15-فبراير-2016

قراءة شعرية في مكب نفايات ضمن مشروع ميليشا الثقافة

تأتي شعريّة نصوص الشاعر العراقي كاظم خنجر (مواليد 1990) من تلك المناخات التي تستدرج ثيمة الموت بشكله الأكثر فجاجة وتنفيرًا إلى مربع تصير به هذه الثيمة مرتعًا خصبًا للصورالشعريّة المحكمة والقادرة على إقناع القارئ بنبرتها المغايرة.

تبرز اليوم موجة من الكتابات الشعرية العراقية التي تشبه نعيًا أو هجاءً عميقا للواقع 

يحيل عنوان مجموعة الشاعر "نزهة بحزام ناسف" (2016) إلى ما يفترض أنّه واقع موتِ الثقافة والمعنى الإنساني للكائن في مربعات الحروب المروّعة في العراق. على أنّه العنوان الذي يصير مفتتَحا لبناء شعرية بالغة الخصوصية تتصل بالواقع الملتبس المثير الذي يضع حياة الكائن البشري كل يوم وكل ساعة على المحك. الواقع الذي يشكّل شعريًّا بما يشبه تأليفًا ثانيًا يعاد من خلاله تركيب صورة الأجساد المفتتة بالتفجيرات.

تنبنى الشعرية عند خنجر فعل السيطرة على الأجساد باللغة التوصيفية المتنبّهة بحدّة للتفاصيل وعلى ما يشبه إعادة بعث هذه الأجساد فنّيًا. بعثُها بمعنى الشغل على تجميع بؤسها وفجائعيتها وأصوات أعضائها الدقيقة المسموعة ومن ثم صبّها في التركيب الشعريّ البسيط الذي يحيلها أجسادًا ساطعة وحاضرة ورمزانية بقوة وقادرة، بخلاف العادة، على جذب هذا المتلقي وتسكينه بشعريتها. "منذ ساعة وأنا أرّتب هذه العظام الرطبة في بطن التابوت/ محاولا إكمالك/ وحدها تدري المسامير التي/ على الجانبين بأن هذا قليل" (ص9).

"نقيس نبتة الموت على الجثث المتروكة فوق الأسفلت/ ببقعة الدهن السائح تحتها/ إّلا أننا لا يمكننا ذلك مع الجثث المتروكة على التراب" (ص11)، عند الليل/ أعمدة الكهرباء/ تمشي بالرؤوس المقطوعة إلى أجسادها/ بعدما تداولتها الأقدام/ والحراب الأمريكية والذباب" (ص16)،" عند كل ليلٍ/ أَسحلُ عيوني إلى تلّ العمى.. أنفضها/ ولا تسقط الرؤوس المقطوعة/ أنفضها/ ولا تسقط الرؤوس المقطوعة" (ص18)، "على رصيف المسجد، جثث ناشفة لا نعرفها. لهذا يأتي/ أُناس لا نعرفهم، يشترون الخشب، يجهزون التوابيت/ بينما يقشر المؤذن بصوته الدماء اليابسة عن سكاكين القتلة" (ص67).

يمكن إدراج هذا النثر، كمناخ شعريّ ذي خصوصية عراقية "ميليشيا الثقافة"، بموجة الكتابات الشعرية العراقية التي تشبه نعيًا أو هجاءً عميقًا للواقع وللذات المهجوسة بالموت المعشش في كل تفاصيل الحياة. لكنّ نثر خنجر يفترق جوهريًّا عما قيل من شعر عراقيّ على هذا النحو بكونه لا يتكئ على ذلك النفس الملحميّ المتفخّم والحزين ولا يوظف تلك الإحالات التاريخية الدلالية النمطيّة شعريًا بل إن هذه النزهة هي الموت والجسد عاريان وصادمان وفائقان، وعاديّان في نفس الوقت، بلا إحالات من الخارج، بل يتعمّر الشعر هنا، غالبًا، بمجازاته المحدودة والدقيقة، من عمليات تقليب دلالية في اللغة، تحيل، في النتيجة، إلى مشاعر وحميميات ذاتية ومترسبة في قاع النفس، كل نفس عراقية حيّة. "الأعمى دموعه تخرج من عكّازه"(ص69). "أجمع جثثهم، أُقسم/ حزني على الأحلام/ وفي كل ليلة أراهم ينشفون مثل/ الجراح التي تغرينا بحكها، وما إن أبدأ حتى تسيل/ دماؤهم على الفراش"(ص71). "الذين تجمعوا في السوق/ قطعتهم السيارة الملغومة/ كانت أعضاؤهم تسقط/ كمن يحمي أحدهم الآخر/ كانوا يحبون نظافة السوق/ لهذا جمعوا كل الشظايا بأجسادهم، حتى أننا وجدنا/ السوق نظيفًا ومغسولًا بالدم"(ص73).

اقرأ/ي أيضًا:

"الجسد البارد".. رواية عن الوجود السوري في لبنان

"أولاد الغيتو- اسمي آدم".. سردٌ بلغة النّار