
هاي بيروت..
أحبُّكِ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قصة شمسية ملونة

كيفَ سيصلُ القطارُ من دون سكةٍ؟