10-أغسطس-2016

نجم الدين سيدي عثمان في إحدى رحلاته

سافر معظم الكتّاب والشعراء والإعلاميين والفنانين والسياسيين الجزائريين إلى شتى بقاع العالم، في مهمّاتٍ رسميةٍ وأخرى سياحية وثقافية، قصُر بعضها وبعضها طال، لكن الذين رصدوا تفاصيل رحلاتهم وكتبوا تأملاتهم في الإنسان والمكان، في إطار أدب الرحلة الذي يجد رواجًا له في المشاهد العربية والغربية الأخرى، يُعدّون قليلين جدًّا، بما يثير الفضول في هذا الباب.

يكتسب كتاب "يوميات جزائري في قلب أفريقيا" أهميته من رصده لنبض الإنسان والمكان

البعض عتّم على رحلاته، والبعض اكتفى بالإعلان عنها، فيما ذهب آخرون إلى استعراض صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي، من غير أيّ تعليق أو تقديم لخلفية الصورة، تمامًا كما يفعل الشباب العاديون، بل إن بعضهم احتل واجهات الصور، من غير أن يسمح لملامح المكان الذي تفاخر بزيارته بالبروز.

اقرأ/ي أيضًا: الطاهر وطار.. الحياة داخل الأسئلة الحارقة

في ظل هذه النزعة المحتاجة إلى مقاربتها، تستعد المكتبة الجزائرية لاستقبال كتابٍ في أدب الرحلة، عن "دار الأمة"، للإعلامي الرياضي نجم الدين سيدي عثمان (1984)، الصحفي منذ عام 2005 في "الهدّاف" أشهر جريدة رياضية جزائرية.

الكتاب الذي حمل عنوان "يوميات جزائري في قلب أفريقيا"، بعنوان فرعي هو: "حكايات ومشاهدات من مالي إلى ليزوتو في 137 يومًا"؛ يكتسب أهميته من العين اللاقطة التي يتميز بها كاتبُه، واللغة الأنيقة الراصدة لنبض الإنسان والمكان، بما اختلف تمامًا عن اللغة الصحفية التي عوّدنا عليها في مقالاته الرياضية، ومن الوجهة الأفريقية التي بقيت يتيمة في المشهد الجزائري، روايةً وقصةً وتشكيلًا وإعلامًا وسينما ومسرحًا، وكأنه ليس مشهدًا أفريقيًا، حتى أن الغربيين الذين استثمروا فنيًا وأدبيًا وإعلاميًا في الجماليات واليوميات الأفريقية، يتفوقون عددًا على الجزائريين الذين فعلوا ذلك.

ضمّ الكتاب عشر رحلات إلى عشر دول هي: مالي وبوركينا فاسو وليزوتو وبنين وجنوب أفريقيا ومالاوي وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية، في عناق جمالي بين التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والفنون، يسمح للقارئ بمعرفة أنماط الحكم والمعيشة والتفكير والسلوك والمعمار، والتعاطي مع الحياة في تجلياتها المختلفة، والآخر في ملامحه وردود أفعاله المغايرة. 

هذه الظلال المتداخلة التي تذكّرنا بما كتبه القاص سعيد بوطاجين في رحلته إلى الخليج العربي، والروائي سعيد خطيبي في "جنائن الشرق الملتهبة"، ليست استعراضًا للمعلومات والأرقام والمعطيات فقط، بل هي تأملات وقراءات واستكناهات أيضًا، تمنح القارئ فرصة أن يعرف البلد المزار من الداخل، بعيدًا عن برودة الموسوعات العلمية والأشرطة الوثائقية.

نجم الدين سيدي عثمان: زرتُ السودان بلدًا وقد خرجت منه وقد صار بلدين

يقول نجم الدين سيدي عثمان لـ"الترا صوت" إنه كان في كل بلد يحرّك عقارب الساعة إلى الأمام أو الخلف، ثم يتحرك بلا وجهة محددة، قبل أن يضع أمتعته في غرفة الفندق، بحثًا عن المتعة والدفء اللذين كان يجدهما في دول أفريقيا. "كنت لا أتردد في طرح الأسئلة، مدفوعًا بغريزة الفضول التي أرّقت والدي وأنا صغير، ولم يكن الأمر في النهاية -رغم ضيق الوقت- يحتاج إلى أن أكون صحفيًا لأكتب، إذ يكفي أن تكون إنسانًا فضوليًا متفتحًا على الآخر لتكتب".

اقرأ/ي أيضًا: "مجاز السرو" لعبد الوهاب عيساوي.. للقصّة رائحة

كانت كل كلمة وليدة لحظتها، يقول سيدي عثمان، "فقد آثرت الاختصار لأنقل كل هذه التجارب الإنسانية، مستفيدًا من كوني سجلت كل شيء في رحلاتي، علمًا أن الأحداث كتبت في حينها، فكانت نزيهة مع أني لا أنفي عنها بعض الذاتية والتسرع، فبعضها كتبته وعمري 24 سنة، مثلما هو الشأن في رحلة مالي".

وعن طبيعة اللغة المستعملة في كتابة هذه الرحلات يقول: "يشيع عن الصحافي الرياضي أنه محدود لغويًا وهذا التعميم، كان من بين دوافعي لتأليف هذا الكتاب، وقبله كتاب عن مونديال البرازيل. لقد كان الأمر يستدعي استحضار كل ما يمكن استحضاره من أدوات، مستفيدًا من اطلاعي على كتب السير الذاتية، وما كتب في أدب الرحلة، فكان يجب أن يخرج الكتاب من السياق الرياضي، للقبض على نبض المكان والزمان والإنسان".

سألناه عن خلفية تركيزه على بعض الأحداث السياسية العابرة، في نص أدبي يفترض أنه يتعالى عن العابر فقال: "زرت السودان بلدًا وقد خرجت منه وقد صار بلدين، إذ عشت حدثًا تاريخيًا في الخرطوم، وهو إعلان استقلال الجنوب. بالتالي لا يمكن أن تكون في السودان يوم انشطر، وتعتبر ذلك حدثًا عابرًا، كما لا يمكن أن تزور ليبيا شهرين قبل ثورة 17 فبراير، ولا تكتب عن مبادلة بنغازي للبغضاء مع معمر القذافي، وعمّا عايشته لحظتها".

يستحضر سيدي عثمان بعض الطرائف التي حصلت له في هذه الرحلات، منها: "في مالي التقينا ساحرًا طلب مالًا، مقابل فوز فريق "وفاق سطيف"، وسألنا عن رقم لاعب من الفريق المنافس ليكسر عظام ساقيه، وبعد أن تسلّم المال، اخترت صدفة رقم 10 وفعلا أصيب حاملُه، وخرج مصابًا بكسر في حمّالة، لكنّ "وفاق سطيف" لم يفز، ولما سألنا الساحر عن ذلك، قال إننا أخبرناه بأن فريقنا يلعب بالأسود والأبيض ولكنه دخل اللقاء بالأزرق".

اقرأ/ي أيضًا:

رواية ما بعد الانتفاضة الثانية.. الحاضر المفقود

نيرودا كتب لي قصيدة