30-نوفمبر-2016

هل انزلق برنامج شباب توك إلى الإثارة وتفريغ النقاش من فحواه؟ (من صفحة البرنامج على موقع دوتشيه فيله)

تحضُر برامج الـ"توك شو" أو الـ"شات شو" على قائمة الأكثر مشاهدة أو استماعًا، لما تتضمنه، عادة، من إثارة وشد وجذب. وحين يضاف إلى هذه الخصائص، إذا صحّ التعبير، موضوع مليء بالحساسية كالإلحاد، تكون المتابعة مضاعفة. لكن كثيرًا ما تشوب هذه البرامج النواقص، إن من جهة الطريقة التي تعرض بها القضية وكيفية مناقشتها، أو من جهة الضيوف، الذين عادة ما يكونوا "مصيدة" الإعداد لإخراج الحلقة بأكثر الأشكال إثارة للجدل.

عالج برنامج "شباب توك" موضوع الإلحاد بكثير من الإثارة ولم يقدم أي جديد فيه

برنامج "شباب توك"، الذي يبث عبر قناة "دويتشه فيله" الألمانية، جاءت حلقته (ما قبل الأخيرة)، بعنوان: "أنا ملحد، ولكن القانون يمنعني.. ماذا أفعل؟"، متكفّلةً بحض عدد كبير من المشاهدين والمهتمين على التعليق والنقاش، وإبداء الإعجاب أو الاستهجان. وهي بذلك فتحت بابًا واسعًا لـ"نقد" موضوع لم تعد إثارته تبتغي النقاش والتساؤل على قدر ما تحقق لاحقًا، خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

من متابعة تعليقات المستخدمين في موقع "يوتيوب"، التي تخطّت الألف، على فيديو الحلقة الرسميّ (وصل إلى ما يقارب 48 ألف مشاهدة حتى كتابة هذه السطور)، نجدُ، إضافة إلى الملاحظات الشاتمة والساخرة (وهي معتادة)، إشارات إلى الطبيعة السجالية التي سيطرت على الحلقة. ضمّت ملحدَين وإسلامي وناشط ليبرالي. فوفقًا لشريحة معتبرة، تمخضت الحلقة عن ركام من التلاسن، دون طرح أي طرف تصوراته بشكل متماسك وحواريّ. وهو أساسًا ما لا يريده الحوار. فهو قام في بدايته على تشكيل نواة "خصامية"، هدفها إذكاء معركة فارغة.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا اختلف الناس حول باسم يوسف؟

ولربما، هذه من المرات القليلة، التي يقع فيها البرنامج في هذا الأسلوب. فعادة، يرتكز فريق الإعداد على قاعدة معلومات وبيانات وعدّة شغل محكمة، وتكون المواضيع التي يتطرق لها البرنامج مفيدة وتصل بالمشاهدين إلى نتائج مقبولة، أو على الأقل تظهر الآراء على اختلافها من دون تحيزّ أو بلا عرض مطط، هدفه الإثارة فقط.

وفي الحلقة، قدّم الإسلامي نفسه في صورة يتلذذ بها أي ليبرالي عربي: تحدث بفُصحى قديمة الطراز، وسَرَد موقفه على طريقة "فإن قيل: كذا، قلنا: كذا" التراثية التليدة، وفاح كلامه عن استعلاء وفوقية أخلاقيين منفّرين. على الجانب الآخر، لم يبتعد الملحدين عن التعبير عن أنفسهما بسطحية وخفة ونبرة عاطفية. أما الليبرالي فلم يمس جوهر الموضوع، ثقافيًا واجتماعيًا، في معظم ما نطق به، وقليلًا ما سمح له أصلًا بالحديث. وهذه نقطة سلبية تسجل للمقدم جعفر عبد الكريم، الذي بدا أنه يحاول على طريقة معظم مقدمي برامج الـ"توك شو" العربية، الاستنجاد بطرق إقصائية في محاورة ضيوفه.

والحلقة، بشكلها هذا، تقدّم نموذجًا على ما يحصل في الإعلام الناطق بالعربية عند مناقشة الإلحاد. لا خروج عن "التصيّد" والإيقاع بالضيوف في شرك الكاميرا. إرباكهم في سلسلة أسئلة ليس هدفها المعرفة والخروج بأجوبة شافية، بل فقط وضعه في حيرة، وجعله فيما بعد "مادة" للمتلقين، خصوصًا بعد ما قرأناه على مواقع التواصل من نقد وهجوم وردود فعل.

يشار إلى أن "شباب توك" تناول في حلقات سابقة مواضيع أخرى مثيرة كالتربية الجنسية وإمامة المرأة والمثلية الجنسية والحجاب والنقاب. لكن يظل السؤال: هل يقدم هذا البرنامج، وغيره من البرامج التي تتناول نفس المواضيع، ما هو أكثر من الإثارة؟ أو، بطريقة أخرى: هل تكون الإثارة، أحيانًا، كافية؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل فقد التلفزيون سحره في يوميات العائلة العربية؟

عتبة لم تجتزها فضائيات العرب